آب المقدَّس… في أي كتاب نزل؟
ناصر قنديل
– يتكرّر ربط ساعات التوقيت للكثير من ملفات المنطقة على موعد ينتهي في شهر آب المقبل، وتتصدّر سورية الساحات التي ترتبط ساعة توقيتها بهذا الشهر الذي صار يبدو كمقدس يتمسك ببركته كلّ مَن يواجه مأزقاً في ملف، وكان آخر الملتحقين ركاب قاطرة الحوار اللبنانية، الذين توافقوا على خلوة حاسمة لملفات الحوار العالقة في آب، ومثلهم فعل المبعوث الأممي في اليمن إسماعيل شيخ أحمد بالقول إنه سيمهل نفسه والمفاوضين اليمنيين لبلوغ شط الأمان في السعي لحلّ سياسي في اليمن حتى شهر آب المقبل، ولم يكن مفاجئاً أن يخرج المبعوث الأممي في سورية ستيفان دي ميستورا فيقول إنّ آخر مهل الدعوة لمحادثات جديدة في جنيف لحلّ سياسي في سورية هي نهاية آب المقبل، فقد سبق وذكر آب في متن القرار الأممي 2254 الذي بشر بقواعد الحلّ السياسي في سورية، لدولة موحدة وسيدة وعلمانية يقرّر السوريون وحدهم مستقبلها السياسي ودستورها ورئاستها، لكن قبل أن ينتهي شهر آب.
– في مرات كثيرة مدّدت مهل لمفاوضات دولية، ووضعت أرقام لأشهر التمديد تفترض فضول التساؤل كمثل الحديث عن تمديد التفاوض حول الملف النووي الإيراني من تشرين الثاني 2014 تفاوض بدأ في تشرين الثاني 2013، بعد مشاورات لشهر أعقبت التفاهم على الحلّ السياسي للسلاح الكيميائي السوري، بصورة بدا الربط بينهما طبيعياً، برحيل الأساطيل الأميركية وصرف النظر عن الخيار العسكري، واعتماد الحلول التفاوضية، أن يكون الملف التالي هو الأشدّ تعقيداً وأهمية وهو الملف النووي الإيراني، كما بدت مهلة السنة طبيعية فهي رقم صحيح، أما لماذا تمّ بعدها التمديد لسبعة أشهر دون القول لماذا ليست تسعة أو عشرة أو سنة، ومن أين جاء الرقم سبعة؟
– يستطيع المدقق أن ينتبه أنها الأشهر التي تنتهي في آب أيضاً لكن من العام 2015 ومنها تبقى سنة لحلول آب 2016 المقبل، أيّ أنّ المطلوب أن يكون التفاهم ناجزاً قبل سنة من آب 2016، وهي سنة ستخصّص كمهلة لإنجاز آخر من المنطقي أن يمنح رقماً صحيحاً لا كسور فيه من المهل، ولكن إذا كان رقم السنة حتى آب 2016 صحيحاً لملف حساس وخطير، وعليه بنيت مهلة الأشهر السبعة الإضافية للتفاوض مع إيران وقتها، فماذا سيحدث في آب 2016 حتى يجب أن تكون سنة قبله لهذا الملفّ الحساس وكانت قبله الشهور المضغوطة بسبعة للملف النووي تمديداً، ماذا في هذا الـ «آب المقدس» لهذا العام؟
– عندما نتحدث عن آب 2016 كسقف لملف حساس منح مهلة سنة للنضوج، فسهل أن نكتشف أنه سورية التي بدأ منذ آب 2015 التحضير لوضعها على طاولة التفاوض الدولي والتمهيد لمشاريع الحلّ السياسي فيها، وهذا معنى أنّ التموضع الروسي العسكري فيها تمّ فوراً تقريباً بعد إنجاز الملف النووي الإيراني، فبين إنجاز التفاهم على الملف النووي والتموضع الروسي شهران هما آب وايلول من العام 2015، فيصير آب 2016 موعداً لسورية تضعه واشنطن لحسم خياراتها في سورية، فيجب أن يكون آب هذا العام شهراً سورياً حاسماً، وهو ليس شهراً لأيّ استحقاقات سورية، فلماذا هو شهر الخيارات الأميركية الحاسمة في سورية؟
– تنتهي ولاية الرئيس الأميركي نهاية العام وتجري الانتخابات في أيلول ويصير بعدها الرئيس في وضع البطة العرجاء التي لا يجوز عرفاً بعدها أن يتخذ قرارات كبرى بوجود رئيس منتخب يستعدّ لتسلّم مهامه، فيصير شهر آب آخر أشهر ممارسة الإدارة الأميركية الحاكمة للسياسة الخارجية، ومعلوم أنّ الجيوش الأميركية تنهي انسحابها من أفغانستان في موعد وضع بدقة ليكون متطابقاً مع نهاية ولاية الرئيس الأميركي باراك اوباما، الذي تعاقدت معه الجيوش على ولايتين ينهي خلالهما الانسحاب من العراق وأفغانستان، ويحلّ مكانها ترتيب جيوسياسي يواكب الانفتاح الجغرافي الذي سيشهده البرّ الآسيوي منذ انتصار الثورة الإيرانية، بتواصل بري بين روسيا والصين وإيران عبر البرّ الأفغاني، وللتفاهمات التي يجب أن تطال روسيا والصين وأفغانستان، أن تكون حول سورية، التي تشكل نافذة مثلث عمالقة آسيا الثلاثة على البحر المتوسط، وإلا صارت المهمة أصعب على الرئيس الجديد، خصوصاً أنّ روسيا وإيران والصين، سيستثمرون بانفراد الغياب الأميركي العسكري، والغياب السياسي برئاسة وإدارة جديدتين لفرض أمر واقع في سورية وغيرها.
– آب 2016 آخر مهلة للرئيس أوباما لمنح مرشح الحزب الديمقراطي للرئاسة مصدر قوة سياسي، بتفاهم كبير لا يطال سورية وحسب، بل يطال عبرها إنجازاً مبهراً في الحرب على الإرهاب، في ظروف انتخابية صعبة تواجهها المرشحة هيلاري كلينتون، ليصير موعد سحب اليانصيب الإقليمي للرئاسة الأميركية هو آب 2016، ولذلك كله يضبط الجميع ساعاتهم على هذا التوقيت.