ناهض حتر ومحمود عباس.. نقيضا الشرف والعار
هاني الحلبي
الشهيد المقاوم ناهض حتر.. ومحمود عباس، رئيس ما سُمّيت بالسلطة الفلسطينية، نقيضان لا يلتقيان!
يعتذر حتر عن أن في عنقه ديناً يصعب عليه أن يفيه، فبندقيته ليست إلا من كلمات وأحبار، وهو في خندق دمشق التي يتم حصارها وتجويعها وتشليع بلدها الشامي السوري مرة ثانية، بعد تشليع أول منذ أكثر من مئة عام، وتشريد أجيالها لقماً لأسماك القرش البحري ومَن يصل يتلقفه القرش الأوروبي لابتزازه واغتصابه والتسويق به قيمه السلعية المتهالكة..
بينما عباس قرر، بعناد حاد، أن يشارك بشيخوخته في جنازة المجرم شيمون بيريز ليكشف سوءات دوره كله، وليمسح آخر حرف عربي فلسطيني من سيرته الملتبسة.
لا يحفل عباس بالرجاء المتكرر من حماس ومن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ومن غيرهما، أن يعيد النظر في استعداده للدخول إلى القدس تحت حراسة البوليس الصهيوني، فيؤكد أنها عاصمة كيان العدو ويقبل بأن تكون مقبرة مغتصبي فلسطين حتى الآن!
مفارقتان من النقيض إلى النقيض، تفرضان على العقل والوجدان حضورهما، ولا يمكن لأي مواطن صالح ولا يمكن لأي محلل فاحص أن يتخطاهما..
هاتان خطتان متعاكستان كأنهما ثنائية صراع أبدي. ثنائية العقل وضده. ثنائية المسيح الفادي ويهوذا المنكر أنه المسيح. ثنائية النور الذي يفتتح ثنايا الظلمة المتكالبة على ذاتها وعلى ضحاياها المستسلمين، غير المأسوف عليهم، لأنهم أدواتها.
ويقدّم حتر نفسه للمحاكمة غير مكابر ولا مستسلم. لا يرفض للقانون طلباً ما دام القانون نظام حياة مجتمع وسياق دولة ينبغي ان ينشد العدل وأن يثبت الحق. ولا يضعف أمام التهديدات. تهديدات الغوغاء والسابلة والعامة التي قد تُشترى بأبخس من ثلاثين من تنك صدئ. بل يتمسّك بموقفه، برباطة جأش نادرة، يوضح ولا يعتذر. يعيّن مقاصده بنبل وكرامة كما ينبغي لأي مثقف وعارف ومقاوم في بلادنا أن يعي مسؤولياته التاريخية نحو تحدي الراهن وتحديات المستقبل فينبري للمواجهة، ولو بالكلمات والموقف المسؤول والرفض العاتي بالحق.
فليس كل مثقف كفارس سعيد يبرر لذات رذيلتها ليعم فسادها ويبرر للعميل حرية تعبيره، ليكون شعبنا مجرد أتباع أجهزة مخابرات ومخبري سفارات على أهلهم قبل غيرهم.
ليس كلّ مثقف كنديم قطيش الذي يطلق سخريته، كلما ساد صمت ليطرد كابوس فراغه، فينفث في وجه الكبار إن تكلموا ليفضح نفسه انه لا يعي ولا يفقه سوى وشوشات زوجه لتتم برمجته مجدداً..
وليس كل قائد كعباس السلطة، يريق ماء وجهه، يقف على تراب أجداد شعبه وثراهم باكياً في حضرة قامة المحتل التي تترامى من جنوب النيل في جبال أثيوبيا إلى جبال كردستان، بحيث لا يُرى عندما يدور في فلك أخطبوطها الدولي العالمي، ولا يكبر إلا إذا انزرع زيتونه في بيارات نابلس وفي كروم غزة وفي بساتين يافا وفي تلال القدس.
فيا هؤلاء.. لماذا تتصاغرون؟
ماذا تقول عن أوراق القوة التي حرقتها دفعة واحدة من اول جلوس على مقعد ما سمي مفاوضات، ولم تكن سوى جلسات تفريط مذل تحت يافطات مبرمجة؟ ماذا بقي لديك بعد التنسيق الأمني مع العدو لتصبح سلطتك أحد أجهزته تقتل شعبها وتحاصره وتطارده وتثخن جراحه وتشي به؟
ماذا بقي لديك عندما ترى في صواريخ المقاومة مؤامرة حقيرة تستهدف فلسطين إذا طالت مغتصبة للمحتل؟
لم يبق لديك ما تتستر به سوى بقية زمن يودي بك إلى مهلكة التفريط الكامل، التي افتتحتها مع سلفك، وها هو القطيع يلحق بكما وفي إثركما سريعاً…
بالمقابل، سيد عباس، ماذا بقي للشهيد ناهض حتر؟
تأمّل معي: بقيت له رفعة النبل وسمو الكرامة وشرف الموقف ومرتبة الشهادة، والتفاف شعبنا حوله، والتخلق بخلقه، وتسرّبه إلى ذاكرة الأجيال والانتماء للمستقبل وعصر الانتصار!
..لك الله يا فلسطين!
..ولك رجاله قادمون!
باحث وناشر موقع حرمون haramoo.org/arوالسوق alssouk