إيران والقضية الفلسطينية… دعم متواصل ومستمرّ حتى النصر والتحرير
د. محمد شعيتاني
كان ضمن استراتيجية «إسرائيل» التي وضعها بن غوريون في خمسينات القرن الماضي محاصرة الدول العربية ومحاربتها عن طريق الدول الإسلامية المحيطة بها خاصة تركيا وإيران، ونجحت «إسرائيل» في صياغة سياسة تحالف استراتيجي مع هاتين الدولتين في عهد شاه إيران محمد رضا بهلوى، والحكام الأتراك العسكريين. واستمرت هذه الحال إلى أن جاءت الثورة الإسلامية الإيرانية فقلبت الطاولة على رؤوس الإسرائيليين ومعهم الأميركيين. وأصبحت مدافعاً استراتيجياً بالعقيدة والفكر والموقف والكلمة والدعم المادي والمعنوي والعمل والنشاط السياسي والدبلوماسي والتعبئة الشعبية والسياسة الخارجية عن فلسطين والقضية الفلسطينية:
أولاً: إيران الشاه
كانت إيران في عهد الشاه في حالة تحالف استراتيجي دائم مع العدو الصهيوني، وكان التنسيق قائماً على قدم وساق في جميع المجالات العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية، إذ كانت الدولتان تتبادلان الزيارات لكبار القادة العسكريين والأمنيين للتنسيق بينهما في العدوان على الدول العربية والوقوف في وجه القائد العربي الكبير جمال عبد الناصر الذي كان يقود حركة تحرّر ضدّ الاستعمار والصهيونية وأعوانها في المنطقة، وخاصة ما كان يُعرف في ذلك الوقت بالرجعية العربية، وكان عبد الناصر يقف مع حركات التحرّر والمقهورين والمضطهدين في بلادهم، ومن ضمنهم الإمام الخميني الذي كان ينشط بفكره وتحركاته ضدّ الاستكبار العالمي وعملائه. حيث كان الشاه خادماً طيّعاً للقوى الامبريالية والصهيونية، بل كان الكثير من المخططات العدوانية والتآمرية على الأمة العربية والإسلامية تتم في إيران، وكان الشاه يسخّر إمكانات بلاده لهذا الغرض. فكان يتآمر على عبد الناصر وقوى التحرّر في المنطقة إلى درجة أنه أرسل قوات إيرانية لمحاربة ثوار ظفار في سلطنة عُمان في ذلك الوقت، وإجهاض الثورة والوقوف في وجه المدّ الثوري، وهو بهذا كان يخدم الأهداف الاستعمارية لأنه كان أحد الأدوات التي يستخدمها الغرب الامبريالي.
ووقف شاة إيران بشدّة ضدّ الشعب الفلسطيني وثورته المسلحة، وكان يتعاون أمنياً واستخبارياً مع «إسرائيل» بهذا الصدد، وكان يتمّ التنسيق بين جهاز الشاباك الصهيوني وجهاز السافاك الإمبراطوري لاحظ التنسيق حتى في الاسم وجهاز «سي أي آي» الأميركي لملاحقة ومتابعة الثوار الفلسطينيين. وتقول الوثائق الأميركية التي تمّت مصادرتها بعيد الثورة من السفارة الأميركية إنّ اغتيال القادة الفلسطينيين أبو يوسف النجار وكمال عدوان وكمال ناصر تمّ الإعداد والتخطيط له في سفارة أميركا في إيران، إذ كان سفير أميركا في إيران في ذلك الوقت هو ريتشارد هولمز وهو رئيس سابق لـ«سي أي آي»، لأنّ إيران كانت أهمّ محطة استخبارية لـ«سي أي آي»، ومن هنا وقع الاختيار على رئيس «سي أي آي» كي يكون سفيراً لأميركا في إيران، وكذلك الأمر بالنسبة لـ«الموساد» إذ كانت أهمّ محطة للموساد في المنطقة في طهران حيث التنسيق اليومي بين هذه الأجهزة الأمنية الثلاثة ضدّ حركات التحرّر والأنظمة التحرّرية في المنطقة، وكان البترول والغاز الإيراني يصل «إسرائيل» بسهولة في الوقت الذي كانت تشتدّ فيه المقاطعة الاقتصادية والسياسية والثقافية على هذا العدو الصهيوني، والتي كان يقودها الزعيم عبد الناصر.
