الأسد: لا مساومة على سيادة سورية
راسم عبيدات ـ القدس المحتلة
مرت خمس سنوات على الحرب العدوانية التي شنّت وتشنّ على سورية، كونها الحلقة المركزية في حلف ومحور الممانعة والمقاومة. فكسر سورية وتحطيم جيشها وإسقاط قيادتها وبالذات رئيسها الأسد، وتقسيم وتفكيك جغرافيتها، يعني عزل وتفكيك حلف المقاومة، من موسكو إلى الضاحية الجنوبية. والبعض بناء على نصائح قدمت له من عواصم النفط والدولار، استدار في مواقفه 180 درجة. وحزم أمتعته ورحل عن سورية، التي احتضنته كما تحتضن الأم طفلها الوليد. رحل غير مأسوف على رحيله. حيث نصحته عواصم النفط والبترودولار بالرحيل، لكي يحفظ مصالحه ومواقعه. فالنظام السوري أيامه معدودة؟ خمس سنوات وسورية تقارع وتتصدّى وتحبط، بل وتقبر المشاريع الأميركية ـ الصهيونية والإستعمارية الغربية، ومعها مروحة واسعة من حلفائها الإقليميين والعرب، وعلى وجه التحديد، العثمانية الجديدة ومشيخات النفط والكاز العربية. مشاريع تنفذها مجاميع إرهابية وتكفيرية و«هابية» من «القاعدة» ومتفرعاتها: «داعش»، «النصرة»، «أحرار الشام»، «نور الدين زنكي» وغيرها المئات من التشكيلات والألوية والكتائب الإرهابية، التي تمّ ضخها إلى سورية بمئات الآلاف من الإرهابيين، مزوّدة باحدث الأسلحة و«حنفيات» المال. مع دعم وتغطية واسعة إعلامية ومخابراتية ولوجستية وغرف عمليات لإدارة المعارك، في تركيا والأردن و«إسرائيل»، لكي تمارس كل أشكال القتل والذبح والتخريب والتدمير والنهب والطرد والتهجير والتفكيك والتفتيت.
خمس سنوات والرئيس الأسد ثابت على قناعاته ووفيّ لمبادئه وشعبه. رافضاً أي رحيل أو بعد عن جيشه وشعبه، اللذان التفا حوله، دفاعاً عن سورية العروبة، سورية الهوية والموقف، مؤمناً بأن سورية قادرة على هزيمة أعدائها بالإرادة والتضحية والثبات وبمعاونة ومساعدة الحلفاء والأصدقاء، الذين كان لهم دور بارز في دعم سورية وانتصارها، من موسكو مروراً بطهران وانتهاءا بالضاحية الجنوبية.
خمس سنوات سعت خلالها دول الجوار والأعداء المنخرطين في العدوان على سورية، إلى توزيع سورية كحصص وإرث لها، الخليفة السلجوقي في الشمال السوري والعدو «الإسرائيلي» في الجنوب، عملا على تقديم كل أشكال الدعم للجماعات الإرهابية والتكفيرية، من أجل إقامة مناطق عازلة داخل الأراضي السورية، تؤمن لهم الأمن والإستقرار وتحفظ لهم مصالحهم، وتمنع توحد سورية، وتبقي سيادتها منقوصة. مارسا كل أشكال العربدة والزعرنة في الأراضي والأجواء السورية، مستغلين انشغال الجيش السوري في التصدي له ومحاربة الجماعات الإرهابية على اكثر من جبهة، على طول وعرض الجغرافيا السورية. وكانت أحلامهم وطموحاتهم وأطماعهم تتكسر وتسقط أمام عظمة الصمود السوري الأسطوري. صمود وبطولات سجلها الجيش السوري ضد مروحة العدوان الكوني الواسعة، التي تشن عليه من أكثر من ستين دولة. صمود لا يوازيه سوى صمود وبطولات الجيش الروسي في ستالينغراد.
لم تفلح كل وسائل الترهيب والترغيب، في جعل الأسد يساوم على وحدة سورية، أو هويتها، أو قرارها وموقفها، أو إعطاء موطء قدم لهذه الجهة أو تلك، لكي تكون خاصرة رخوة في الجسد السوري، أو مقراً لممارسة أشكال الإرهاب والتآمر والتدخل في الشان السوري. وبلا قاطعة للقريب قبل البعيد، قال: لا مساومة على سيادة سورية. وبالفعل، بعد خمس سنوات تحقق ما قاله الأسد. أميركا ومروحة حلفائها من تل أبيب والرياض والدوحة وأنقرة وباريس ولندن، سلموا بهزيمة مشاريعهم في سورية، حيث كانت المفاوضات الروسية الأميركية المتواصلة، التي توصلت، أكثر من مرة، الى هدن مؤقتة بشأن الأوضاع في حلب وغيرها، من المدن السورية. والمشتملة على وقف الأعمال العدائية وفك التشابك الميداني، ما بين الجماعات الإرهابية «داعش» و«النصرة» وما تسميه واشنطن «المعارضة المعتدلة»، تصطدم بتهرب الأميركي وحلفائه من الإلتزام والتطبيق. ويجري استغلال تلك الهدن من أجل دعم الجماعات الإرهابية، وإدخال المزيد من السلاح والرجال لصالحها.
