«إسرائيل» أبلغت والسعودية وافقت والإمارات موّلت وأميركا هلّلت وأردوغان قطف!
جهاد أيوب
ما يحدث في تركيا اليوم على كلّ الصعد الأمنية والسياسية الداخلية والخارجية ليس جديداً على دولة الحلم القديم، والسعي لاسترجاع امبراطورية الظلام العثماني، ولكنه جديد في لعبة التصفيات الداخلية عند الأمم، وقديم متعمّد ومتنقل عند الدول الاستعمارية في صمتها ومراقبتها ومتابعاتها، ضاربة بذلك كلّ ما تتشدّق به من حقوق الإنسان، وديمقراطيات وحريات!
وبعيداً عن أخذ أيّ موقف مع أو ضدّ، وبمجرد قراءة متأنية لمجريات الأحداث، وتوابعها من ردود أفعال وبيانات واستنكارات وصمت مخيف، وقراءة موضوعية لتسريبات السفارات الغربية، وتغذية هذه السفارات لبعض الكتاب والصحف ووسائل الإعلام ظهر جلياً أنّ الإمارات موّلت، والسعودية وافقت وانتعشت، وأميركا هلّلت ورغبت بالفوضى، و»إسرائيل» راقبت وأبلغت أردوغان، وإيران حسمت موقفها، وأردوغان جعل بعض جماعاته يشاركون الانقلابيين في تحركهم قبل التحرك، ومن ثم استفرد بالحسم في كلّ مرافق الدولة، وعلى طريقة فكره اللاغي للآخر، واقتلاع كلّ من يعارضه من الجذور… هذه علامات واقعية الحدث في تركيا…
منذ تدخل تركيا بالوضع السوري، وتبنّي أردوغان حماية وتسليح داعش والنصرة والإخوان، وسرقة معامل ومكاتب حلب ظهر عدد من قادة الجيش التركي ضدّ هذا التصرف الأخرق مع جار الجغرافيا، لا بل حدثت اتصالات سرية ومباشرة من قبل قادة الجيش التركي مع الرئيس بشار الأسد، وأخذت بعض التحركات بخجل انتظاراً لإشارة ما في الداخل.
تمّت اتصالات بعض العسكر التركي مع السعودية التي اوعزت بالتواصل مع الإمارات ماليا واستراتيجيا، وبالطبع تمّ إخبار «إسرائيل» من قبل العرب لمعرفة دورها، وإعلام أميركا التي تسعى لقصّ جوانح تطرف وعنجهية أردوغان دون أن تلغيه.. وأيضا زار وفد عسكري تركي إيران منذ أكثر من سبعة أشهر ولم تعرف تفاصيل الزيارة، إلا أنّ بعض التلميحات لم تكن لصالح حكم أردوغان!
«إسرائيل» هي التي راقبت بصمت دون أن تتدخل، وفي آخر لقاء مع رجال مخابراتها مع أردوغان أخبروه بنية تحرك عسكره ضدّه، وبأن التحرك سيكون سريعاً، بدوره وضع أردوغان خطة مباغتة، أيّ زرع جماعاته في عداد التحرك الفعلي، وحينما تنطلق الصفارة الإنقلابية الأولى تبدأ جماعة اردوغان بالتحرك السلبي داخل الإنقلابيين، وبذلك يتمّ إضعافهم، ويلي ذلك نداء إلى مناصريه شعبياً لينزلوا الشارع، ويضعفوا تحركات الجيش التركي، وتصفية معنوياته!
ونظراً لحساسية الموقف، وخوف أردوغان من فشل جماعاته داخل الانقلابيين، وشكوكه بأنّ غالبية الاتراك رافضين لسلطتة اختبأ في مكان لا تطاله يد جيشه، وبعض المعلومات تشير إلى أنه كان في «إسرائيل» لحظة وقوع التحرك، وآخر يؤكد أنّه اختبأ في تركيا على عكس ما اعلن آنذاك… المهمّ، انّ اردوغان لعبها بشطارة، وطائرته لم تطلق عليها رصاصة رغم سيطرة الانقلابيين على المطار حينما عاد إلى اسطنبول، ليتبيّن أنّ الجهة المسيطرة من الانقلابيين مجموعات تابعة لأردوغان نفسه!
اليوم أردوغان يعمل على تصفية من يفكر في الاعتراض على وجوده بعد أن جعل معارضة الداخل دميّة في خطابه، هو يصفي كلّ مؤسسات الدولة من سياسية واقتصادية وفنية وتربوية ورياضية، وضع أكثر من 50 ألف تركي في الاعتقال، طرد من التربية أكثر من 3000 موظف، جمّد أكثر من 2500 عامل في الخارجية ومواقع الحكومة، هذا ما نستطيع أن نتعرّف إليه في اسطنبول، أما العنف في المدن البعيدة، والقرى والريف التركي لم يسمح بالحديث عنه، والإعلام الغربي بقرار من ساستها يطنش عن ردود الفعل الإجرامية هناك!
تركيا اليوم أردوغانية الجبروت لتصل إلى الفوضى القاتلة لوحدتها ولاقتصادها ولسياحتها، ولمشروع التمدّد خارجها بعد أن أصبح صفر مشاكل أرقاماً لا تعدّ من كثرة المشاكل، صحيح حاول أردوغان قبل الانقلاب المفتعل أن يصفي أموره مع «إسرائيل»، ويعد إيران بعلاقات مميّزة، وبأنه سيخفف الضغط على سورية الأسد والشعب الشريف، وبدورها إيران رفضت فكرة الانقلاب، وحسمت أنها مع أردوغان المنتخب من الشعب مثل الرئيس بشار الأسد المنتخب أيضاً بأكثرية الشعب السوري، ساعية من ذلك إلى أن يستوعب أردوغان موقفها، ويبادر بعد سيطرته على حسن الجوار والوعود، وهذا لن يحدث!
أردوغان سلطان الزعامة التركية حتى لو اعتقل كلّ الشعب التركي، وزعامة دكتاتورية بصبغة إسلامية أوروبية بعيدة عن نهج الإسلام، ورئيس ملك يؤمن باسترجاع أمبراطورية الظلام بشرط أن يتربع على عرشها ومن بعدي الطوفان، لن يعاقب الدول التي خانته ولكنه لن يصفح ويسالم حتى لو ابتسم لها، وهمّه اليوم السيطرة على تركيا نهجا وزعامة وقانوناً جديداً أكثر تزمّتاً، وأعمق من الفوضى الحاكمة!