وكان شاه إيران يهيمن ويسيطر على منطقة الخليج بل كان يعامل حكام وأمراء الخليج والسعودية باحتقار لأنه كان القوة العظمى التي تحكم سيطرتها على المنطقة بالتحالف مع «إسرائيل» وأميركا والرجعية العربية والأكثر من ذلك كان يتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، إذ وقف بشدة مع حركة الانفصال الكردية في العراق وكان يمدّها بالمال والسلاح ويوفر لهم القواعد في إيران، حتى يخلق مشاكل للعراق ويضعفها ويشلّ دورها القومي في مواجهة العدو الصهيوني وكانت دول الخليج جميعها بما فيها السعودية خاضعة للشاه ولم نسمع في ذلك الوقت عن أيّ اعتراض من تلك الدول على دور إيران المهيمن عليها تماماً، بل كان كلّ أمراء وحكام الخليج يحجّون إلى الشاه ويقدّمون له فروض الولاء والطاعة، أيّ أنّ شاه إيران كان يهيمن على حكام تلك المنطقة برضى من الحكام والأمراء الذين لم يحرّكوا ساكناً ضدّه. إضافة إلى ذلك، فقد كان شاه إيران حاكماً مستبداً ضدّ شعبه يحكمه بالحديد والنار والأجهزة الأمنية ويستقوي على شعبه بالغرب وخاصة أميركا و«إسرائيل»، بل أنه استورد قيم المجتمع الغربي المنحلّ وغرسها في إيران، وواجه بالقمع والقتل كلّ من وقف في وجهه رافضاً تسلطه وارتباطه مع الغرب وبلغ الفساد كلّ أوجه الحياة المدنية والثقافية والعسكرية، وحارب علماء الدين والإسلام والمسلمين وزجّ بهم في السجون وكان عصا أميركا الغليظة في المنطقة بالإضافة إلى الكيان الصهيوني المغتصب.
إيران الثورة الإسلامية
لقد ارتبط الإمام الخميني بالقضية الفلسطينية قبيل الثورة المباركة التي قادها للإطاحة بشاه إيران الطاغية المستبدّ، إذ أصدر عام 1968 أول فتوى تصدر من عالم دين إسلامي، تحث المسلمين على الدعم والتبرّع للثورة الفلسطينية بأموال الزكاة وغيرها حتى تستمرّ في مقاتلة العدو الصهيوني من أجل تحرير فلسطين ورفع الظلم والحيف الذي حاق بالشعب الفلسطيني، وكان لهذه الفتوى تأثير كبير على المسلمين نظراً لأهمية ومرجعية الرجل الذي أصدرها، أيّ الأمام الخميني الذي هو من أهمّ المراجع الإسلامية المعاصرة. وبعد نجاح الثورة قام فوراً بإغلاق السفارة الإسرائيلية وطرد الإسرائيليين ووجه دعوة للقائد الشهيد ياسر عرفات للقيام بزيارة رسمية إلى طهران، ولأول مره في تاريخ حركات التحرير في العالم تقوم الطائرات الإيرانية المقاتلة بمرافقة طائرة عرفات عند دخولها الأجواء الإيرانية، ومعاملته معاملة الرؤساء الكبار وليس كرئيس منظمة فحسب، وتم إعداد استقبال رسمي وشعبي كبير لعرفات الرئيس الأول في العالم الذي قابل الإمام الخميني بُعيد انتصار الثورة.
وقامت الثورة الإيرانية بتسليم عرفات مفاتيح السفارة الإسرائيلية التي تحولت إلى سفارة فلسطينية، وعيّن هاني الحسن عضو اللجنة المركزية لحركة فتح كأول سفير فلسطيني في عاصمة الثورة الإيرانية، ومنذ تلك اللحظة قدّمت الثورة الإسلامية كلّ دعم للفلسطينيين وثورتهم، حتى أن الرئيس عرفات كان يفاخر ويردّد في تصريحاته أنّ جبهتي تمتدّ من خراسان في إيران إلى صور في جنوب لبنان، وذلك أيام كانت لبنان قاعدة الثورة الفلسطينية. وأمتدّ الدعم الإيراني المتواصل للشعب الفلسطيني على جميع المستويات، انطلاقاً من مبادئ الثورة الإسلامية، التي ترى أنّ أرض فلسطين هي أرض إسلامية يجب على جميع المسلمين المساهمة في تحريرها، وأنّ «إسرائيل» ليست سوى كيان مغتصب خلقه الاستكبار العالمي في قلب العالم الإسلامي، وأنها بصفتها قاعدة للإرهاب العالمي وخنجراً