سورية ترسم معادلاتها الحدودية شمالاً وجنوباً بالنار… وتسهيلات حلبية رهانات على إخراج الحكومة من الموت السريري… والعونيون للتصعيد
كتب المحرّر السياسي
قدمت عطلة عيد الأضحى فرصة عملية لتبيّن حجم النجاح الذي حققه التفاهم الروسي الأميركي في حيّز التنفيذ، حيث أجمعت التقارير الأمنية على نسبة هدوء تخطت الثمانين بالمئة، بينما ظهرت العلاقة بين واشنطن وموسكو قادرة على الصمود والتقدّم رغم سيرها على حافة الهاوية، سواء بالقدرة على التغلب على المزايدات التي يتعرّض لها التفاهم داخل واشنطن، خصوصاً من وزارة الدفاع والوزير آشتون كارتر، أو بالقدرة على إنتاج واجتراح حلول للمشاكل والتعقيدات التي تبدو في ظاهرها إجرائية وهي في العمق سياسية جدية، كحال إدخال المساعدات إلى شرق حلب وما يرتبط به من رفض الحكومة السورية التهاون مع سيطرة الجماعات المسلحة عليها، أو مع تحويلها مطية لانتهاك السيادة كما حاولت الحكومة التركية أن تفعل بإدخال شاحناتها عبر الحدود، من دون أيّ إجراءات رسمية أو اتصالات حكومية يستدعيها ذلك، ومثله حال تطبيق مبدأ فصل المعارضة عن تشكيلات الإرهاب وخصوصاً جبهة النصرة، وبدرجة حضور هذه العناوين في سجالات أميركية روسية علنية، كان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف نجمها في انتقادات قاسية للتعامل الأميركي مع الجماعات المسلحة، وتلكّؤ المسؤولين الأميركيين في تنفيذ تعهّداتهم، لكن ظهر بالقدر نفسه أنّ التعاون بين وزيري الخارجية الروسي سيرغي لافروف والأميركي جون كيري، قادر على التوصل إلى تفاهمات تنفيذية لتطبيق التفاهم الرئيسي، عبّر عنه كلام كيري عن العزم على التعاون مع روسيا في ضرب جبهة النصرة، كما عبّر عنه ما أعلنه الوزيران عن تمديد الهدنة وفقاً لأحكام الاتفاق لمدة ثمانٍ وأربعين ساعة في حال الرضى عن تطبيقها للمدة الأولى وصولاً إلى تمديدها لأسبوع يبدأ معه التعاون العسكري الروسي الأميركي عبر غرفة عمليات مشتركة، يكون قد سبقها التوصل لحسم خريطة الانتشار والتموضع التي ستعتمد في هذه الحرب، لتحدّد أمكنة مصنفة للنصرة وأخرى للمعارضة التي يجب تحييدها من الاستهداف، وتلك للقوى التي رفضت التفاهم والانضمام إلى أحكامه واختارت الانضمام إلى معسكر النصرة.
في شأن المساعدات التي يفترض وصولها إلى شرق حلب، بعدما أعلنت روسيا أنها تبلّغت من الحكومة السورية استعدادها لإخلاء معبر الكاستيلو إذا أخلت الجماعات المسلحة مواقعها المقابلة، وسحبت يدها من أيّ تدخل في أيّ شأن يتصل بدخول المساعدات وتوزيعها، فأنجز الاتصال بين الوزيرين كيري ولافروف تفاهماً على السعي للانسحاب المتقابل ومعه تحييد شأن المساعدات عن التحكم السياسي، وينتظر كيري جواب الجماعات المسلحة على الاتفاق.
سورية التي تدير بإيجابية عالية ما يترتب عليها من التزامات نحو حلب ومعها كلّ الداخل السوري، استنفرت قدراتها وحضورها لرسم معادلاتها الحدودية بالنار، فصدر بيان عن وزارة الخارجية السورية يحذّر تركيا من مواصلة انتهاك الأجواء السورية تحت طائلة تلقي الردّ المناسب، بينما كانت الدفاعات الجوية السورية تتصدّى للطائرات «الإسرائيلية» التي كانت تقصف مواقع سورية لمساندة جبهة النصرة بوجه هجمات الجيش السوري، وجاء الحدث الذي قالت سورية إنه انتهى بإسقاط طائرتين «إسرائيليتين»، ونفت «إسرائيل» سقوطهما، لكنها تعاملت بجدية وتهيّب مع الرسالة السورية التي وصفها المعلقون «الإسرائيليون» بالنوعية والمفاجئة.
الجيش السوري بقي في قلب معاركه الضارية والنوعية في ريف حماة بوجه جبهة النصرة وشرق حمص ومحيط تدمر وفي دير الزور بوجه محاولات تقدّم لتنظيم داعش، لتحقق في الجبهات الثلاث ومعها جبهة القنيطرة المفتوحة على تحوّلات نوعية منذ يومين بفعل الضربات التي يوجهها الجيش السوري لمسلحي النصرة بعد نجاحه في توجيه إصابة بالغة لحجم التدخل «الإسرائيلي».
