الجبير: فَشَلُنا «ذريع» أمام حزب الله ولن نسمح بآخر يمني
روزانا رمَّال
بات الاعتراف السعودي بالعجز أمام حزب الله في الملف اللبناني منطقاً يتناقله وزراء المملكة وأمراؤها ويتحدث فيه الدبلوماسيون المعنيون بمتابعة الملفات المرتبطة من سورية ولبنان وصولاً الى اليمن حيث الاولوية السعودية.
البحث السعودي اليوم كمنطلق لدراسة الامتداد الإيراني يأخذ بعين الاعتبار تجربة حزب الله في حساباته كلها. فالرياض تعتبر ان النفوذ الذي حققه حزب الله ليس الا نتاج حلف تسهّلت اسباب تماسكه لأمرين، الاول وقوع جزء اساسي من الفشل على عاتق السياسة الخارجية للسعودية وعدم استشراف مرحلة ما بعد عام 2000، وهي تحرير جنوب لبنان وما أعقبه من ازدهار لموقع الحزب ودخوله اللعبة السياسية اللبنانية من التمثيل النيابي وصولاً للمشاركة في ما بعد في الحكومة. أما ثانياً فتعود أسباب الفشل لحلفاء السعودية اللبنانيين الذين لم يستطيعوا كسر حيثيته ولجم صعوده في المعادلة، رغم انّ المملكة وفرت كافة اسباب إنجاح ذلك مادياً ومعنوياً.
المخاوف السعودية اليوم واضحة ومفهومة الأطر بما يخص اليمن، لكن اعترافها بالفشل امام حزب الله ضمنياً هو اعتراف اكبر على فريقها في لبنان تلقفه. يقول وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في مؤتمر صحافي «إن المملكة لن تسمح بتكرار الوضع اللبناني في اليمن».
ما معنى الوضع اللبناني هنا؟
الكلام يشبه التحذير من مغبة إعادة الخطأ نفسه مرتين وهو يضيف «الحوثيين أقل من 15 ألف شخص ويريدون أن يحكموا اليمن».
كلام الجبير بعيد المدى ويحمل في طياته صحة ما كانت تعاني منه الفئات الحليفة لحزب الله من شعور بمحاولات التهميش الدائم في الحكومة، ضمن محاولات عرقلة تارة واستخدام للشارع تارة اخرى. هذا كله عايشته تجربة حزب الله بالحكومة ايضا خصوصاً في مرحلة ما بعد حرب عام 2006 وعدم اكتراث الحكومة لانسحاب الوزراء «الشيعة» منها ولنصب مخيمات احتجاجاً على انعقادها لإسقاطها.
حكومة الرئيس فؤاد السنيورة شكلت واحدة من تلك الأدوات السعودية حينها. وكلّ هذا يعود باطار مراجعة الرياض اليوم. هذا هو بالضبط الذي لا تريده المملكة ان يتكرّر في اليمن ايضاً، فهي لن تكرّر مجدداً تقوية حلفاء لها يفشلون مجدداً امام التيار الحوثي، كما فشل حلفاء السعودية امام حزب الله في لبنان، معترفة بفشل صيغة 14 آذار اللبنانية.
لا تريد الرياض هذه المرة توسيع دائرة نفوذ التيار الحوثي في اليمن عبر الحكومة فتبذل جهداً كبيراً من اجل عدم الاعتراف به، رغم قبولها مبدأ المفاوضات معه. وهو اعتراف منها وقبولها بوجوده واقتسام السلطة معه.
ليس مهماً ان تحصل السعودية على ما تريد في اليمن، وهي لم تحصل على ذلك في لبنان، الاهمّ الا يكون هذا الأمر يشكل مفصلاً يؤدّي الى اطالة عمر الحرب في اليمن على اساس انّ تجربة حزب الله استطاعت لجم اليد السعودية في الداخل اللبناني.
أكد الجبير بهذا الكلام انّ النفوذ السعودي في لبنان تراجع لحدّ بلوغه الخط الأحمر، وأن شيئاً لم يعد كما كان. ومجرد طرح المسألة بهذا الاطار كنوع من «التنبيه» والتحذير من عدم تكرار التجربة يعني انّ هناك استحالة لإعادة عقارب الساعة الى الوراء. وهذا يأخذ الى اعادة التركيز على مسألة إهمال السعودية للشأن اللبناني وتركيزها على الملف اليمني وبعده السوري، والسبب ليس الا «عدم القدرة» على إيجاد ثغرة تعيد القوة السعودية في الاستحقاقات اللبنانية كما كانت عليه منذ مجيء الرئيس الراحل رفيق الحريري الى لبنان وتمثيله إياها، وليس لأنّ المملكة منشغلة بالهمّ اليمني كما يُشاع، فلو كانت قادرة في لبنان على قلب الطاولة وعزل حلفاء ايران والتضييق عليهم وإخراجهم من المعادلة لفعلت ذلك.
وحده «العجز» عن تحقيق أيّ تقدّم في الداخل اللبناني ابعد الرياض عن امكانية الحسم فيه، فلا رئيس للجمهورية اليوم بدون الرجوع لرغبة حزب الله، وهو بيت القصيد عندها وعودة للخصم اللدود.
الخلل الطارئ على واقع النفوذ السعودي في لبنان عزز مكانة حلفاء ايران وسورية في فرض شروطهم، خصوصاً بعد التقدم الكبير الذي أحرزوه في سورية عسكرياً تحديداً في حلب اليوم، هذا ما جعل وزراء حزب الله أكثر استعداداً للتضامن مع حلفائهم في التيار الوطني الحر والاعتكاف عن المشاركة بجلسات الحكومة، وهو إعلان مباشر للمملكة العربية السعودية أنّ حزب الله لن يتخلى عن مرشحه الاول والأخير لرئاسة الجمهورية ميشال عون .
كلام الجبير يذكر بالكلام الروسي الذي جاء على لسان مسؤولين ودبلوماسيين روس كثر «كانت روسيا تقول إنها لن تسمح بتكرار ما مرّ في ليبيا وما حلّ فيها. يقول ديبلوماسيون روس في تلك المرحلة «لقد طردونا من ليبيا، وهذا ما لن يتكرّر في سورية».
أصبحت سورية قضية مبدئية لموسكو، وضعت في ملفها كلّ ثقلها ووزنها، وإذا كانت الرياض تودّ رفع المسألة اليمنية الى ذلك السلم الروسي نفسه، فعليها الاعتراف اولا ان ليس لديها القدرات الروسية التي تمنحها إياها الجغرافيا السياسية وبُعد حدودها عن المنطقة. يجب على الرياض إعادة النظر اكثر بخريطتها وحدودها فقد صار وحده التعاون مع الجيران، خصوصاً ايران قادراً على إرساء التوازن داخل حدودها وخارجها هذه المرة.