هدنة حلب.. ثقة إخضاع الآخر
نظام مارديني
ستكتسب «هدنة حلب» التي كشف عنها من قبل الثنائي، لافروف ـ كيري، بعداً استراتيجياً في سياق العدوان القائم على سورية، وهي اكتسبت أهميتها بعد فشل الولايات المتحدة الأميركية في تعطيل القيمة المعنوية والمادية لانتصارات الجيش السوري وحسمه معركة إنهاء وجود الجماعات الإرهابية في ريف حلب. ولكن السؤال الذي يتبادر إلى ذهن المراقب هو لماذا راهنت أميركا والسعودية على رمزية هذه المدينة من خلال العبث المذهبي تارة والطائفي تارة أخرى، رغم الأعداد الكبيرة لقتلى الإرهابيين؟
هو سؤال يدخل في سياق المواجهة التي ستخوضها الدولة السورية خلال المرحلة المقبلة، وطبيعة المرحلة التي ستتشكل بعد تنظيف ريف حلب نهائياً من الإرهابيين، ولعل معطيات المعارك الأخيرة أكدت أنها كانت الرهان الأخير للجماعات الإرهابية، لما تمثله من بُعْد مهمّ في الجانب التسويقي، وفي سياق الحلول المفترضة، وهي لذلك لم تكن حرب مناوراتٍ، ولا حتى حرب «الاقتراب غير المباشر»، كما يسمّيها الخبير العسكري ليدل هارت، بل هي جزء من حرب النهايات، تلك التي تدخل في سياق تغيير الموازين، وحسم المعطيات الميدانية على الأرض، وهو ما كان واضحاً من خلال زخم القوة المستخدمة للجيش السوري وحلفائه.. كما وحجم التدخلات الإقليمية والدولية فيها، فضلاً عن حجم الجماعات الإرهابية من الأصول غير السورية والعربية الوافدة الى هذه الجبهة.
معركة حلب كشفت عن رهانات لوجستية من قبل أميركا والسعودية على «النصرة» و «أحرار الشام»، وعن محاولات لإيجاد ثغرات في حربهم المفتوحة على أهل حلب، بهدف التأثير على الخارطة العسكرية وعلى معنويات الجيش وحلفائه السوري، لفرض ضغط على مجريات التفاوض السياسي، لكن خسارتهم كليّتَيْ التسليح والمدفعية، ومعمل الاسمنت والراموسة وطريق الكاستيلو، وتأمين طوق آمن لحلب هو ما دفعهم أمام حسابات خسارتهم لآخر معاقل المساومة على حساب دماء الشهداء، وكانت دعوات كيري الفاشلة لانسحاب الجيش السوري من الكاستيلو وفتح ممر آمن للإرهابيين، بهدف كسب ورقة مساومة في مفاوضاته مع لافروف الذي رفض الطلب الأميركي، ورد على كيري بالقول إن «شرق حلب ليس أربيل».
الروس يدركون ذلك ويلعبون دبلوماسياً.. يقولون لمن يسألهم: نعمل لإنقاذ الجميع، لأن الجميع عراة وألسنة اللهب تقترب…
لا يمكن التصور أن العملية الدبلوماسية التي تقوم بها موسكو يمكن أن تفضي الى اي حل شامل في ضوء المراوغة والتناقض الأميركي.. لكن الثابت أن حراك كيري جاء نتيجة قصور عقلي، ان في بلورة تصور ما للحل السياسي بوجود التنظيمات الإرهابية او في بلورة احتمال بانسحاب الجيش السوري من المناطق التي استعادها.. هي محاولات ربع الساعة الأخير، وربما ما قبل الأخير لتأمين حلب، وانهاء هذه التراجيديا الدموية.
الآن ستعمل الادارة الأميركية ومعها دول الخليج بعد خسارتهم المدوية لمعركة حلب، على اعادة النظر في سياساتهم وفي استراتيجياتهم، ولكن من دون التخلي عن تلك النظرة، والنظرية الثأرية.. أي الحدّ من انتصارات الجيش السورية وحلفائه في الميدانين العسكري والدبلوماسي.
الآن بدأوا يتحدثون عن التسوية السياسية.. ولكن التسوية مع مَن؟ الذين ذهبوا الى التفاوض مما يسمّى بـ «المعارضة» لا أثر لهم على الأرض باستثناء الجماعات التكفيرية الذين يريدون إقامة دولة على غرار دولة أبي بكر البغدادي، رغم أن كلهم من مشتقات «داعش» و «النصرة» و «أحرار الشام».
بشار الجعفري، الدبلوماسي الدمشقي الهادئ، والمحنك، الذي التقط منذ زمن اللحظة وخاطب واشنطن.. واثق من اليوم الذي يأتي فيه كيري إلى دمشق ليسأل.. وما هي احتياجات الجيش السوري!؟