اعتذار أردوغان لسورية آتٍ
جاك خزمو
يرتكب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الخطأ السياسي تلو الآخر في تعامله مع العديد من القضايا المهمة في تركيا والشرق الأوسط. فهو الذي وقّع على اتفاق هدنة مع حزب العمال الكردستاني قبل سنوات عدة عبر تفاوضه مع زعيم الحزب المعتقل في السجون التركية عبد الله أوجلان، معترفاً بهذا الحزب. ومؤخراً، وقبل أشهر عديدة أنهى هذا الاتفاق وشنّ ويشنّ هجوماً على عناصر الحزب الذي يعتبره الآن «حركة إرهابية»، تماماً كما فعل مع تنظيم «داعش»، إذ وفر له كلّ المساعدات الممكنة لإسقاط الدولة السورية، وكذلك العراقية، ووقع معه أيضاً صفقات نفط سوداء، واليوم يعلن شنّ حرب على هذا التنظيم الارهابي.
ولا ننسى أنه حاول تحدّي روسيا عبر إسقاط طائرة سوخوي 24 أثناء تحليقها في الأجواء السورية، ولكنه في النهاية اعتذر عن هذا الخطأ، وتوسّل لفتح صفحة جديدة من العلاقات مع روسيا.
وتحدّى «إسرائيل» ورفع سقف مطالبه لعودة العلاقات التركية «الإسرائيلية» السياسية الى ما كانت عليه قبل حادث الاعتداء على سفينة مرمرة أواخر ايار 2010، إلا انه تخلى عن معظم مطالبه السياسية مقابل تحقيق هذه المصالحة!
واليوم يشنّ اعتداء على سيادة الاراضي السورية تحت ذريعة محاربة الإرهاب وخاصة تنظيم داعش الارهابي، ويحتل أراضي سورية هرب منها أو لا يتواجد فيها هذا التنظيم الإرهابي. وحجة أخرى الاعتداء على الأراضي السورية هي محاربة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الذي يعتبره أردوغان تنظيماً إرهابياً أيضاً، لأن له علاقة مع حزب العمال الكردستاني. لكن الهدف الأساسي من هذا الاعتداء هو منع الكرد من إقامة كيان مستقلّ لهم من خلال قطع أوصال أراضي هذا الكيان، ومنع الكرد من التواجد غرب نهر الفرات.
الاعتداء على سيادة الأراضي السورية هو خطأ سياسي جسيم، إذ إنّ هذا العدوان يعتبر سابقة قد تستخدم ضدّ تركيا نفسها، من خلال إعطاء العذر لأية دولة إقليمية بالتدخل في تركيا لمحاربة هذا التنظيم أو ذاك بحجة انه إرهابي من دون التنسيق المسبق مع الحكومة الرئيسة في تركيا، فهناك في تركيا تركيبات اجتماعية معقدة، ومن الممكن استغلالها مستقبلاً للتدخل في الشؤون الداخلية التركية، كما هي الحال في تدخل تركيا بالأمور الداخلية في سورية.
لقد أخطأ أردوغان عندما قام باحتلال أراضٍ سورية، مستغلاً الوضع الداخلي القائم في سورية نتيجة مواجهتها مؤامرة كونية تتعرّض لها وتتصدّى لها بكلّ بسالة وقوة. وقد يدفع ثمن هذا الخطأ قريباً أيضاً، لأنّ مثل هذا الاعتداء الآثم قد تكون له نتائج سلبية ستنعكس على تركيا في المستقبل القريب.
والخطأ الآخر الذي يرتكبه أردوغان هو عدم محاربته لجبهة النصرة، التنظيم الإرهابي، بل إنه يدعمه لأنه في نظره هو تنظيم معارض.
قد تكون حسابات أردوغان غير حساباتنا، ولكن كلّ هذه الأخطاء ستجبره على دفع ثمن باهظ جداً.
لقد تعوّد على تسلق الشجرة، والنزول عنها بتقديم الاعتذار، ومن المؤكد أنّ سياسته العدائية والعدوانية تجاه سورية هي خاطئة، فسيضطر للتراجع عنها، وسيضطر حتماً لتقديم الاعتذار لسورية، القيادة والشعب، لأنّ مشاركته في المؤامرة كانت خطأً كبيراً، والخطأ الأكبر كان في دعمه للإرهاب. وهذا الإرهاب سيُقضى عليه قريباً ولو لبس أثواباً ملوّنة جديدة وحمل أسماءً متنوعة ومختلفة، لأنّ سورية مُصمّمة على سحق الإرهاب، وعدم إبقاء ولو عنصر واحد من عناصره على أراضيها.
أردوغان اعتاد على ارتكاب الأخطاء، ومن ثم الاعتذار عنها، وليس مستبعداً أن يقدّم هذا الاعتذار لسورية التي خانها وعاداها، وهي التي أقامت علاقات جيدة صادقة معه، ودعمته القيادة السورية الى حدّ كبير.
هذا الاعتذار الأردوغاني لسورية آتٍ لا محالة! والتساؤل الذي يطرح: هل ستقبل به سورية بعد كلّ هذا الإجرام الرسمي التركي الذي ارتُكب بحقها؟
ناشر ورئيس تحرير
مجلة «البيادر» ـ القدس المحتلة