– الأسد باقِ… بدأت من تركيا وتنتهي بها
ناصر قنديل
– ربما لن تنجلي الصورة النهائية للانقلاب العسكري في تركيا وحدود سيطرته على الوضع، وردود الفعل التي ستظهر من جانب الحزب الحاكم ومناصريه، لكن الأكيد أنّ الذين قاموا بالانقلاب يعلمون مسبقاً كلّ ما سينتظرهم، ولن يبادروا إلى دعسة ناقصة تكلّفهم ما هو أكثر من الفشل وحياة القائمين بالانقلاب. سينتظرون الفرصة المناسبة والتوقيت والتحضيرات المكتملة، للإقدام لأنها فرصة المرّة الواحدة التي لا تتكرّر، وبعدها إذا فشلت ستكون فرصة للاقتصاص من كلّ ضابط غير موثوق في الجيش وإبعاده. وهذا حال الانقلابات. وتعلمه العسكرية التركية صاحبة الخبرة في الانقلابات. ورغم ذلك تبقى الفرضية قائمة، بالفشل أو عدم اكتمال عناصر النجاح، والتقييم معنيّ بأخذ هذا الحساب بالاعتبار.
– الانقلاب العسكري ليس حركة منعزلة عن سياق الفشل الذريع لسياسات أردوغان التي رفعت شعار عداوات صفر مع الجيران وخانتها، وجعلت كلّ الجيران أعداء، وباعت أوهام السلطنة بديلاً وفشلت فشلاً موصوفاً، وادّعت حفاظاً على العلمنة وأخذت تركيا العريقة في علمانيتها نحو الأخونة، ورفعت شعار الحرب على الإرهاب وجعلت تركيا موئلاً وملاذاً لكلّ إرهابيّي الكرة الأرضية. وتركيا الذليلة في تراجعها أمام روسيا لن تسامح رجب أردوغان وحزبه على ما فعلاه بالعسكرية التركية. وتركيا النازفة تحت ضربات القاعدة لن تسامح أردوغان وحزبه على ما فعلاه بتركيا وفتح أبوابها لكلّ جماعات القاعدة ، تحت شعار الانتصار لمعارضة سورية يعرفها العسكريون الأتراك جيداً، كجماعات منحطة أخلاقياً، تعيش في فنادق الخمسة نجوم، والمتعفف بين رموزها يملك شقة على البوسوفور بخمسة ملايين دولار، ويشتغل مع خمسة أجهزة مخابرات على الأقلّ، ويتاجر بالمعونات الغذائية للنازحين السوريين ويبيعها في السوق السوداء. لم يبقَ من سبب كي لا يقوم الجيش التركي حارس المهابة التركية وحارس العلمانية وحارس الاستقرار التركي، بانقلاب يُعيد الأمور إلى نصابها. والقضية ليست قضية أنصار الداعية فتح الله غولن وحدهم، الذين عانوا الخداع والمكر والطعن في الظهر، بل قضية نجاحهم في استمالة المزاج العام للجيش نحو الحاجة لخطوة تصحيحية دراماتيكية بحجم وضع اليد على السلطة.
– الانقلاب محكوم بمعادلتين، الأولى حاجة دولية يجسدها وجود وزير الخارجية الأميركي جون كيري في موسكو، لتغيير دراماتيكي إقليمي يبرّر الاستدارة النوعية في الحرب السورية، فثمة حاجة إلى حدث بهذا الحجم ليقول الأميركي للسعودي ولجماعات السعودية وتركيا في سورية، انتهت اللعبة فقد تغيّرت تركيا، وبدون تركيا لا إمكانية لفعل شيء. والثانية الحاجة التركية إلى صدمة بهذا الحجم لتنظيم معادلات الحرب على الإرهاب وترميم العلاقات التركية المهترئة مع الجيران، من سورية إلى العراق وإيران وروسيا. ووفقاً لهاتين المعادلتين سيتحرك الجيش التركي، ووفقاً لهاتين المعادلتين سيتلقف الروس والأميركيون الانقلاب، ويتعاملون معه كحدث كبير يستحق التفاعل الإيجابي كمفصل مناسب لتحقيق التغييرات اللازمة دولياً وإقليمياً تجاه ما يجري في المنطقة، والحاجة إلى ترجمة تفاهم روسي أميركي بحجم الحرب على الإرهاب.
– سورية كانت العقدة التي طحنت رأس أردوغان، والشعب والجيش في تركيا، أنصفا الرئيس السوري ورهانه عليهما، وسورية ورئيسها الصخرة التي تحطّمت عند صلابتها وصمودها رؤوس وسقطت لا يتسع المجال لتعدادها. فيكفي القول كلّ مَن بشّر بسقوط الرئيس السوري بشار الأسد سقط وسيسقط، وسيبقى الأسد يرفع راية النصر لحرية سورية ووحدتها وقوتها وعرين مقاومتها… إنها سورية لمن لم يفهم، وإنه الأسد لمن لم يعلم، وإنه خيار المقاومة لمن لم يتعلّم ولا يريد أن يتعلم.
– مهما حدث سيكون من المستحيل عودة تركيا إلى حيث كانت قبل الانقلاب، وفي أسوأ الأحوال ستنشغل تركيا بداخلها لوقت طويل، وستصبح خارج السمع إقليمياً، وسيكون لسورية والمقاومة فرصة النصر العظيم… بعد الصبر العظيم.