الاتفاق الروسي ـ الأميركي: واشنطن في ورطة
حسن حردان
كان واضحاً من خلال ما رشح من المفاوضات التي سبقت الإعلان عن الاتفاق الروسي الأميركي، لوقف النار في سورية، وما تضمّنه، أنّ واشنطن كانت أمام خيارين: السيّئ والأسوأ.
الخيار السيّئ، أن تقبل بالتراجع أمام روسيا وسورية وإيران، وتوافق على ما كانت ترفض الموافقة عليه في السابق، وهو الفصل بين «جبهة النصرة» وبقية الجماعات التي توافق على الهدنة والحلّ السياسي، وأن تدخل في عملية تنسيق عسكري مع روسيا لضرب «النصرة» و«داعش».
أما الخيار الأسوأ، فهو عدم الموافقة على هذا الاتفاق، وبالتالي، مواصلة الجيش السوري وحلفاؤه تقدّمهم الميداني وضرب كلّ الجماعات الإرهابية، بما فيها تلك التي تدين بالولاء لواشنطن. وحسم المعركة في ريف حلب ومحافظة إدلب. وما يعنيه ذلك، من إنهيار وهزيمة الجماعات المسلحة التي كانت تراهن عليها واشنطن وتركيا والسعودية، للحصول على مكاسب سياسية في المفاوضات. وتحوّل المعركة لتتركز باتجاه ضرب تنظيم «داعش»، وهو أمر لا تستطيع واشنطن أو أيّ دولة أخرى، إعاقته.
أمام هذين الخيارين، اضطرت واشنطن إلى الموافقة على الخيار الأقلّ سوءاً بالنسبة لها، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
غير أنّ الإدارة الأميركية بعد الإعلان عن الاتفاق، واجهت مشكلة، ألا وهي، كيفية تنفيذ الاتفاق على الأرض:
إن كان لناحية إقناع الجماعات المسلحة التابعة لها، بالتخلي عن تحالفها مع «جبهة النصرة»، والابتعاد عنها، لتسهّل على الطائرات الروسية والأميركية في ما بعد، ضربها.
أو لناحية ما ستؤول إليه الأوضاع، عندما يتمّ ضرب «النصرة» والقضاء على القوة الأساسية للجماعات المسلحة. وما يعنيه ذلك، من تسريع عملية القضاء على «داعش»، وحصول اختلال كبير في موازين القوى لمصلحة الدولة السورية، يضع الجماعات المسلحة المتبقية في الميدان أمام خيارين أحلاهما مرّ:
الأول: الدخول في عملية الحلّ السياسي وفق المنظور الروسي السوري – الإيراني، أيّ تشكيل حكومة وطنية تشرف على إجراء انتخابات نيابية، تقرّر نتائجها أحجام هذه القوى، ليجري على ضوئها تشكيل الحكومة الجديدة. ويبدو أنّ هذا الخيار سوف يكشف ضعف وهشاشة تمثيل هذه القوى، على المستوى الشعبي. وبالتالي، خسارتها معركة الحصول على تمثيل وازن في السلطة، كانت تسعى إليه عبر فرضه بواسطة التدخل الخارجي.
الثاني: أن تعمد الجماعات المسلحة إلى عدم الموافقة على الدخول في هذا الحلّ السياسي، لأنها تعرف سلفاً أنها ستكون الخاسرة. في مثل هذا الحال، فإنها ستكون أمام مواجهة الجيش السوري وحلفائه، لكن بعد أن أصبحت ضعيفة تفتقد لسندها الأساسي «جبهة النصرة»، ما يجعلها غير قادرة على الصمود لفترة طويلة، في حين لن تكون أميركا ولا تركيا في وضع القادر على نجدتها عسكرياً، تجنّباً للتورّط في مواجهة عسكرية مع الجيش السوري وحلفائه، لا سيما أنّ الجماعات المسلحة برفضها الحلّ السياسي، تكون قد أضعفت موقف الدول الداعمة لها، وأفقدتها أيّ تبرير للدفاع عنها.
انطلاقاً من ذلك، يمكن لنا أن نفهم الورطة التي باتت فيها واشنطن، قبل وبعد توقيع الاتفاق مع موسكو. ورطة تجعلها في حالة من الارتباك، من جهة، هي خائفة من تداعيات كشف مضمون الاتفاق، لما يحتويه من تنازلات، سوف تعتبر من قبل الجماعات الموالية لها تواطؤا وخيانة. وفي المقابل، هي غير قادرة على التهرّب طويلاً من التزاماتها تجاه موسكو، لناحية تنفيذ روزنامة الاتفاق. وهو ما يظهر من خلال الإلحاح الروسي بضرورة أن تعلن واشنطن مضمون الاتفاق، وعدم التهرّب من التزامها فصل الجماعات التابعة لها عن «جبهة النصرة». وتالياً، تسليم خريطة مفصلة لمناطق تواجد هذه الجماعات. وكذلك، مناطق تواجد «جبهة النصرة»، للبدء بالمرحلة الثانية وهي ضرب «النصرة» و«داعش» معاً.
هذه الورطة التي أصبحت فيها واشنطن، هي نتيجة للإنجازات النوعية التي حققها الجيش السوري وحلفاؤه في الميدان. وفشل محاولات الجماعات الإرهابية فك الحصار عن أحياء حلب الشرقية، والاحتفاظ بسيطرتها على الكليات الحربية وبلدة الراموسة، في غرب حلب. فيما كان استسلام المسلحين في مدينتي داريا والمعضمية، في ريف دمشق، بمثابة الصاعقة التي صعقت الدول المتآمرة على سورية. وكان من الطبيعي أن تؤدّي هذه الإنجازات، إلى تقوية الموقف السياسي لسورية وحلفائها، وإضعاف موقف واشنطن والدول التابعة لها، في المفاوضات. وأن يأتي الاتفاق الأميركي – الروسي تعبيراً عن موازين القوى على الأرض، ذلك أنّ واشنطن لا تستطيع أن تأخذ بالسياسية ما فشلت فيه في الميدان.
من هنا، فإنْ حاولت واشنطن التهرّب من تنفيذ الاتفاق، فإنها بذلك تكون قد فقدت آخر فرصة لها للاتفاق مع روسيا. والتي ستكون عندها في حلّ من أيّ التزام. وهذا سيؤدّي إلى عودة إطلاق هجوم الجيش السوري وحلفائه، بقوة أكبر لحسم المعركة مع الجماعات المسلحة بمختلف مسمياتها.
أما إنْ التزمت واشنطن جدياً بتنفيذ بنود الاتفاق، فإنّ ذلك سوف يصبّ أيضاً في صالح سورية وحلفائها، لأنه سيقود إلى حسم المعركة سريعاً مع الجماعات الإرهابية، في ظلّ غطاء دولي. وبالتالي، سلوك الأزمة طريق الحلّ السياسي، على قاعدة احترام سيادة واستقلال سورية وحق الشعب السوري في تقرير مصيره بنفسه، وانتخاب برلمانه ورئيس بلاده بعيداً عن أيّ تدخلات أو إملاءات خارجية.