السعودية «نحو مفاوضات بمشاركة الأسد»
روزانا رمّال
بدخول المملكة العربية السعودية الحرب اليمنية بحساباتها كافة دخلت معها المنطقة بتعقيد جديد كاد يكشف عمق المشكلة التي تتقدم لتحتل عنوان المشهد العام بالشرق الأوسط لعقد مقبل فالحرب على اليمن جاءت بعد إنجاز المرحلة الأولى من الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب الذي وضع طهران أمام مهلة تنفيذ نجحت بتكريس حرب اليمن عنصراً جديداً يزيد الحساب ضبابية بالمنطقة التي لم تكن قادرة على اجتياز مرحلة التوتر في ليبيا والعراق وصولاً لسوريا حيث المعركة بكل ما لها من مفاعيل بمفاجآتها وتحدياتها اليومية آخذة واشنطن وموسكو نحو كباش من غير المعروف مدى إمكانية البت فيه مع تصاعد نيات العسكرة والتسليح بين الطرفين ونسف مقومات الحوار السياسي لحل الأزمة.
تعرّض الحوار السياسي في سوريا لانتكاسة كبرى في جنيف تحدّث عنها الرئيس السوري بشار الأسد في معرض خطابه أمام مجلس الشعب السوري عندما كشف أن المسألة لا تزال قيد الشكليات، فكلامه عن أنه لا يوجد «طرف» يتحاور معه النظام حتى الساعة أي أن المعارضة لم تنتدب حتى تاريخه ممثلها القادر على تقديم وجهة النظر الغربية. وهنا فإن أي حديث عن مبادرات لديمستورا مدعومة بالزخم الروسي الكثيف يبقى خارج اطار الحلحلة التي بدت في الأشهر الماضية. ومع هذا خفتت حظوظ جنيف ومعه الهدنة شمال سوريا وعلا صوت السلاح.
الشمال السوري يشكل بمعركة اليوم وجهة ومفصل النزاع برمته بالنسبة لتركيا و«إسرائيل» وإيران وسوريا بطبيعة الحال. فهناك يتوضح ميزان القوى ويتهاوى معه مخطط تغيير شكل الحكم السياسي في سوريا من جهة والمنطقة من جهة أخرى، فلا تزال حلب حتى الساعة حلماً تركياً قادراً أن يستعيد زخم الحركات الإسلامية التي تندرج ضمن جبهات الإخوان المسلمين الممتدة بالمنطقة، بسبب الحضور التركي الكثيف مباشرة وغير مباشرة عبر متابعة المجموعات المسلحة. بالتالي فإن أي حديث عن حسم قريب يأخذ بعين الاعتبار كل الحساب السياسي القادر على قلب المشهد وأخذه نحو المزيد من الحروب أو المزيد من التعقيدات قبل الحديث عن حلول ليبقى الموقف التركي معلقاً ما دام المصير الكردي كذلك.
بهذا الإطار وبعيداً عن الموقف التركي من الأزمة في سوريا وعن حسم الخيارات، فإن المملكة العربية السعودية اليوم تتقدم لتعترف بما يمكن اعتباره مؤشراً بارزاً على المقبل من الأيام بما ستحمله الرياض من موقف يرفع السياسة لمصاف الاولوية بالنسبة إليها بقرار متخذ مسبقاً. ففي سوريا لا تزال المملكة تنادي بإسقاط الرئيس السوري بشار الأسد عن الحكم في البلاد متجاهلة «ظاهرياً» أخذها بعين الاعتبار صعوبة الأمر بظل الوجود الروسي ما يؤشر الى تعقيد وتعنت واضحين يشوبان العلاقة بين التطورات الميدانية والنيات السعودية غير القابلة للتنفيذ، فتبدو الرياض تحشد لمزيد من رص صفوف المسلحين في سوريا من اجل تحقيق اكبر قدر ممكن من مكاسب تضيفها لمكاسب حلفائها الميدانية، لكن كل هذا لم يفلح في إبرازه كحقيقة الموقف السعودي فلم يعد ممكناً حجب ما قدمته المملكة تجاه الأزمة اليمنية من تنازل يتكفل بإحراجها سياسياً من جهة وكشف منطقها المزدوج من جهة أخرى في إدارة العملية السياسية في سوريا او حتى التداول فيها مع حلفائها الخليجيين. فإذا كانت الرياض ترفض أي شراكة مع إيران وحلفائها او ترفض شتى أشكال الانكسار امام مشاركة هذا الحلف سياسياً، فكيف لها ان تفسر توجهها نحو الكويت للتفاوض مع الفريق اليمني عبر حلفائها مقابل حليف المحور الإيراني بشكل او بآخر بالصورة الأبرز التيار الحوثي «أنصار الله»؟ كيف يمكن تفسير إصرار حلفاء المملكة على البقاء في الكويت حتى يتبين الخيط الأبيض ويتصاعد دخان الحل هناك؟ لماذا لم ينسحب حتى الساعة الوفد اليمني الموالي للرياض؟
تتقدم إذاً عند المملكة أولوية عدم إفساد الحوار في الكويت والخروج بحل يضع للحرب التي دامت سنة وثلاثة أشهر أوزارها ويرسم مشهد المشاركة الوطنية داخل اليمن، بما من شأنه عدم كسر المفاوض السعودي أمام الوفد الحوثي الذي يشارك لأول مرة في مفاوضات تتحضّر للاعتراف بأحقية وجوده في البلاد والسلطة وهو بحدّ ذاته تحوّل يحيط بمصير المملكة السعودية التي تعايشت لعقود مع فكرة ضبط الأجواء رسمياً وميدانياً باليمن التي تشكل بوابة التقدم الإيراني غير المباشر لجهة صعود موقفها المؤيد لحركات تحررية بالخليج. وهو ما حاولت السعودية إخفاء حضوره بأكثر قدر ممكن.
تكشف السعودية بخضوعها لفكرة مشاركة التيار الحوثي بالحكم باليمن نيتها انتهاج مسلك لا يمكن فصل ترابطه بالمنطقة بحسابات ضيقة لا تجعل من مطالبتها بعدم مشاركة الرئيس السوري بشار الأسد بأي حل سياسي سوى مطلب ظرفي غير قابل للصرف في زمن المفاوضات المقبل، فقبولها بالشراكة مع الحوثيين الذين لم تعترف بوجودهم أو أحقية استحصالهم على مكتسبات مدنية في اليمن، وهو ما يعتبر أصعب وأكثر خطورة على أمنها القومي من سوريا يحتّم عليها قبول ذلك مع النظام السوري في سوريا التي تتوجه اليوم نحو معارك الأشهر المقبلة الفاصلة قبل حديث السياسة.
السعودية خضعت لمبدأ التسويات في اليمن، وتنسج ذلك مع الأفرقاء بالكويت بدون أي التباس، وستخضع لذلك بعدها في سوريا. فحتمية القبول بالشراكة مع أنصار الله تعني حتمية الشراكة مع النظام السوري قطعاً.