زيارة كيري الأهمّ إلى موسكو؟
ناصر قنديل
– تبدو هذه الزيارة هي الأهمّ، منذ الزيارة الأولى لجون كيري إلى موسكو عام 2012 التي أنهت الأيام المئة الأولى من الولاية الثانية لباراك اوباما، بعد ترحيل متتابع لفريق الحرب على سورية الذي تزعّمته يومها وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون وضمّ وزير الدفاع ورئيس المخابرات المركزية ومستشار الأمن القومي، وشكّل مجيء جون كيري للخارجية يومها الإشارة الأولى لسلسلة تعيينات بدائل لفريق الحرب، توّجتها زيارة كيري لموسكو للإعلان عن التوافق على مبدأ رئيسي قوامه، أن لا تدخل عسكري أميركي في الحرب في سورية على الطريقة الليبية وأنّ العمل المشترك لحلّ سياسي، رغم تعقيداته وتعقيدات بلوغه هو خيار مشترك لموسكو وواشنطن. وكان هذا الإنجاز كافياً لموسكو حينها، لترتضي بياناً مشتركاً يمنح بغموضه واشنطن، ما يتيح لها أن تخاطب حلفاءها بالقول إنّ الحلّ السياسي مفتوح ضمناً على إمكانية رحيل الرئيس السوري، دون الذهاب للحرب.
– منذ تلك الزيارة والعقدتان الرئيسيتان في طريق تطور التفاهم الروسي الأميركي، هما تقديم روسيا لمخرج مناسب لملفّ الرئاسة السورية لا يفقدها مهابتها أمام حلفائها وقوى الرأي العام الأميركية في ظرف حرج على الجبهتين، من جهة، وكيفية التعامل مع التنظيمات المسلحة التي تشكل جبهة النصرة عمودها الفقري والتي يشكّل استهدافها مع النصرة أو تحييدها عنها، تطوّراً نوعياً في موازين القوى لصالح الدولة السورية ورئيسها، والأمران مترابطان ببعضهما، وبعلاقة واشنطن بحلفائها، لكنهما يحكمان الموقف الأميركي المتردّد بسبب يقين أميركي أنّ المسألة أولاً وأخيراً مسألة موازين قوى لا مواقف عاطفية ونيات طيبة ببلوغ التفاهم، فكلّ تحوّل لصالح الدولة السورية يعني ضعفاً في الموقف الأميركي، وخصوصاً في المثلث التركي السعودي الإسرائيلي الذي يضمن مصالحها في الشرق الأوسط، كما تعلم واشنطن أنّ هذا التحوّل في الموازين سيعني حكماً التسليم بإمساك الثنائي الروسي الإيراني بالمبادرة الاستراتيجية في المدى الجغرافي الآسيوي الممتدّ من البحر المتوسط حتى أفغانستان وصولاً إلى الصين.
– تدرك واشنطن أنّ هذه الزيارة ستكون الأخيرة أو الأهمّ قبل نهاية ولاية الرئيس أوباما، أو قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية على الأقلّ، وإنّ أيّ تفاهم تنتهي إليه سيكون دفعاً انتخابياً للمرشح الذي يدعمه الرئيس الأميركي وإدارته، خصوصاً انّ هذا التفاهم سيطال مفاعيل الحرب على الإرهاب وما تسعى إليه واشنطن من بريق نصر على داعش، كما أنّ هذه الزيارة إذا تكلّلت بالتفاهم ستفتح الطريق لانسحاب سلس ومؤاتٍ من أفغانستان مطلع العام المقبل، على خلفية الاطمئنان لخريطة آسيوية تنتج عن التلاقي الجغرافي في البرّ الأفغاني لعمالقة آسيا الثلاثة روسيا والصين وإيران، دون أن يتخذ طابع التحدّي لأميركا، وفي المقابل تتمّ الزيارة وقد استنفدت واشنطن وحلفاؤها المناورات والمراهنات، فلا اللعب على حبال جبهة النصرة بات ممكناً وهي تُهزم في حلب، ولا الرهان على حرب ونصر على داعش بقوى سورية مصنّعة أو مدعومة أميركياً، وما جرى في الرقة والبوكمال يقول ذلك بقوة. ومع التموضع الروسي في الحرب وما يمنحه من فائض قوة ليس هناك ما يحول دون تطورات دراماتيكية فيها لحساب الدولة السورية وحلفائها تتيح فرص تسوية تحفظ ما يمكن حفظه لحساب حلفاء واشنطن وحلفاء حلفاء واشنطن.
– يذهب كيري إلى موسكو ليلتقي نظيره سيرغي لافروف والرئيس فلاديمير بوتين وقد مهّد للزيارة بالقول، إنه سيحصر المهمة بالتفاهم على قواعد التعاون في الحرب على داعش والنصرة، وقال كلاماً في حلفاء السعودية وتركيا من جيش الإسلام وأحرار الشام، أثار جدلاً واسعاً في واشنطن، يشبه ما تنادي به موسكو، وهو يعلم أنّ تركيا بدأت مساراً سيلاقي ما يحمله إلى موسكو، وعن الرئاسة السورية صار الكلام الأميركي محصوراً بالحديث عن ضغوط للالتزام بحلّ سياسي وتثبيت الهدنة، وتغاضٍ عن حديث الإسقاط والتنحّي، ونفاد الصبر، كما التغاضي عن ضمّ روسيا لشبه جزيرة القرم.
– يضع حلفاء واشنطن أيديهم على قلوبهم لترقب نتائج الزيارة، بينما حلفاء موسكو مرتاحون، واثقون، إن تمّ التفاهم سلكت الحرب الطريق المضمون عسكرياً، والمتعرّج سياسياً، وإن لم يتمّ سلكت الحرب الطريق المتعرّج عسكرياً والمضمون سياسياً.