القطاف الأميركي لما أينع من اتفاق حضر… بوتين ومواجهة مسار الخطر؟
د. محمد بكر
أغارت الطائرات الأميركية على مواقع للجيش السوري في جبل ثردة في دير الزور، حادثٌ تتعدّد السياقات التي يُوضع فيها لجهة التوقيت والدلالات، أهو عقوبة وردّ فعل على إسقاط الدفاعات الجوية السورية لطائرتين إسرائيليتين قبل أيام، وتالياً إرضاءً لـ «إسرائيل» وتثقيلاً للمكرمة العسكرية الأميركية المقدّمة لها للتوّ، أم في سياق تعزيز النقاط الانتخابية وحسم المعركة كما يشتهيها الحزب الديمقراطي، أم نسفاً كلياً وقطافاً لما أينع من اتفاق أميركي – روسي حول وقف إطلاق النار في سورية رفضت واشنطن خلاله الإفصاح عن تفاصيله أممياً، وتالياً تعزيز الخطوة الرئيسة والهدف من القصف الأخير للطائرات الإسرائيلية لمواقع الجيش السوري في القنيطرة لجهة خلط الأوراق وإطلاق النار على كلّ ما من شأنه أن يخمد اللهيب السوري…
كلّ الاحتمالات واردة، والأهمّ ما قاله الرئيس بوتين في تصريح لوكالة «انترفاكس» ومفاده أنّ واشنطن تسعى إلى الحفاظ على قدرات عسكرية معيّنة لمحاربة الأسد، ما يعزّز النظرية الأميركية والاستراتيجية القديمة الجديدة في إيلام الروس من خلال جملة من الأوراق القاعدية وغير القاعدية في سورية.
ما أعلنته واشنطن عن أنّ القصف جاء نتيحةً لظنّ من «التحالف» بأنه موقع لتنظيم داعش هو بعيد وخارج أيّ سياق منطقي لسببين رئيسين:
– ما أعلنته موسكو لجهة أنّ الرواية الأميركية القصف بالخطأ هو نتيجة مباشرة لعدم التنسيق بين واشنطن وموسكو في الميدان السوري، وهو ما تصمّ عنه الآذان الأميركية السمع للعشرات من المطالبات والنداءات الروسية لناحية فصل المعارضة «المعتدلة» عن الفصائل المتطرفة ووضع آليات مشتركة وواضحة بين الطرفين.
– الأمر الثاني وهو الهجوم «غير البريء» لتنظيم «داعش» مباشرة بعد القصف الأميركي والسيطرة على المكان في مشهد يترك العديد من إشارات الاستفهام ويقذف بالنيّات الأميركية «الحسنة» إلى عمق البحر.
ما كانت قد أكّدته مصادر إعلامية لجهة أنّ الجانب السوري قد أبلغ الروس بأنه سيردّ على أيّ خروق أو اعتداءات «إسرائيلية»، وجد الروسي حينها ما يصوغه من كلمات نزلت برداً وسلاماً على المشهد الساخن بين الجانبين بعد إسقاط الطائرتين الإسرائيليين، إذ دعا الطرفين لضبط النفس، وأنه يوجد في الجولان «إرهابيين» تجب محاربتهم، وربطاً مع ما سمّاه بوتين «بالمسار شديد الخطورة» الذي تسلكه واشنطن للدفع قدماً بعسكرة المشهد السوري واستمرار القتال ضدّ الحكومة السورية، ما يجعل الخيارات الروسية على محك غاية في الصعوبة للتعامل مع تطورات الميدان السوري الذي يستولد بكثافة أحداثاً جديدة شديدة التبعات والتداعيات.
لا يمكن التكهّن بما سيرسو عليه الخيار الروسي الذي يبدو بين نارين، ولا سيما إذا ما تكرّر الدخول المباشر لحليفه «الإسرائيلي» في يوميات الحرب السورية الذي وجدت فيه موسكو شريكاً في محاربة الإرهاب، وإذا به يضرب حليفه السوري، ويستمرّ تواصله بلا انقطاع على الحدود مع مسلحي جبهة النصرة، بحسب ما أكده مراسل الشؤون العسكرية في القناة العاشرة ألون بن دافيد، لكن الأقرب هو أنّ تفاؤل بوتين بنجاح الاتفاق بات في أدنى مستوياته، إنْ لم نقل قد تلاشى تماماً، وتالياً المضيّ باستراتيجية الحسم العسكري، ومضيّ واشنطن في المقابل بتعزيز ما حذر منه كيري روسيا في السابق، وهو المستنقع السوري، قد يطيل حلقات مسلسل الحرب السورية على الطريقة «المكسيكية»، إلا إذا كان لمحور «الممانعة» إيقاعه الخاص بعيداً عن القيود الروسية على مقام «ما بعد بعد حيفا».
كاتب صحافي فلسطيني مقيم في ألمانيا.
Dr.mbkr83 gmail.com