ستبقى سورية…!
د. خيام الزعبي
أصبحت تصريحات وخطابات المتآمرين على سورية بقيادة تركيا وأميركا بعد أكثر من خمس سنوات من العدوان، أكثر ارتباكاً وهستيرية وتناقضاً ولا عقلانية فيها، كلّ تصريح ينسف ما سبقه بدون أدنى خجل، بل في التصريح نفسه نجد تناقضاً واضحاً مشكوكاً فيه، حتى أنّ شعوبهم لم تعد تثق أو تصدّق أيّ تصريح لهم، وهذا بحدّ ذاته نجاح محسوب لسورية بشعبها وجيشها وقيادتها، وكلّ يوم يمضي على العدوان يزيد الإنسان السوري قوة وصلابة وصموداً، ولا تزيد المتآمرين إلا الخسارة والسخط والهزيمة.
اليوم ليس لتركيا وحلفائها مصلحة استراتيجية، في ضمان أن تظلّ سورية موحدة، وليس لهم مصلحة استراتيجية في وجوب أن تكون هناك سورية واحدة، وذلك لتكون الغلبة لهم ليسيطروا أكثر فأكثر ويشكلوا المنطقة كما يرغبون، وما التصريحات التركية التي تتحدّث عن استهداف الدولة السورية وإسقاطها وتقطيع أوصالها وتزويد الإرهابيين والمجموعات المسلحة بالأسلحة النوعية وقيامها بتدريب مقاتلي هذه الفصائل وفتح حدودها أمام عناصر هذه المجموعات إلى الداخل السوري، إلا دليلاً قاطعاً يكشف سعي تركيا وحلفائها الغربيين لتقسيم دول المنطقة لتسهل بذلك محاولات السيطرة عليها والتحكم بمصيرها…
وليس ما أكده الرئيس التركي خلال المؤتمر الصحافي في مطار «أتاتورك» الدولي باسطنبول أنّ «سورية على وشك أن تمحى من الخريطة والمسرح التاريخي نتيجة ما آلت إليه الأوضاع هناك»، إلا دليلاً آخر على ذلك، وبالتالي فإنّ إزالة الدول أو تقسيمها ما هي إلا صناعة مفلسة يتمسكون بها، فسورية كانت وستبقى موجودة، كانت قبل وجودهم وستبقى بعد رحيلهم، فلا خريطة للمنطقة ولا للعالم ولا وجود للحضارة بدون سورية.
يراهنون على خراب وسقوط سورية، لكن لن يحدث ذلك بمشيئة الله، فسورية خالدة وباقية، بفضل أرواح شهدائها الذين ضحوا بدمائهم الزكية كي تبقي سورية صامدة وسط الأمم، ولن يتحكم في مصيرها أو أن يكون وصياً على شعبها من باع وطنه وسلّم إرادته إلى رعاة الإرهاب في العالم وزعماء المؤامرات وقادة الاستعمار الجدد، سيظلّ علم سورية يرفرف في سمائها خفاقاً شامخاً، ولن تنكسر إرداة السوريين، ولن ينخدع الشعب في من خدعوه سابقاً وتاجروا بأحلامه وآماله وطموحاته.
اليوم بات من الواضح أنّ الرئيس أردوغان ارتكب خطأً كبيراً، وأوقع نفسه في دوّامة لن تنتهي بسهولة، فأردوغان هو من بدأ الحرب على سورية بيده، لكن لا يمكن أن ينهيها بيده، فلم يعد يبحث عن «صورة انتصار» في الحرب على سورية، وإنما عن «صورة خروج أو إنهاء»، تسمح له أن يدّعي أمام حلفائه بأنه «انتصر»، فالحرب أظهرت مدى قوة الجيش السوري وقدرته على ضرب وزعزعة أمن من يعتدي عليه.
إنّ المشهد الذي تشهده سورية اليوم، يؤكد بأنّ المشروع الغربي والتركي يواجه سقوطاً وفشلاً ذريعاً على أبواب حلب والرقة ودير الزور، وأدلة الفشل على ذلك كثيرة، بدءاً بسقوط وفشل جميع العمليات الإرهابية في تحقيق أيّ أهداف أو مكاسب سياسية، وأنّ مشروع تقسيم سورية قد إنهار بعد أن انكشفت كلّ خيوط اللعبة ورأى العالم ما يجري في العراق وليبيا واليمن من مجازر ودمار، لذلك فإنّ الجيش السوري يحقق انتصارات قويّة على أرض الواقع، فهذه الانتصارات صدمت تركيا وحلفاءها من العرب الذين تفاجأوا بقوة الدولة السورية، وبالتالي فإنّ التوقعات التي خططت لها تركيا وحلفاؤها في سورية، والتي وضعت بها كلّ إمكاناتها من أجل تأجيج الأزمة السورية وتفكيك الدولة السورية وإسقاط نظامها، جاءت في غير صالحها وفشلت وسقطت كلّ أقنعتها ورهاناتها، وانهارت المؤامرة.
وأخيراً يمكنني القول، لقد تحوّلت سورية اليوم إلى عاصمة العالم تطرق أبوابها قوى الشرق والغرب، ودمشق عصية على السقوط والخضوع تصرّ على حريتها وسيادتها واستقلال قرارها، لأنها تعلم أنّ العالم هو من يحتاج إليها وليس العكس، وأنّ سقوطها يعني سقوط القيم والحضارة وسقوط الإنسانية، فسورية كانت ولا زالت وستظلّ مفتاح السلم والحرب في العالم، هي من ترسم المعادلات، وهي من تقرّر التحالفات، وهي من تقود المعارك على الأرض لترسم خارطة المنطقة، في إطار ذلك ستنهض سورية وتنتفض وتُعيد ترتيب سلالم المجد، وتبث الثقة والأمان فى نفوس شعبها وسترتفع سورية فوق جلاديها شاهدة على عصرها وستعود متألقة بالألوان وبرائحة المساجد وستنهض في بداية جديدة وستكون أعظم قوة، باختصار شديد… إنّ سورية ستبقى صامدة بوجه الإرهاب الدولي والإقليمي من جهة، وبوجه الإرهابيين والقتلة من جهة ثانية مهما طال أمد الأزمة، وستظلّ سورية دائماً رغم أنف كلّ حاقد أو حاسد، بالتالي فإنّ من مصلحة الجميع أنّ تنهض سورية وتتعافى كي تمارس دورها التاريخي في حفظ الأمن القومي وإحباط كلّ المخططات التي تستهدف تفكيك دول المنطقة.
كاتب سياسي
khaym1979 yahoo.com