لبنانياً، تعيش الحكومة حالة الموت السريري، مع اتصالات مكثفة لإخراجها من غرفة العناية الفائقة، ونجاح حزب الله بالتوصل لتسوية يقبلها كلّ من التيار الوطني الحر وتيار المستقبل، بينما لا تبدو فرص هذه التسوية في الأفق مع إعلان التيار الذهاب إلى التصعيد في مواعيد 28 أيلول و13 تشرين الأول، واضعاً قضية التعيينات العسكرية في كفة ميزان مقابل قرار العودة للحكومة.
الجمود سيِّد الموقف
لا يزال الجمود السياسي سيد الموقف رغم انتهاء عطلة عيد الأضحى، فلم يبرز أي جديد على صعيد انعقاد مجلس الوزراء الذي من المفترض أن يبحث في جلسته المقبلة أواخر الشهر الحالي ملف التمديد لقائد الجيش الحالي، في ظل مروحة اتصالات يقوم بها رئيس المجلس النيابي نبيه بري وحزب الله مع التيار الوطني الحر لعودة وزرائه الى الحكومة.
وأكد الرئيس بري أمام زواره في لقاء الأربعاء أمس، الثقة بعودة وزراء تيار المردة وحزب الله الى جلسات مجلس الوزراء، وشدّد على أن لا جديد في السياسة تحت الشمس، مؤكداً في الوقت نفسه على إبعاد الإجراءات والإنجازات الأمنية عن المزايدات السياسية. وقال فلنترك الأمن والقضاء يعملان بعيداً عن مثل هذه المزايدات، لأنهما شكّلا ويشكّلان مظلة تحمي الجميع وتحفظ استقرار البلد وسلامته.
وتطرق بري الى التطورات الاخيرة والهدنة في سورية فقال «إن إسرائيل هي المتضرر الاول من هذه الهدنة، التي قد تتحول الى اتفاق ولقد ثبت أنها عملت وتعمل ضد مثل هذه الاتفاقات، لا بل تأكد ويتأكد يوماً بعد يوم رهانها على استمرار ما يجري في سورية سعياً الى اغتيال الدولة والكيان».
ونقل زوار بري عنه لـ «البناء» أن «لا تقدّم في المشاورات على صعيد الحوار الوطني طالما لا نيات إيجابية من المتحاورين، وبالتالي لن يدعو الى جلسة جديدة إلا ضمن قواعد معينة تؤمن الإنتاجية المطلوبة».
وإذ أعرب بري عن عدم تفاؤله على صعيد الحوار الوطني، أمل أن يعود مجلس الوزراء الى الانعقاد والرهان على الاتصالات الجارية التي يقودها بري مع الأطراف كافة، ومع التيار الوطني الحر خصوصاً، كما يعول على عودة وزراء المردة وحزب الله الى الحكومة». وعلمت «البناء» أن «حزب الله يقوم بجهود حثيثة مع التيار الوطني الحر في هذا السياق، لكن لا نتائج نهائية حتى الآن لكن الاتصالات مع التيار لم تتوقف ولم تصل الى طريق مسدود».
.. و«التيار» إلى المحطة الفاصلة
ورفع التيار الوطني الحر من درجة التحدي ومنح القوى السياسية مهلة زمنية قبل المحطة الفاصلة للتحرك والتي حدّدها في 28 أيلول و13 تشرين المقبلين، إذا لم تتحقق مطالبه. وأشار تكتل «التغيير والإصلاح» خلال اجتماعه الأسبوعي في الرابية الى أن «التيار في مرحلة التحضير للتحرك الشعبي المتدرج تحت عنوان الميثاق، وعندما نتحرك لن يقف تحركنا وأعذر مَن أنذر، فهو لن يتوقف قبل الرئاسة وقانون الانتخاب بالمعايير الميثاقية لا أكثر ولا أقل».
وتابع: «في الحوار والرئاسة وقانون الانتخاب والحكومة مطلبنا ميثاقي وطني جامع، ومَن يرغب بنا يأتي إلينا بالحلول الميثاقية وليس بأي حل سلطوي، لأن الميثاق عهد وليس صفقة، والبوصلة واضحة ولن نضيع ولن يغرقنا أحد في متاهات أخرى». ولفت الى أن «الموعدين في 28 أيلول حيث محطة الاستحقاق الرئاسي الوطني و13 تشرين الأول، حيث المحطة الفاصلة إذا ما وصلنا إلى استحقاقاتنا وسلطاتنا ومواقعنا معلقة على خشبة الكيد والظلم، إنها المحطة الفاصلة، محطة العماد عون بامتياز».
.. وفرنجية في بكركي
وعلى المقلب الرئاسي خرقت زيارة رئيس تيار المرده النائب سليمان فرنجية، الى الديمان الستاتيكو الرئاسي، حيث استقبله البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي وعقدا خلوة استمرت ساعة ونصفاً.
