وحدة سورية وسيادتها ومصير الأسد خطوط حمر لا يمكن تجاوزها…
سناء أسعد
خمس سنوات من الحرب على سورية و«إسرائيل» تعتبر أنّ الجوّ السوري ملعبها، والفضاء الذي يمكن خرقه ساعة تشاء، من دون أن يكون هناك أيّ ردّ من الجيش السوري، على اعتداءاتها السافرة والمتتالية، لا سيما، بعد أن نالت أدواتها، منذ الأشهر الأولى لربيعهم المزيّف، من منظومات الدفاع الجوي السوري. فتشكل لديها اليقين المطلق، بأنّ الجيش السوري أضعف من أن يردّ على أيّ تحرك، أو اختراق من طائراتها للأجواء السورية. خصوصا وسط انشغاله وانهماكه بحربه في الداخل، مع مرتزقتها، الذين هم في حقيقة أمرهم ليسوا إلا جيوشاً «إسرائيلية» ترتكب «الإجرام المعتدل» وتطبّق الإرهاب المرخص عالمياً، داخل الأراضي السورية، مختبئة خلف تسميات مختلفة، تحت غطاء ثورتهم المأجورة. وعلى هذا الأساس، أسهبت «إسرائيل» في دعمها للفصائل الإرهابية في الجنوب السوري، لا سيما «جبهة النصرة» التي تعتبر عمادها الأساسي في معركتها. وقدمت لهم الدعم اللوجستي والمادي، وفتحت مشافيها ومراكزها الطبية لتقديم العلاج لجرحاهم، سعياً منها لإقامة منطقة عازلة في الجنوب السوري، أو ما أسمته «جدارا طيبا»، أشبه بحلم أردوغان الأسود ومشروعه «العثماني» بإقامة منطقة عازلة في الشمال السوري. وفي سبيل تحقيق مساعيها تلك، فتحت «إسرائيل» جبهة القنيطرة بعملية عسكرية واسعة، أسمتها «قادسية الجنوب»، أعلنت انطلاقها «حركة أحرار الشام» و«جبهة النصرة» وفصائل أخرى، في العاشر من أيلول. وتدل المؤشرات كافة، إلى أنّ دمشق كانت على علم ودراية بكلّ ما يجري في الجنوب، من استعدادات وتأهّب لتلك المعركة، ضمن إطار التخطيط والحشد والتسليح، منتظرة ساعة الصفر. والأرجح، أنّ قلق «إسرائيل» من إتفاق روسي أميركي تجهل بنوده ومضمونه، ولم تكلف أميركا نفسها عناء إطلاعها عليه، حسب وسائل إعلام العدو، هو الذي سرّع بعقارب تلك الساعة، لا سيما أنه لا يروق لـ«إسرائيل» استهداف «جبهة النصرة» النبض الصهيوني في قلب الأراضي السورية، وبقاياها المتفتتة بعد انهيار مشروعها بالكامل، في كل معاركها وبمختلف مسمياتها، من «عاصفة الجنوب» إلى «عاصفة الشمال» والقادم أعظم، أمام تشرذم أركان الحرب على سورية، واقترابها من تحقيق النصر خطوة خطوة.
وعلى الرغم من مساندة طيران العدو «الإسرائيلي» وتغطيته النارية لهجوم تلك الفصائل الإرهابية، تسهيلا لحركتها وتنقلها بالأسلحة والعتاد، وقصفها المركز على مرابض مدفعية وصاروخية لوحدات الجيش السوري وحلفائه، كانت تستخدمها في عملياتها ضدّ الإرهابيين، تمكن الجيش السوري من استعادة السيطرة على بعض البلدات، التي سيطرت عليها تلك الفصائل، وإحباط هجوم كبير على عدد من النقاط والمواقع العسكرية، ما بين بلدة حضر ومشاتي وتل أحمر بريف القنيطرة.