مسموماً في قلب الوطن العربي الإسلامي تشكل أكبر تحدّ يواجه العالم الإسلامي اليوم وتلعب دوراً شريراً وشيطانياً في إبقاء العالم الإسلامي منقسماً، وذلك أنّ «إسرائيل» المتحالفة استراتيجياً مع الغرب، تريد أن يبقى العالم الإسلامي متخلفاً علمياً وتقنياً وثقافياً وصناعياً واقتصادياً حتى تكون هي القوة الإقليمية الكبرى التي ترسم السياسات في المنطقة للسيطرة عليها وإبقائها تحت رحمتها ورحمة الغرب الذي يستمرّ في نهب موارد هذه المنطقة تحقيقاً لمصالحه الحيوية لهذا قامت الثورة الإسلامية الإيرانية المباركة بإطلاق ثورة ثقافية لتصحيح المفاهيم والمصطلحات التي كانت سائدة قبل الثورة، وبهذا حدّدت الثورة العدو من الصديق وأصبح الحديث عن العدو الصهيوني، الكيان الغاصب، والشعب الفلسطيني المظلوم، «يوم القدس» فلسطين المحتلة، المقاومة الفلسطينية، المقاومة الإسلامية، الجهاد الإسلامي، الاستكبار العالمي، الشيطان الأكبر، تحرير فلسطين، الأمة الإسلامية، جيش القدس، حكام تل أبيب المجرمين، مجرمو الحرب الصهاينة إلخ… وركز الخطاب السائد على توحيد ووحدة الأمة الإسلامية دون النظر إلى الاثنيات أو المذاهب. وتبنّت وسائل الإعلام الإسلامية الإيرانية المسموعة والمقروءة بكلّ اللغات الفارسية والعربية والإنجليزية استراتيجية إعلامية واضحة للدفاع عن القضية الفلسطينية وكشف الوجه الصهيوني الزائف، ومن يشاهد قناتي «العالم» و«الكوثر» الناطقتين بالعربية أو قناة Press T.V الناطقة بالإنكليزية، يظنّ أنها قنوات فلسطينية خالصة! من حيث حماسها ودفاعها عن القضية الفلسطينية والبرامج المخصّصة لهذه القضية المقدّسة، وترسيخاً لسياستها الإستراتيجية نحو فلسطين قامت الثورة الإسلامية باتخاذ العديد من الخطوات للدفاع عن القضية الفلسطينية نذكر منها:
– فتح معاهدها العلمية للطلبة الفلسطينيين لتلقي العلوم والتدريب في مختلف صنوف المعرفة.
– احتضان التنظيمات الفلسطينية المجاهدة خاصة حماس والجهاد الإسلامي وقدّمت كلّ الدعم المالي والمادي والمعنوي الضروري دون أيّ نظرة مذهبية ضيقة، بل اتسع قلب الثورة الإسلامية لجميع الفلسطينيين بغضّ النظر عن الديانة أو المذهب.
– الاحتفال بيوم القدس وتسيير التظاهرات المليونية في هذه المناسبة وتعبئة الشعب الإيراني نحو فلسطين والقدس وأهمية تحريرها وواجب المسلمين جميعاً في تحريرها بغضّ النظر عن المذهبية.
– تسيير تظاهرات في مختلف المدن الإيرانية في المناسبات المختلفة للدفاع عن الشعب الفلسطيني خاصة أثناء الحرب الصهيونية ضدّ قطاع غزة أو الضفة الغربية.
– الدفاع في الأمم المتحدة وأمام كلّ المنظمات العالمية والإقليمية والأممية ومنظمات حقوق الإنسان عن حق الشعب الفلسطيني في العودة والتحرير وعودة جميع اللاجئين الفلسطينيين إلى مدنهم وقراهم التي طردهم منها العدو الصهيوني بقوة السلاح وتعويضهم عما لحق بهم من ظلم وعدوان وتشريد.
– حث علماء المسلمين بغضّ النظر عن المذهب على تبني القضية الفلسطينية والدفاع عن الشعب الفلسطيني وحقوقه والوقوف في وجه الاستعمار الصهيوني الاستيطاني العنصري، الاستكبار العالمي الغربي الذي يقف معه.
– اعتبار القضية الفلسطينية من أهمّ مرتكزات السياسة الخارجية الإيرانية وهذا ما نراه في كلّ اللقاءات والاجتماعات الإيرانية مع الدول الأخرى، حيث تكون القضية الفلسطينية حاضرة في البيانات والتصريحات والتحركات باعتبارها قضية إيرانية بامتياز من منطلقات مبدئية كما أسّسها قائد الثورة الإمام الخميني.
