العرب يتسابقون لـ «تحية روح بيريز» وبعض اللبنانيين يشيدون…
روزانا رمَّال
سمحت سخرية القدر لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بـ «فرصة» الحصول على تصريح بالدخول الى القدس المحتلة لحضور جنازة الرئيس «الإسرائيلي» السابق شيمون بيريز، بعدما درس رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو الموافقة على طلبه ووافق!
يدخل الرئيس محمود عباس بسلام أرض بلاده المسلوبة في القدس حيث «العاصمة اليهودية المنشودة»، والتي كلفت «إسرائيل» حروباً وغزوات «أصيلة ووكيلة» لتبصر النور ولا تزال تلوح في أفق الشرق الأوسط نيات تكريسها منذ لحظة السعي الى إنشاء دويلة كردية وتقسيم سورية. وهو المشروع الذي يجابَه اليوم بأيدٍ من حديد من قبل اولئك المقاتلين أنفسهم الذين قاتلوا «إسرائيل» أيضاً في جنوب لبنان.
الأمعاء الخاوية التي ترفع الهامات والرؤوس وتشمخ فيها الجبهات التي انتصرت على إنسانية المحاضرين بها من وراء قضبان سجون الاحتلال والتي قدمت فلسطين على منابر السلام واجهة الإنسان وقبلة للعالم لم تكف محمود عباس للتخلي عن المجاملات البروتوكولية التي لا تجدي مع هذا العدو وآخرها بطولة الاسير مالك القاضي الذي أفرج الاحتلال عنه بانتصاره على الموت ومضرباً عن الطعام ومحتجاً على القهر والظلم. لم يكف الرئيس عباس أن هذه الأيام تصدف فيها مناسبة الذكرى الـ16 لانطلاق الانتفاضة الثانية انتفاضة الأقصى التي بدأت يوم 28-9-2000 في ساحات الأقصى.. لم تفلح مناشدات محمد الدرة في حضن والده، ولا صرخات الامهات المستغيثات بالقول بإفهام عباس أنه سيفتح الباب لكل الراغبين سراً بالمشاركة بدفن الميت بالمجاهرة والمشاركة معاً.
يتقاطر العالم ليسجل موقفاً للصهيونية العالمية في مثل هذه المحافل، وتقف ايران متفرجة على عدد المتضامنين والذين عبّروا عن حزنهم الشديد من عرب وخليجيين وتدرك أنها هي «السبب».
الموقف الإيراني المؤيد للمقاومة والصعود العلمي والتكنولوجي والعسكري جعلها بالغنى عن التزلف والتودّد لنيل رضا الغرب وجعل جيرانها يلجأون «للشيطان».
تنظر سورية إلى ما يجري… تسأل كيف يتوحّد العرب الذين طردوها من الجامعة العربية، ووقفوا بالدور بين حكام وملوك ورؤساء وممثلين عنهم للمشاركة بوداع الطاغية.
تناشد القوى الفلسطينية «المقاومة» رئيس السلطة الفلسطينية حفظ ما تبقى من ماء «وجهها ووجهه» وترجوه ألا يحضر وها هي كلّ من «حماس» والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، تدعوانه للتراجع عن المشاركة في الجنازة اليوم. تناشد حماس عباس التخلّي عن قراره بتشييع المجرم بيريز، حسب ما قالت، وتنبّهه أنّ مشاركة «الرئيس الرمز» «توفر غطاءً للأطراف الأخرى بالهرولة السياسية وتمثل تشجيعاً لهم للتطبيع مع «إسرائيل».
لم تخطئ حماس في هذا فها هي الأغطية تتوزع والتصريحات تظهر الى العلن..
وزير خارجية البحرين خالد بن أحمد يقول للميت «ارقد بسلام يا بيريز» الرجل نفسه يصف السيد حسن نصرالله بـ «إرهابي» ويلاحق اللبنانيين على اراضي بلاده، يصنف المحتل داعية «سلام» ويكاد يبدو من أصحاب العزاء، فتصريحاته بقيت تتوالى وآخرها: «أيها الرئيس شمعون بيريز، يا رجل الحرب ورجل السلام الذي لا يزال صعب المنال بالشرق الأوسط»..
قد يكون المشهد إيجابياً لدرجة وضوح الأمور وانبلاجها، الخليج طبّع مع «إسرائيل» علناً وانتهى الأمر!
الذي كان خافياً بكتمان السرّ كالمملكة العربية السعودية بات علنياً، لم تشرح الرياض معنى لقاءات تركي الفيصل بالصهاينة حتى الساعة.. ولم توضح فحوى المشاهد التي تناقلها الإعلام لرجل الأمن السعودي انور عشقي بين «الإسرائيليين»..
قطر ستلبّي «الواجب» كالعادة ويحضر الجهاز الحاكم.. المغرب سيرسل أندريه أزولاي أحد مستشاري الملك محمد السادس للجنازة.
«القناة العاشرة» العبرية نقلت عن مصادر «إسرائيلية» وجود «اتصالات مع دول من الخليج العربي بينها سلطنة عُمان التي قد تحضر الجنازة بدورها، ورجحت مصادر صحافية «إسرائيلية» حضور الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والملك الأردني عبدالله الثاني.
يراقب الإعلام المصري المشهد ويتكتم إعلام قصر عبد الفتاح السيسي عن البوح بالحقيقة، فلا يؤكد ولا ينفي مشاركته، فالرئيس المصري لا يزال في حيرة من أمره، هل يحضر شخصياً أو يكتفي بإرسال سامح شكري وزير خارجيته؟ يبدو السيسي متحفظاً أكثر عن الإعلان عن تحركاته في الآونة الأخيرة بعد تهديدات تعرّض لها.. عله يفاجئ الكاميرات اليوم!
لا يغيب بعض اللبنانيين عن الحدث ولا يوفر بعضهم جهداً بالظهور بمواقف «معيبة» بحق بلد سجل أول انتصارات العرب على «إسرائيل»، فيضعون حساباتهم الشخصية والتاريخية ويطلقون مواقف قياساً لخلفيات لا تمتّ للقضية بصلة، فيصبح خصوم حزب الله وسورية منظّرين لفلسفة حرية التعبير وموزعين شهادات حسن سلوك ولياقات، وكأنهم خريجو أعرق مدارس الديبلوماسية والسياسة الدولية، اللبناني «السيّئ الحظ» هنا فارس سعيد أول المبادرين لتحية عباس الذي يطالبه الفلسطينيون بالرجوع عن قراره..
فلينم الفلسطينيون قريري العين وليفتخروا، لقد اعتبر فارس سعيد موقف رئيسهم شجاعاً ويدلّ على حنكة سياسية.
غاب عن سعيد أنّ مَن يحيي «الشجاعة» كفضيلة، يسوّق لها قاصداً او غافلاً.. غاب عنه أيضاً أنّ مجرد التفكير بالفرضية هو جهوزية لقبولها وبداية انفكاك تلك العقدة المتينة التي تربط «إسرائيل» بالإرهاب واعتبارها مباحة بين الاعداء وتذاكياً..
غاب عنه أيضاً أن تأييد «الخطأ» لن يتحوّل وجهة نظر أبداً…