هل جميع مَن يدّعون محاربة الإرهاب هم صادقون؟

شارل أبي نادر

في ظلّ هذا الغليان الذي يشهده العالم حيث شرقه يضجّ بالحروب والمعارك العسكرية المفتوحة على الاتجاهات الميدانية والإرهابية كافة، وحيث تجتاح غربه موجة هستيرية من الفوضى والخوف والقتل فرضها الإرهاب على أغلب مجتمعاته التي أصبحت تعيش هاجس عمليات هذا العدو الغريب الذي عجزوا وبالرغم من قدراتهم وإمكانياتهم على الصعد كافة عن مواجهته واحتوائه وحصره، فهو الآن أيّ الإرهاب «مالئ الدنيا وشاغل الناس» وحديث الكبار والصغار والمسؤولين والمواطنين، بحيث لا يمكن أن تجد فئة او مجموعة معينة تستطيع أن تنأى بنفسها أو أن تتجاهل وجوده وخطره المحدق وتأثيره المباشر عليها.

في المبدأ، يُعتبر الشرق وبشكل خاص كلٌّ من العراق وسورية محوراً رئيساً لهذا الغليان، حيث يمارس الإرهاب، وبعد أن تمدّد بشكل لافت على أرض تلك الدولتين بالإضافة إلى العمليات الإرهابية على اختلاف أنواعها وصورها البشعة والتي أصبحوا يتفنّنون بها ويتقنون إظهارها وتنفيذها، عمليات عسكرية وميدانية في المهاجمة والمدافعة واحتلال الأراضي وفرض السيطرة وممارسة السلطة وغيرها، حيث تجد أنّ هناك دولاً فاعلة ليست بعيدة عن هذا التمدّد، لا بل بالعكس عملت وتعمل على حماية وصيانة وتثبيت هذا التمدّد في أحيان كثيرة بطريقة مباشرة وغير مباشرة وذلك من خلال مساهمتها في تأمين أسلحته وعتاده العسكري المتطوّر، وخير دليل على ذلك بواخر الأسلحة المهرّبة من دول متعدّدة برعاية أميركية ودولية، وخاصة من دول في أوروبا الشرقية والتي تعتبر سوقاً سوداء مفتوحة لجميع أنواع الأسلحة المعروضة للبيع بمصادر تمويل معروفة، حيث الأموال الخليجية هي تقريباً المصدر الأغنى والأثبت والأقوى تغطية نقدية وحكومية بأموال النفط الذي أصبحت أكثر عائداته تقريباً في خدمة تأمين وشراء هذه الأسلحة. كما يأتي هذا الدعم وهذه المساندة من خلال تسهيل دول فاعلة ومعروفة لحصول الإرهاب على تمويل مهمّ لخدمة معركته الواسعة عن طريق بيع قسم كبير من نفط سورية والعراق بعد سرقته من آبار وحقول حيث يسيطر.

من ناحية أخرى، وفيما نجد أنّ هذه الدول التي تؤمّن تمدّد وانتشار الإرهاب من خلال تسهيل انتقال موارده البشرية عبر المعابر التركية التي تلعب دوراً محورياً بين أوروبا بشرقها وبغربها وبين دول الخليج والساحل الأفريقي من جهة، وبين بقعة الصراع الدموي المفتوح في كلّ من العراق وسورية من جهة أخرى، نجد تلك الدول هي نفسها تشكل تحالفاً دولياً واسعاً لمحاربة الإرهاب، فتقيم المؤتمرات والاجتماعات لبحث ودراسة سبل مكافحته، وتحشد إعلامها الواسع الانتشار والمؤثر لإظهار خطورته وضرورة مواجهته، وتغرق البحار والمحيطات في الشرق وفي الغرب بمدمّراتها وببوارجها الحربية وحتى بغواصاتها النووية بهدف تكوين جبهة صلبة لمحاربة الإرهاب.

