الاتفاق الروسي ـ الأميركي يُخرج «النصرة» ويُحرج المعارضة… والأسد باقٍ
تماضر عباس
بعد نقاشات طويلة دامت لوقت طويل، امتدّت بين الروسي والأميركي من قمة العشرين في الصين، بين الرئيسين بوتين وأوباما، وانتقلت لتستكمل بين وزيري خارجية البلدين، لافروف وكيري، في جنيف. المباحثات، التي كانت تبدو أنها متعثرة واستغرقت 14 ساعة، جعلت الكثيرين يشكّون بإمكانية توصلها إلى اتفاق أساساً. الا أنه في نهاية يوم الجمعة 9 أيلول، أعلن عن انتهاء اللقاء، الذي توّج بتوقيع خمس وثائق بغية استئناف العملية السياسية، مما سيهيء الظروف المطلوبة لإخراج التسوية السورية من الطريق المسدود.
يقضي الاتفاق بوقف الأعمال القتالية في سورية، اعتباراً من منتصف ليل 12 أيلول. ويوضح أنّ الهدنة ستعلن، في البداية، لمدة 48 ساعة، لتمديدها لاحقاً، للفترة نفسها. ثم ستمتدّ على أساس دائم. أهمّ ما جاء في الاتفاق، هو ما أشار اليه لافروف، من أنّ الخطة المشتركة تركز على ضرورة الفصل بين الإرهابيين والمعارضة السورية. مستطرداً، أنّ موسكو وواشنطن ستنشآن في غضون سبعة أيام من دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، مركزاً تنفيذياً مشتركاً، سيعمل ضمنه عسكريون وممثلو أجهزة الاستخبارات الروسية والأميركية، على حلّ مسائل قائمة في هذا المجال.
ما المقصود بالفصل بين الإرهابيين والمعارضة السورية؟
يعتبر أكبر فصيلين إرهابيين يحاربان على الارض السورية، «داعش» و«جبهة النصرة». يضم «داعش» منفردا عددا كبيرا من غير السوريين والمرتزقة، من دول مختلفة، يشكلون في قوامه أكثر من النصف. ولديه تطلعات تختلف عن تطلعات المعارضة السورية، التي يمكن التعويل عليها في عملية سياسية حقيقية، تنتج تغييراً حقيقياً في النظام السوري. كما أنه منذ البداية، اعتبر تنظيماً تابعاً لـ«ألقاعدة» المسجلة كتنظيم إرهابي دولي. وعلى الرغم من أنّ عديد «داعش» في سورية فقط، يقدّر بنحو 20 إلى 25 ألفا، وهو عدد قليل جداً، مقارنة بعشرات الآلاف من القوات السورية والحليفة، التي تحارب الإرهاب في سورية إضافة إلى التحالف الأميركي «الستيني»، الذي قيل إنه تشكل لمحاربة «داعش». ومع هذا، لم يحارب أحدا حقاً «داعش»، خصوصا الجيش السوري، الذي لم يدخل في حرب حقيقية معه، باستثناء حربه معه لإخراجها من تدمر، وذلك لأهمية تدمر الاستراتيجية والحيوية. مما جعل الكثيرين يقولون إنّ النظام السوري هو من صنع «داعش»، وهذه كانت سياسة سورية غاية في الذكاء، حيث كانت أولوية محور المقاومة ليس محاربة «داعش»، بل القضاء على أدوات أميركا و»إسرائيل» والسعودية وقطر، وبعد ذلك تأتي «داعش»، التي سترحّل من سورية من دون مقاومة، لأنّ ما يهمّ المرتزقة هو الغنيمة وليس السلطة في أرض ليست لهم. حيث نقلت صحيفة «كومسومولسكايا» تقريراً للباحث الاقتصادي الأميركي الشهير جيفري ساكس، تساءل فيه: لماذا تريدون من الرئيس الأسد محاربة «داعش» في هذه المرحلة الحساسة من عمر الأزمة السورية؟ والأوْلى بمن زرع الأشواك ان ينتزعها وهي أميركا، التي صنعت «داعش» وتحوّلت، في ما بعد، إلى تهديد ضمني من قبل أردوغان بدفع التنظيم إلى داخل أوروبا، حيث أنّ تسليح الأسد للأكراد في عين عرب كوباني ضدّ «داعش»، وهو الإنجاز الذي لفت نظر أميركا وفرنسا وبريطانيا إليهم، فقرّروا الرهان عليهم كورقة لتقسيم سورية، بعد أن سقطت كلّ أوراق «المعارضة السورية المعتدلة». واكتشفوا أنه ما من جيش قوي يعتمدون عليه غير «جبهة النصرة» و»أحرار الشام» وبعض الفصائل الصغيرة، التي تصنّفها روسيا في خانة الإرهاب، وترفض الاعتراف بها كمعارضة معتدلة.
