حلب: العدوان في مناورة جديدة لتأخير الهزيمة و… يفشل
العميد د. أمين محمد حطيط
كما بات واضحاً أضحت حلب بشكل أو بآخر عنوان نتائج المواجهة الكونية على الأرض السورية، ففيها يتقرّر مصير العدوان، ومنها تحدّد نتيجة المواجهة التي سيكون على أساسها إرساء النظام العالمي الجديد الذي سيحلّ مكان النظام العالمي المنهار الذي شاءته أميركا أحادي القطبية تستبيح به وخلفها الأطلسي العالم برمّته بعد ابتداع نظريات وفلسفات تجتاح مبادئ السيادة والاستقلال الوطني والأمن الدولي.
ففي حلب، ظهرت على حقيقتها مواقف الدول المتصارعة والمتنافسة على مقاعد في نظام إقليمي يُبنى عليه النظام العالمي الجديد، وفيها وعليها ركّز العدوان كلّ طاقاته منذ شباط/ فبراير 2016 الماضي، حيث بدأت أميركا هجومها المضاد بعدما أذهلتها الإنجازات التي حققها الجيش العربي السوري وحلفاؤه في الميدان. وهي إنجازات أنبأت أميركا بان 5 سنوات من العدوان على سورية لم تحقق لها شيئاً الا القتل والتدمير ولعنة الإجرام والعدوان، ولهذا رأت أميركا أن إنقاذ العدوان لا يكون الا من الشمال السوري ومن بوابة حلب بشكل خاص لتوازن بها مركز الثقل النوعي الاستراتيجي الأول في سورية أي العاصمة دمشق التي تحتضن اليوم خمس الشعب السوري على الأقل وتشكّل قلعة الحكم الذي لا يهتز.
تمكنت أميركا عبر ادواتها الإرهابية أن تحقق شيئاً في محيط حلب مباشرة بعد الهدنة التي استجدتها وحصلت عليها في شباط الماضي، وكادت أن تقنع نفسها بأن بإمكانها امتلاك زمام المبادرة في الميدان ما يتيح لها العودة الى التحكم بالمسار السياسي، لكن الهجوم المحضّر والمدروس الذي قامت به سورية وحلفاؤها أجهض الأحلام والآمال الأميركية ودفع أميركا إلى موقع جديد من مواقع العدوان عبّرت عنه بعبارة إجرامية لا بل تشكل منتهى الإجرام تمثلت باستراتيجية «إطالة أمد الصراع» لاستنزاف القوى المعادية لها ومنعها من استكمال إنجازاتها ووصنع انتصارها النهائي.
لكن أميركا رأت مجدداً، وبعد محاولة فك الحصار عن المسلحين في حلب، أن ما ترغب به غير ممكن التحقق، فهي سخّرت كل ما تستطيع من أجل فك الحصار واعتمد الإرهابيون الذي تستثمرهم أسوأ وأبشع أنواع المناورات الميدانية والتي تمثلت باعتماد موجات الموت والانتحار الجماعي من أجل تحقيق الإنجاز الميداني، ونفّذت الموجات البشرية المتتالية ضد المنظومة الدفاعية السورية التي تحكم الطوق حول حلب والمسلحين في جزئها الشرقي، ورغم أن هذه الموجات أنجزت بعض الشيء جغرافياً، فإنها عجزت عن تحقيق الإنجاز العسكري الأساسي المتمثل بفك الحصار، ثم كانت العملية المدوية التي نفذها الجيش العربي السوري وحلفاؤه في حلب، والتي تمثلت في استعادة السيطرة على معظم ما كان المسلحون دخلوا اليه وإعادة الحصار الى ما كان عليه وبصيغة أفضل.
ذهلت أميركا وأتباعها الإقليميون بعد الإنجاز السوري الأخير وحلب، بخاصة أن استعادة السيطرة واحكام الحصار بهذه السرعة وهذه القوة والاحتراف أكد لأميركا أن القرار السوري في المضي بمعركة حلب حتى تطهيرها من الإرهاب نهائياً هو قرار لا رجعة عنه، هنا لجأت أميركا إلى مناورة جديدة قديمة عنوانها الهدنة وتجميد الوضع في حلب على ما هو عليه من أجل منع انتصار سورية في تطهيرها.