الطراس والمولوي
أمنياً، تفاعلت قضية إلقاء القبض والإفراج عن مفتي راشيا السابق الشيخ بسام الطراس المشتبه بتورطه في تفجير كسارة ـ زحلة في 31 آب الماضي، وأصدرت المديرية العامة للأمن العام بياناً توضيحياً، استغربت فيه صدور مواقف وشعارات وتوزيع بيانات ورسائل تهديد من مواقع من المفترض بها أن تحترم القانون، وتقف الى جانب المؤسسات الأمنية الرسمية، وأكدت أنها «لم تكن يوماً الجهة الصالحة لأي استغلال سياسي من أي جهة أتى، وليست المكان الصائب للمنافسة وتصفية الحسابات بين القوى، وأن التحقيق مع الشيخ الطراس جاء إثر الاعترافات التي أدلى بها الموقوفون في عملية التفجير الإرهابية، وكان بناء لإشارة القضاء المختص وبإشراف مفوض الحكومة المعاون لدى المحكمة العسكرية الذي افرج عنه «رهن التحقيق» لاحقاً، وحجز جواز سفره، خصوصا لجهة اجتماع الشيخ بسام الطراس مع الموقوفين ع.غ. و ب.خ. ومع مطلوب آخر يُدعى ابو البراء في تركيا.
وقالت مصادر مطلعة لـ «البناء» إن «لا علاقة للامن العام بإطلاق سراح الطراس بل إن إطلاق سراحه كان بناءً على قرار قضائي»، معتبرة أن «ما حصل هو نموذج للقضاء الواقع تحت تأثير السلطة السياسية والضغط الطائفي وتكرار لإطلاق سراح الإرهابي شادي المولوي بعد ضغوط سياسية وطائفية على القضاء». ولفتت الى أن ذلك يأتي في سياق استغلال المسألة المذهبية والطائفية لمنع الأمن العام والقضاء عن حفظ الأمن في البلد وإطلاق سراح الطراس محطة من فضائح الدولة لا سيما وأنه ينتمي الى تنظيم داعش الإرهابي، بحسب اعترافات الموقوفين في تفجير كسارة».
ولفتت إلى أن «النيابة العامة لدى المحكمة العسكرية هي التي أفرجت عن الطراس التي تتبع الى مدعي عام التمييز القاضي سمير حمود الذي يتبع بدوره الى وزير العدل». ولفتت المصادر الى أن «التحقيقات أثبتت أن عبوة كسارة كانت تستهدف مواكب المشاركين في مهرجان تغييب الإمام المغيب موسى الصدر ورفيقيه».
وحذرت المصادر من تداعيات قرار إطلاق سراح الطراس وغيره من الإرهابيين على الوضع الأمني وعمل الأجهزة الأمنية والقضائية في حفظ الأمن، مشيرة الى أن «انتماء الطراس الى داعش دليل على ان التنظيم لا يزال يعمل بحرية عبر خلاياه وأن أطرافاً في الداخل لا تزال تؤمن له الغطاء الأمني والسياسي».
وأشارت مصادر عسكرية لـ «البناء» الى الحركة النشطة لعدد من الخلايا الارهابية في الآونة الاخيرة في مناطق البقاع الاوسط، إلا أنها طمأنت الى أن هذه الخلايا تخضع لمراقبة دقيقة من قبل الأجهزة الأمنية لا سيما الامن العام واستخبارات الجيش ولفتت الى ضرورة ملاحقة المسلحين في جرود عرسال وقطع الشريان بين مناطق المسلحين والمخيمات، الأمر الذي يزيد في حصار الخلايا في الداخل التي تتواصل مع قيادات الارهابيين الموجودين في الجرود. وأشارت المصادر الى مكان عمل هذه الخلايا في المناطق القريبة من مخيمات النازحين السوريين، مضيفة: «على سبيل المثال منطقة قب الياس تحوي 75 الف نازحٍ وعدد سكانها 22 الفاً وبلدة بر الياس تحوي 110 آلاف نازح ومن ضمن هؤلاء مئات من المسلحين».
وعلمت «البناء» أن ضغوطاً يمارسها وزيرا الداخلية والعدل نهاد المشنوق وأشرف ريفي وأمين عام تيار المستقبل أحمد الحريري على القضاء لإطلاق سراح الموقوفين في تفجير كسارة.
وفي غضون ذلك، أحال مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر ملف التحقيقات في انفجار العبوة في محلة كسارة، الى مديرية المخابرات في الجيش اللبناني لضمّه الى الملف الأساسي، وللتوسّع في التحقيق.
أزمة النفايات إلى الحل
على صعيد آخر، اتجهت أزمة نفايات المتن وكسروان اعتباراً من يوم أمس الى الحل، مع بدء شركة «سوكلين» جمْع النفايات الجديدة المرميّة في الشوارع، تاركة النفايات القديمة على عاتق البلديات لجَمْعها في مواقع مخصّصة لتخزينها. وللغاية، عُقد اجتماع بعد الظهر بين «سوكلين» ومجلس الإنماء والإعمار للبحث في الملف.