معركة حلب تحدّد وجهة الحرب في سورية
حميدي العبدالله
لو لم يقع الهجوم المضادّ الذي شنّه المسلحون جنوب غرب حلب وحققوا ما حققوه، لكانت الحرب في حلب قد انتهت أو شارفت على نهايتها، لأنّ الجيش السوري كان في صدد بدء المرحلة الثالثة في حرب حلب بعد استكمال ما تبقى من المرحلة الثانية وتحديداً السيطرة على مخيّم حندرات وبلدات ومدن عندان وحريتان وكفر حمرة. أما المرحلة الأولى فقد كانت عندما حرّر الجيش السوري وحلفاؤه مناطق واسعة من الريف الجنوبي والشرقي والشمالي والغربي في محافظة حلب وصولاً إلى فكّ الحصار عن نبّل والزهراء في شهري كانون الثاني وشباط الماضيين. المرحلة الثالثة كانت تقضي بإكمال الطوق حول حلب بدءاً من خان طومان باتجاه الراشدين وصولاً إلى خان العسل. ولو حدث ذلك ولم تبادر الجماعات المسلحة إلى شنّ هجوم معاكس على المحور الجنوبي الغربي، لأنّ الهجمات على المحور الشمالي قد باءت جميعها بالفشل بسبب صعوبة وصول الإمدادات، حيث أنّ الريف الجنوبي يختلف عن الريف الشمالي باتصاله بريف إدلب الثقل الرئيسي للجماعات المسلحة والمفتوح من دون عوائق أمام تدفق الإمدادات البشرية والعسكرية من تركيا، لو لم تبادر الجماعات المسلحة إلى شنّ الهجوم المعاكس لكان ثمة تقدير وتوقّع بأنّ القوى والدول التي انخرطت في الحرب على سورية قد قرّرت الانسحاب من هذه الحرب، أو أنّ ثمة تسوية قد جرت خلف الكواليس. لكن لا الدول المنخرطة في الحرب على سورية قد انسحبت من الحرب، ولا ثمة تسوية قد تمّ التوصل إليها بين الدول الكبرى والدول الإقليمية تنهي الحرب السورية.
بهذا المعنى فإنّ الهجوم المضادّ الذي شنّته الجماعات المسلحة، وجرى التمهيد له بالحملة التي قادتها الولايات المتحدة وبعض الحكومات الأوروبية، حول حصار الآلاف في حلب، كان متوقعاً، وكان يجب أن يكون متوقعاً أيضاً أن يحقق هذا الهجوم نجاحات بمستوى ما حدث حتى الآن، لأنّ الدول المنخرطة في الحرب على سورية سترمي، وهي رمت بالفعل، بكلّ ثقلها لكي لا تخسر الحرب، أو ألا تسمح بقبول الأمر الواقع الميداني الذي فرضه الجيش السوري وحلفاؤه بعد عزل ومحاصرة المسلحين في الأحياء الشرقية. ولعلّ قول الرئيس التركي يوم أمس في مقابلة مع «الجزيرة» إنه تمّت إعادة التوازن في حلب عشية لقائه مع الرئيس الروسي، وإنّ القضية السورية مطروحة بقوة على جدول أعمال اللقاء، توضح أنّ ما جرى في الجبهة الجنوبية الغربية في حلب هو معركة كبرى بين التحالفين، التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ويضمّ الدول الإقليمية الفاعلة مثل تركيا والسعودية وقطر، والتحالف الذي يدعم سورية، ويضمّ إيران وروسيا وحزب الله.
بهذا المعنى فإنّ معركة حلب هي التي ستقرّر وجهة الحرب السورية بكاملها، ولهذا ستكون مختلفة عن كلّ المعارك السابقة.