وسط هذا التخبّط والمحاولات الفاشلة لترسيم الحدود السورية الجنوبية، بـ«منطقة آمنة»، لتوسيع المساحات التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة، وإبعاد الجيش السوري وحلفائه عن الجولان المحتل، جاء الثالث عشر من أيلول ليكون الحدث التاريخي الأهمّ والأبرز، والانعطافة الأكبر في عمر الأزمة السورية، حيث قامت الدفاعات الجوية السورية بإسقاط طائرتين «إسرائيليتين»، واحدة حربية من نوع «أف16»، جنوب غرب القنيطرة، وأخرى إستطلاعية من دون طيار، غرب سعسع. خبر أكدته الحكومة السورية، في بيان صادر عن القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة، سرعان ما نفاه جيش العدو، لأنّ ذلك، سيضعه بمأزق صعب أمام مستوطنيه، لما له من تأثير سلبي على قدرة الردع لدى «إسرائيل» وانهيار نظريتها العسكرية.
من الواضح أنّ سورية اتخذت قراراً حاسماً بالردّ على أيّ عدوان، يحاول انتهاك سيادتها، وبالمكان والزمان اللذين تراهما مناسبين. وإنها رغم انشغالها بحروبها في الداخل، ما زالت مستعدة لفتح جبهات أخرى على طول حدودها، إذا ما تطلب الأمر ذلك، ليس لأنها تهوى الحروب وتنتهج سياسة التدمير والخراب، بل لأنها ترفض الذلّ والهوان والاستسلام أمام العدو، بوجوهه وأشكاله كافة. فإذا لم تكن الحروب من إنتاجها، سيكون النصر صناعة محلية سورية بامتياز، وعلى كلّ شبر من الأراضي السورية، التي سيزورها الأسد واحدة تلو الأخرى، ومع كلّ رسالة توجه منه وينشغل العدو بقراءة أبعادها عسكرياً وسياسياً، ستسقط أهداف العدوان ومخططاته انتكاسات وخيبات وانكسارات وهزائم بالجملة. وعلى «إسرائيل» أن تستوعب جيداً وتفكر جدياً بما قرأته في رسالات الرئيس الأسد، سواء أكانت من قلب داريا، أو في صواريخ سام s200. وعليها أن تحكم خطواتها جيداً لتتماشى مع المعادلة الجديدة، التي بدأ الأسد يعمل بها، وتفهم على ضوئها التحوّل النوعي في طبيعة الصراع.
فالتمادي بلغ ذروته، والسكوت عن الاعتداءات المتكرّرة لم يعد مقبولاً. وسورية ستمارس حقها القانوني بالدفاع عن نفسها وحماية أجوائها من أيّ عدوان صهيوني، مهما كانت التبعات والنتائج.
ومن اعتقد أنّ سورية وصلت إلى حدّ الإنهاك والضعف، فهو مخطئ. ويجب أن يعلم الجميع بمن فيهم الطاغية أردوغان والكيان السعودي الواهن، أنّ هناك خطوطاً حمراء لا يمكن تجاوزها: وحدة سورية وسيادتها، ومصير الأسد. وإنّ المعركة الكبرى لتحرير الأراضي المغتصبة من براثن العدو الصهيوني، تعدّ عدّتها. وستجد أنها في مواجهة قوة عسكرية لا تهاب الموت، دفاعاً عن حقوقها، تتمثل بجيش يصنّف من أقوى الجيوش عالمياً، لا سيما بعد ملاحم البطولات التي سطرها بصموده وتضحياته في مواجهة أشرس الحروب وأكثرها عنفا. ويبدو أنّ القلق والتخبّط «الإسرائيلي» الواضح، إزاء فاجعتهم الكبرى، يترجمه الضجيج الاعلامي الذي وصل في تحليلاته إلى خلاصة مفادها: أنّ الجيش السوري يخوض معركة على مستوى الوعي وتهيئة أفراده لحربه التحريرية الكبرى.