– الرسالة الشهيرة التي أرسلها الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد إلى الرئيس الأميركي السابق جورج بوش والتي فضح فيها الظلم الفادح الذي ألحقه العدو الصهيوني والاستعمار الأميركي بالشعب الفلسطيني، حيث طلب من الرئيس الأميركي إعادة حق الشعب الفلسطيني وعودته إلى وطنه المغتصب فلسطين، هذه الرسالة التي لم تصدر عن أيّ زعيم أو حاكم غربي! بل أنّ الرئيس نجاد تحدّى بوش أن يقابله في مناظره حول القضية الفلسطينية وقضايا أخرى تمسّ كرامة وحرية الإنسان. بل والجرائم التي ترتكبها أميركا باسم الديمقراطية والحرية وما أطلقوا عليه اسم «الفوضى الخلاقة» أو «الشرق الأوسط الجديد»، أو «الكبير»… وما إلى ذلك من تسميات…
– مطالبة المجتمع الدولي بمحاكمة قادة «إسرائيل» الصهاينة كمجرمي حرب لارتكابهم جرائم حرب ومذابح ضدّ الشعب الفلسطيني.
– المطالبة بإنهاء الاحتلال ورفع الحصار الإجرامي الذي تفرضه دولة البغي والعدوان «إسرائيل» الصهيونية بالتواطؤ مع النظام الأميركي وبعض الأنظمة المتعاونة معها.
إنّ إيران سند كبير للشعب الفلسطيني وقضيته وهي قوة الممانعة والمقاومة للمشاريع الاستعمارية والإمبريالية والصهيونية في المنطقة، ويكفي أن ندرك أهمية الدور الكبير الذي تلعبه إيران في صمود هذه المنطقة بمقارنتها بإيران الشاه التي كانت خادمة للامبريالية. أنّ إيران القوية الممانعة المانعة هي وراء صمود ومقاومة سورية وحزب الله وحماس والجهاد الإسلامي، وكلّ قوى الممانعة في منطقتنا وهي في الخندق الأمامي دفاعاً عن أمتها الإسلامية والقضية المركزية للأمة الإسلامية أيّ القضية الفلسطينية، فهي لا تتدخل في الشأن الداخلي الفلسطيني كما تفعل «إسرائيل» وأميركا والرباعية وبعض أنظمة الاعتلال العربي. إنّ إيران الثورة الإسلامية تقف مع الشعب الفلسطيني انطلاقاً من مبادئ الدين الإسلامي الحنيف الذي ينصّ على نصرة المظلومين ومساعدتهم على تحرير وطنهم من المحتلّ الغاصب، وهي بهذا تدفع ثمناً غالياً فالمؤامرات الصهيونية والغربية والاستكبارية تتواصل على إيران بسبب موقفها المبدئي من القضية الفلسطينية ومطالبتها بزوال هذا الكيان الصهيوني المصطنع المحتلّ والقائم على الإرهاب والحروب.
تصوّروا لو أنّ إيران في حالة تحالف مع العدو الصهيوني والغرب أكانت تثار حولها كلّ هذه العواصف والزوابع التي تطالب بعزلها ومقاطعتها وفرض عقوبات عليها وتهديدها ليلاً ونهاراً وإرسال الأساطيل لمحاصرتها ومحاولة تخويفها وإرهابها؟!
وتصوّروا لو أنّ إيران خانعة ذليلة للغرب مثل الكثير من الأنظمة العربية التي تتفرّج على مجازر العدو الصهيوني ضدّ الشعب الفلسطيني، أكان أحد يهدّدها أو يمسّها؟! أنظروا إلى خنوع الكثير من الأنظمة العربية كبيرة أم صغيرة لا أحد يمسّها، بل يجري الدفاع عنها لأنها تسير بجهاز التحكّم عن بعد من واشنطن أو تل أبيب!
إنّ علينا ان نتوجه بالشكر الى الجمهورية الإسلامية في إيران على ما قدّمته وتقدمة من دعم الى أحرار العالم، وخصوصاً القضية الفلسطينية، بل علينا ان نهنّئ أنفسنا والشعب الإيراني والعربي والأمة الإسلامية بهذه الثورة العملاقة التي انطلقت إلى العلا علماً وتقنية وتقدّماً، بل انطلقت إلى الفضاء لتقول للعالم هذا هو العقل الإيراني العقل الإسلامي المبدع، فالتقدّم ليس حكراً عليكم، إننا سنعيد أمجاد الأمة، والثورة الإسلامية هي رأس الحربة في ذلك.
إنّ إيران ستنتصر على كل ّأعدائها من صهاينة وامبرياليين واستكباريين في الخارج، وسوف تنتصر أيضاً على ما يحيكونه ضدّها من مؤمرات ودسائس في الداخل ليحرفوها عن مبادئها التي انطلقت من أجلها.
رئيس هيئة حوار الأديان
باحث في الشؤون السياسية والاقتصادية والدينية