ومن أجل تنفيذ المناورة تلك عملت أميركا على خطوط متعدّدة بدأتها بحوار مع روسيا تحت عنوان تفاهم دولي حول حلب، وكانت تريد من هذا الحوار الحصول على موافقة روسية تتيح لها الذهاب إلى مجلس الأمن لاتخاذ قرار دولي يمنع الجيش العربي السوري وحلفاءه من متابعة معركة حلب، ويؤمّن بقاء المسلحين في مواقعهم الحالية في حلب الشرقية ويوفر لهم طرق إمداد آمنة، تحت عنوان ممرات إنسانية تكون بعهدة الأمم المتحدة الخاضعة للقرار الأميركي.
وكان من الطبيعي، أن ترفض روسيا الطلب الأميركي، لأنه غير منطقي، ولأنّ سورية لا يمكن أن تقبل به أصلاً، وبالتالي فشلت أميركا في مناورتها، وهذا هو التعبير الصحيح لوصف ما آل اليه حوار او مفاوضات كيري – لافروف حول حلب، ولا نقول فشل المباحثات حول سورية او الحل السياسي. فأميركا أصلاً لا تريد الحلّ الآن وليست جاهزة لحلّ الآن، وجلّ ما تريده بعد ان تأكدت من عجزها عن الانتصار في سورية والمنطقة، هو منع أو على الأقل تأجيل تحقق انتصار الدفاع عن سورية، حتى لا تعلن هزيمتها بهزيمة العدوان الذي قادته.
وخلف أميركا تسير أدواتها واتباعها ومن المثير للسخرية ان نسمع غلام الخارجية السعودية يروّج لهدنة قريبة في حلب خلال 24 ساعة على حدّ تخرّصه، ويتناغم معه التركي أيضاً في كلام مماثل، وكأنّ هؤلاء نسوا أنّ الخداع بالهدنة أمر انتهت صلاحيته وأنّ ما حصل في هدنة شباط التي أخّرت معركة حلب أمر لن يتكرّر.
لقد أفضت المواجهات في حلب وحولها والتي بدأتها القوات المدافعة عن سورية في صيف العام الفائت، واستكملتها الآن رغم العثرات ومناورات الخداع الأميركية، أفضت إلى إرساء حقيقة لا نقاش فيها مفادها أن لا ثقة بأيّ ممّن شاركوا بالعدوان على سورية محلياً أو إقليمياً أو دولياً، وبالتالي لا مجال لتمرير مناورات خداع جديدة من شأنها أن تطيل أمد الصراع كما تشتهي أميركا، فسورية عاقدة العزم مع حلفائها لاستكمال مهمتها في تطهير البلاد من دنس الإرهاب الذي تستثمره أميركا، مهما كانت التضحيات.
وإذا كانت الظروف الإقليمية والدولية أتاحت سابقاً تمرير بعض تلك المناورات الاحتيالية فإنّ ظروف اليوم تحول كلياً امام تمرير أيّ خدعة جديدة، خاصة أنّ الاشتباك السياسي الإيراني السعودي الذي انفجر بسبب السلوك السعودي العدواني حيال الحج وإدارة مناسكه، اتخذ منحى بالغ الخطورة الى حدّ القول بأنه تجاوز خط العودة والتراجع بعد الموقف الذي أعلنه مفتي السعودية الوهابي بتكفير الشعب الإيراني واعتباره مجوساً غير مسلم.
إنّ الظروف الدولية اليوم دخلت مرحلة لا تتيح المهادنة الخادعة، ولذلك سقطت محاولة الخدعة الأميركية، ولهذا وبالتأكيد لن تصحّ توقعات جبير السعودية او مسؤول الأتراك الذي يتوقع هدنة في حلب، أو يطالب بحظر جوي في سورية، أو يسعى الى منطقة احتلال تركي آمن في شمال حلب، كلها مشاريع ساقطة على أصلها، واندفاعة التطهير السورية ماضية قدماً في خطها الصاعد حتى تبلغ بسورية شاطئ الأمان الذي بات منظوراً وقريباً، أكثر مما يتوقع المتفائلون.
أستاذ في كليات الحقوق اللبنانية