هذا التناقض المكشوف في مواجهة الإرهاب لا يمكن أن يستمرّ، فمن جهة وفي الظاهر يتمّ ذلك من خلال إجراءات عملية وميدانية وإعلامية وديبلوماسية علنية، وهي في المبدأ ملموسة وتوحي بالجدية، ومن ناحية أخرى نجد في الخفاء الدعم والتسهيل لعمل الإرهاب بشكل فعلي بطريقة غير مباشرة وأحياناً بطريقة مباشرة كما ذكرنا أعلاه، كما أنّ هذا التأرجح في الانخراط الجدي في مواجهة الإرهاب من خلال اختيار ما يناسب المصلحة الشخصية واستبعاد ما لا يناسبها من الإجراءات المطلوبة، لا يمكن أن يؤدّي الى نتيجة فعّالة في تحقيق الهدف الذي أصبح الآن لا يختلف عليه اثنان والذي هو التخلص من هذا الوباء الذي يتمدّد بطريقة شيطانية جنونية.

مَن يريد حقاً محاربة الإرهاب يجب أن يقتنع بالإقلاع عن تنفيذ مناورة استغلاله لتنفيذ مخططات وسيناريوات للضغط على حكومات وعلى أنظمة غير منصاعة أو غير موالية، بهدف تبديلها أو تغيير سياساتها وارتباطاتها الدولية التاريخية بشكل لا يناسب مصلحتها القومية والوطنية، ويجب أن يقتنع أيضاً بالتوقف عن مناورة استغلاله لسرقة ثروات بعض الدول النفطية أو غير النفطية عن طريق بيع السلاح في ميادين تحتاجه بكثرة، أو لهدف تفتيت وتقسيم دول وشعوب ومجتمعات، كما ويجب عليه الاعتراف ورفع رأسه من الرمال والنظر جيداً بأنّ هذه المناورة المذكورة بدأت تشكّل خطراً جدياً على مَن يقوم بها أو على مَن يُسهّل لها بغضّ النظر وبالتواطؤ، وبأنّ مجتمعاته وشعوبه وأجهزته أصبحت معرّضة لخطر هذا الإرهاب بشكل مكشوف، والسبب هو أنه من الواضح أنّ أصابع هذا الإرهاب في تلك المجتمعات وخاصة الأوروبية هي فاعلة وقادرة، وذلك على خلفية تسهيل الهجرة من دول أفريقيا وسهولة إجراءات التجنيس التي خلقتها تلك الدول سابقاً، وأيضاً على خلفية الأنظمة الداخلية المسهِّلة في تلك الدول والمتعلقة بسهولة الانتقال عبر دول الاتحاد الأوروبي وبعض دول أوروبا الشرقية وامتداداً إلى تركيا وعبرها، والأنظمة الأخرى المتعلقة بحقوق الإنسان حول إجراءات الملاحقة والتوقيف والأحكام القضائية وتنفيذها، أو على خلفية ادّعاءات حماية الحرية الشخصية وحرية المعتقدات التي تؤدّي إلى فلتان في التشدّد الديني الذي يتطوّر إلى تشدّد تكفيري فإرهاب.

وأخيراً… المطلوب الآن قبل الغد قرار تاريخي، قرار لم يعُد يمكن الابتعاد عن اتخاذه، وهو السير جدياً بمحاربة الإرهاب والاقتناع الصادق بوقف كلّ المناورات المشبوهة والتي يستفيد منها الإرهاب تمويلاً وتمدّداً وانتشاراً، والمطلوب أيضاً وضع الإصبع على الجرح وتسمية الأمور بطريقة واضحة وصريحة وتحديد الدول أو الجهات المتواطئة في خلق ورعاية واستمرار هذا الإرهاب ومواجهتها بذلك والضغط عليها في الإعلام المكشوف وفي السياسة وفي الديبلوماسية، حتى ولو تطلب الأمر الذهاب الى المؤسسات الدولية لإجبار تلك الدول على تغيير سياساتها الداعمة للإرهاب، وعدا عن ذلك لا يمكن الوصول الى نتيجة فعّالة وسيتمدّد هذا الإرهاب أكثر وسينمو وينتشر وحتماً سيسيطر على ميادين ومناطق ودول أكثر وأوسع…

عميد متقاعد

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى