أردوغان.. بين بوتين والأسد
نظام مارديني
يبدو أن التفجيرات الإرهابية الدموية في مطار أتاتورك عجّلت التواصل التركي السوري، حيث كُشف عن اتصال للرئيس رجب طيب أردوغان بالرئيس بشار الأسد، وهذا الاتصال يأتي بعدما كُشِف عن مباحثات بين خبراء أمنيين سوريين وأتراك كانت قد أجريت برعاية مباشرة من الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة. ولكن إذا صحّ هذا الاتصال والمباحثات تكون تركيا قد بدأت بترميم علاقاتها مع دمشق، وذلك بعد سنوات من التآمر والمشاركة في العدوان الكوني على الدولة السورية. ويكون أردوغان قد وصل إلى نهاية الطريق!
تشير تحرّكات أردوغان، إذاً، إلى أنه يعيش في أضعف حالاته، وأن جدلية «الاستيعاب/ الاستبعاد» في توجيه مسارات سياسته الخارجية بدأت تأخذ مسارات أخرى بعدما أفلست مع روسيا، فكانت رسالة الاعتذار الشهيرة التي تلقاها الرئيس فلاديمير بوتين خارطة طريق تركية للانتقال من صفر أصدقاء مع دول الجوار إلى صفر مشاكل في المرحلة المقبلة.
كما أفلست سياسة أردوغان في موضوع سورية، التي أثبتت بالدعم الإقليمي إيران وحزب الله والدولي روسيا والصين ، أنها أذكى بكثير من غباء الحسابات التي وضعها البعض من أجل سورية واستطراداً المنطقة بمجملها.
ولكن إذا كان اعتذار أردوغان مبرراً لبوتين، فكيف سيستطيع المناورة لإقناع الرأي العام التركي بأنه كان مخطئاً في موضوع سورية والأسد؟
فلنبحث عن التوتر في العلاقات التركية الاميركية التي تمر بفتور سياسي بسبب دعم واشنطن لـ «قوات حماية الشعب الكردي» و«قوات سوريا الديمقراطية» وإحساس أنقرة أن هذا الدعم سيهدف في النهاية إلى تقسيم تركيا. وهو ما دعا أردوغان إلى خلط الأوراق وقلب الطاولة على الأميركيين بالذهاب الى التنسيق والتعاون مع بوتين والأسد.
الأتراك الذين سقطوا في اختبار النار السورية، أدركوا أن خرائط المنطقة يُراد لها أن تتزعزع.. فالأميركيون يفكرون بـ «كردستان الكبرى» مثلما فكروا ذات يوم بـ «إسرائيل الكبرى»! وفي رأي وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر «إن أزمات المنطقة وصلت إلى «الحائط الأخير». لا مجال للمعالجة إلا بعمليات جراحية مبرمجة بدقة، وقابلة للحياة. استطراداً، حلّ الدول القائمة، وبلورة معايير محددة، وكذلك المفاهيم الايديولوجية، للولايات أو الكانتونات ، على أن تكون القفزة التالية باتجاه الدولة الكونفديرالية التي تمتد من شط العرب إلى شاطئ المتوسط».. أي الهلال السوري الخصيب.
هو البحث عن أردوغان، إذاً، بين الأنقاض السورية، والذين يتابعون ما يُكتب في الصحافة التركية أو ما تأتي به الشبكة العنكبوتية، يسألون هل يمكن لأنقرة أن تكون، في رؤيتها الاستراتيجية، غبية الى هذا الحد؟ وهل يمكن لأردوغان أن يكون، بافتتانه بالمنحى «الكيسنجري»، ظلاً لذلك الغباء، وهو الذي اختلط عليه الأمر بين عمامة سليمان القانوني وقبعة مكيافيلي، بعدما بدأ يتصرف كما لو أنه حفيد رعاة البقر «الكاوبوي» في الغرب الأميركي!
لاحظ وزير الخارجية الوسي السابق يفغيني بريماكوف الذي كان على قيد الحياة لدى اندلاع الأزمة، أن سورية هي القاعدة الجيولوجية للمنطقة العربية، وهي القاعدة الجيوستراتيجية، إن تصدَّعت أو انهارت تصدَّعت وانهارت المنطقة بأسرها… وقال بريماكوف لأردوغان «أسوار دمشق مثل أسوار فيينا، لماذا تصرّ على أن تحطّم رأسك مثلما حطّم آباؤك رؤوسهم هناك؟».
حائراً وتائهاً وقانطاً يبدو أردوغان الذي لم يفلح في الوصول إلى أهدافه، بأن يكون السلطان انطلاقاً من سورية..
عمامته العثمانية ممكنة الآن.. لكنها تاجٌ من الشوك!