جاءت معركة حلب، لكي تحسم الوجهة حيث حقق الجيش السوري انتصارات واسعة، وأصبح كل المشروع المعادي في خطر، فالجيش السوري، سحق النواة الصلبة للجماعات الإرهابية جبهة «النصرة». ولذلك وجدت أميركا نفسها أمام خيارات صعبة: إما أن توافق على حل يحفظ لها ماء الوجه، وإما نهاية المشروع المعادي في الشام، فكان الإتفاق الروسي ـ الأميركي بوقف الأعمال العدائية والهدنة لمدة سبعة أيام، يجري تمديدها إستناداً للوقائع الميدانية، التي قالت بأن الجماعات الإرهابية خرقتها بشكل كبير وواسع في اكثر من مدينة سورية. لكن النظام السوري تمسك بهذه الهدنة، هو وحلفاوه الروس والإيرانيون وحزب الله.
ذومن داريا المحررة، التي زارها الأسد قائداً لسيارته الشخصية من أجل الصلاة فيها، مرسلاً من هناك رسالة طمأنه لشعبه، بأنه أينما حلت الجماعات الإرهابية حلّ الخراب. وبأنه سيعيد بناء ما دمرته تلك الجماعات الإرهابية وقوى العدوان. وبأن السكان الذين هجروا قسراً منها، يجب عليهم العودة إليها. وبأنه لا تغيير في الواقع الديمغرافي للمدينة، فالوطن فوق المذهبية والطائفية. والأسد لم يكتف بهذه الرسائل، بل أراد أن يوجه رسائل أخرى لكل العابثين والطامعين في الجغرافيا السورية، جنوبا وشمالاً، ليقول لهم بأن وقت الزعرنة والبلطجة قد ولى، فـ»إسرائيل» تدرك أن وقف الأعمال العدائية في سورية، سيجعل الجيش السوري يتفرغ لها، الجيش الذي تريد له الإستنزاف والضعف. لذلك، سارعت إلى تقديم الدعم العسكري والطبي واللوجستي والمخابراتي لجماعات «النصرة» و«أحرار الشام»، في معركتها التي أسمتها «قادسية « الجنوب، لكي تؤمن لها منطقة عازلة على طول شريط الجولان المحتل، كما هو حال المنطقة العازلة التي أقامتها في الجنوب اللبناني، بقيادة المغدور انطون لحد، التي قبرها حزب الله وقوى المقاومة اللبنانية، بتحرير الجنوب اللبناني في أيار 2000، ففي الثالث عشر من هذا الشهر، حاولت طائرات العدوان الصهيوني تقديم الدعم الجوي لتلك الجماعات الإرهابية، بالعدوان على مرابض المدفعية السورية، متيقنة بأن الدفاعات الجوية، التي تضررت كثيراً بفعل العدوان، كالعادة، لن تتصدى لها. لكن الرد المفاجىء والتحول النوعي بالتصدي وإسقاط طائرتين معاديتين، واحدة حربية وأخرى من دون طيار، جنوب غرب القنيطرة، وغرب بلدة سعسع. هذا الرد، وجه رسالة صاعقة للقيادتين العسكرية والسياسية «الإسرائيلية» وأربكهما. وقال لهما بشكل واضح: زمن العربدة والبلطجة قد ولى. وسورية سترسم وتحمي حدودها وتحرر المحتل منها الجولان بالدم والنار. ولن تسمح بتقسيم جغرافيتها. وهي ليست بالرجل المريض. وكذلك، هذه الرسالة وصلت ألى الحالمين والطامحين ببعث وإحياء خلافتهم الجديدة، على حساب الدم والجغرافيا السورية والعربية، في أنقرة. فما يخططون له من إقامة منطقة عازلة في الشمال السوري، تحت ذريعة حماية أمن واستقرار تركيا، من خطر إقامة كيان كردي على طول الحدود السورية ـ العراقية وفي العمق التركي، يجب أن لا يستغل من أجل العدوان على سورية وإحتلال أراضيها. حيث اعتبرت سورية ما تقوم به تركيا من أعمال عسكرية هناك، بمثابة عدوان على الأرض السورية، يستوجب الرد عليه. وأي مقاتلة أو قوة عسكرية تجتاز الحدود السورية، سيتم التصدي لها والتعامل معها على اأنها قوة معادية. وأي إدخال للمساعدات، إنسانية أوإغاثية للجماعات الإرهابية والسكان المحاصرين هناك، بفعل تلك الجماعات، في شرق حلب، يجب أن يتم بالتنسيق فقط مع الدولة السورية. ولعل وزير الدفاع الروسي بلقائه نظيرة التركي في أنقرة، أوصل له هذه الرسالة.
وأنهي مقالتي بما كتبته الكاتبة الصحافية سناء أسعد في «البناء» اللبنانية بتاريخ 16/9/2016 : من يعتقد أنّ سورية وصلت إلى حدّ الإنهاك والضعف، فهو مخطىء. ويجب أن يعلم الجميع، بمن فيهم الطاغية أردوغان والكيان السعودي الواهن، أنّ هناك خطوطاً حمراء لا يمكن تجاوزها: وحدة سورية وسيادتها، ومصير الأسد. وإنّ المعركة الكبرى لتحرير الأراضي المغتصبة من براثن العدو الصهيوني، تعدّ عدّتها. ويبدو أنّ القلق والتخبّط «الإسرائيلي» الواضح، إزاء فاجعتهم الكبرى، يترجمه الضجيج الاعلامي الذي وصل في تحليلاته إلى خلاصة مفادها: إنّ الجيش السوري يخوض معركة على مستوى الوعي وتهيئة أفراده لحربه التحريرية الكبرى.
Quds.45 gmail.com