لقد نجحت الدبلوماسية الروسية في سحب الورقة الأهمّ من يد أميركا وهي «جبهة النصرة» أكبر تجمع سوري مسلح بعد الجيش السوري، 90 ألفاً، تقريباً، من السوريين، وللفصائل المتفرقة ما يقارب 30 ألف مسلح والتي حاولت أميركا مراراً وتكراراً، تحويلها إلى معارضة معتدلة، سواء كان من خلال تغيير اسمها إلى إسم «جند الشام»، أو إعلانها الانفصال عن «القاعدة»، خصوصا أنّ «جبهة النصرة» ذات أغلبية سورية ولا وجود لها خارجها أسوة «بداعش». وهي الأقوى عسكرياً على الأرض، ووجودها يدعم العملية السياسية المعارضة. لكن سحب تلك الورقة من يد أميركا، تجعلها بغاية الضعف، سواء على الأرض أم في السياسة. والآن، بعد أن أصبحت «جبهة النصرة» هدفاً للطيران الروسي والسوري، بموافقة أميركية أعلنتها بضربة جوية للجبهة من قبل الطيران الأميركي، قبل يومين من إعلان الاتفاق هذا الاتفاق، سيقسم ظهر الفصائل المحاربة على الأرض، فهي فصائل ضعيفة مشتتة، من دون «جبهة النصرة» سترى نفسها بين براثن الجيش السوري وحلفائه، مضطرة إما إلى إعلان التسويات، والدخول في العمليات السياسية وإيقاف العمل العسكري، كما يجري في ريف دمشق. وأما الموت والتصفية من دون غطاء، كما يجري في حلب وغيرها من مناطق، تعلن مناطق لـ«النصرة» و«داعش» أي مناطق ارهابية. وستعلو أصوات المعارضة رفضاً لهذا الاتفاق وبكاء لعملية البيع التي تعرّضوا لها تباعاً.
هل لا زالت أيام الأسد معدودة؟
لم يذكر الاتفاق مصير الرئيس الأسد، وهذا إنجاز كبير جداً، وهو الاستسلام لعملية سياسية وصناديق اقتراع معلوم في نهايتها بقاء الأسد في سدة الحكم، وهذا ما يقلق «إسرائيل»، إذ ورد في تقرير «إسرائيلي» حديث، قول للجنرال الصهيوني هرتسي هاليفي بإنّ اسقاط الرئيس الأسد أمر في غاية الأهمية، لأنه السبيل الوحيد لإضعاف إيران وعزل حزب الله. و«إسرائيل» لا تريد أن تنتهي الأزمة السورية بالقضاء على «داعش» وخروج الدول الكبرى، وبقائها وحيدة تواجه حزب الله وايران، بعد أن قويت شوكتهم واكتسبوا خبرات عسكرية جديدة في حرب سورية. بل تريد رحيل الأسد وليس القضاء على «داعش».
الآن أولى خطوات إعلان النصر عبر هذا الاتفاق، الذي جرّت إليه أميركا مجبرة، تحت ضغط الانتخابات الأميركية، التي حملت أسوأ مرشحين للرئاسة الأميركية: هيلاري كلينتون ودونالد ترامب. وستنتصر الدبلوماسية الروسية والقوة العسكرية لحلف المقاومة والممانعة.