هل هو كابوس أم فيلم أميركي طويل؟
عبد الحكيم مرزوق
ما الذي يمكن أن نقوله عن قانون ما سُمِّي بتطبيق العدالة على رعاة الإرهاب المعروف اختصاراً باسم قانون «جاستا» الذي اعتمده الكونغرس الأميركي مؤخراً؟ هل يمكن القول إنه فصل من فصول الديمقراطية الأميركية في المنطقة العربية؟ أم لا علاقة له بالديمقراطية لا من قريب ولا من بعيد؟ لأنّ الولايات المتحدة لم تكن في يوم من الأيام ديمقراطية إلا بالكلام وهي على الدوام تعلن عكس ما تضمر!
ما القصة إذن؟ ولماذا جاء قانون «جاستا» الآن، وفي هذا التوقيت بالذات؟ هل يمكن القول إنّ ما نشهده هو بداية النهاية لنظام آل سعود الذي غرق بالدم حتى قراريط أذنيه، وفاحت رائحته النتنة في كلّ الأرجاء، وآن وقت التخلص منه واستبداله بنظام آخر ووجوه أخرى، غير ملوّثة بالدماء، لكنها مطيعة للإدارة الأميركية، تمهيداً لتقسيم مملكة الرمال حسب المخطط الأميركي الذي تزمع تنفيذه في المنطقة؟ أم أنه مسرحية هزلية من المسرحيات الأميركية التي تنفذها على الدول التي تستوطي جدرانها لأنّ الأغبياء من ملوك الخليج وأمرائه لم يستوعبوا أنّ الولايات المتحدة الأميركية تستخدمهم ونفطهم كبقرة حلوب ويمكن في أيّ وقت من الأوقات أن تستغني عنهم وعن خدماتهم المجانية، وترميهم خارج اللعبة. فعلى مدى أكثر من ستين عاماً والولايات المتحدة تستجرّ نفط الخليج، ورصيد النفط فيه الذي يستقرّ في مصارفها وتستفيد من كلّ تلك الثروات وفوائدها ولا تعطي الملوك والأمراء إلا مصروف جيب، لأنهم لم يكونوا في يوم من الأيام لا ملوكاً ولا أمراء، بل هم أقلّ من أشباه الرجال… يعملون تحت أمرة الأميركي الذي يُذلّهم ويهينهم كلّ يوم ويهدّدهم بأموالهم ونفطهم. وهم لا حول لهم ولا قوة سوى تنفيذ الأوامر.
فهل يستطيع ملوك وأمراء الخليج أن يأتوا بأيّ تصرف تجاه قانون «جاستا»؟ وهل يمكن لهم أن يسحبوا أموالهم وأرصدتهم من بنوك ومصارف الولايات المتحدة الأميركية التي تقدّر بأكثر من 750 مليار دولار؟
وهل يستطيعون بيع سنداتهم المالية؟ وهل يستطيعون إقناع الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي بتجميد التعاون مع أميركا في جميع المجالات، بدءاً من مكافحة الإرهاب وحتى التعاون الاقتصادي؟ وفي عدم السماح لأميركا باستخدامها القواعد العسكرية في المنطقة؟
قطعاً لا يستطيعون! لماذا؟
لأنّ الملوك والأمراء الذين تعاقبوا على عروش مملكة الرمال لم يقوموا بأيّ دور مشرّف تجاه العرب والعروبة التي ينتمون إليها بالاسم فقط. ولم يقدّموا للقضية الفلسطينية أيّ شيء. وجلّ ما قدّموه هو المزيد من الخنوع للسيد الأميركي والمزيد من التآمر على العرب وعلى قضيتهم الأولى فلسطين.
لقد أتقنوا تنفيذ أوامر الإدارة الأميركية من دون أن يُعمِلوا عقولهم المغيّبة، ومن دون أن يكون لهم أيّ دور هامّ في السياسة العربية والدولية سوى التآمر على العرب، حسب المصلحة الأميركو ـ صهيونية؟ وإلا فبماذا نفسّر حربهم على اليمن؟ وأيّ مصلحة للعرب يمكن أن نستخلصها في أن تشنّ مملكة الرمال حربها على جارتها سوى الأوامر الأميركية؟ والمصلحة الأميركية في أن ترى الدول العربية في حرب دائمة وخلاف مستمرّ؟ وهل يمكن أن نجد أيّ تفسير لدعم أغبياء السعودية الحرب على سورية منذ أكثر من ست سنوات والأموال الطائلة التي دفعتها في سبيل إسقاط الدولة السورية ودعم العصابات الإرهابية وداعش والنصرة ومرتزقة العالم الذين جيء بهم من أصقاع الأرض وحملوا أسماء ومسمّيات إسلامية مختلفة، والإسلام والدين منهم براء، وكلّ ذلك تحت شعار إحلال الحرية والديمقراطية؟
هل نتصوّر حجم الكارثة في دولة لا تعرف ألف باء الديمقراطية تريد أن تعمّم النظام الديمقراطي، وهي لم تجر في تاريخها أيّ انتخابات ديمقراطية أو حتى غير ديمقراطية.. إنه العهر السياسي بعينه. وهو تنفيذ أعمى لتعليمات الإدارة الأميركية التي تملي عليهم التعليمات لإضعاف دول محور المقاومة خدمة للغرب وللكيان «الإسرائيلي» الذي زرعوه في المنطقة العربية خدمة المشروع الامبريالي.
إنّ قانون «جاستا» بالشكل الذي جرت حيثياته برفض الرئيس الأميركي أوباما للقرار، ومن ثم نقضه من قبل الكونغرس الأميركي بمجلس الشيوخ والنواب وإسقاطه، هل يعتبر حدثاً غير عادي أم أنه عادي، لأنه نفذ بسيناريو يوحي بوجود ديمقراطية حقيقية في الداخل الأميركي، ولكنه في الواقع جاء عبر سلسلة من السيناريوات لإنهاء دور مملكة الرمال وإسقاطها من الحسابات، والانقضاض على ثرواتها داخل المصارف الأميركية، وكي تنهك المملكة في المستقبل بالدعاوى التي سترفع عليها من قبل أهالي ضحايا الحادي عشر من أيلول 2001 لمقاضاتها للتعويض على المتضرّرين من تلك الأحداث، وهو ما يشبه إلى حدّ بعيد مقاضاة ليبيا بالتعويض على أهالي ضحايا طائرة لوكربي، قبيل إسقاط معمر القذافي بسنوات. مع أنّ الجميع يعرف أنّ ما جرى في الحادي عشر من أيلول تمّ بمعرفة الإدارة الأميركية وأنّ المنفذين هم سعوديون وذلك من أجل نهب المزيد من الأموال والثروات حتى تعود مملكة الرمال إلى العصر الحجري، حيث التخلف والانحطاط، وكي لا تقوم لها قائمة، وهذا هو الواقع الذي تعيشه نظرياً الآن بعقول ملوكها وأمرائها، وسيصبح حقيقة واقعة حين يستيقظون من صحوتهم متأخرين ليجدوا أنّ النهب والسرقة أصبحا علنية ولم تعد القرصنة التي يقوم بها الأميركي من تحت الطاولة وبمسمّيات مختلفة، وسيدركون أنّ ما حصل ويحصل ليس فيلم كاوبوي انتصر فيه السيد الأميركي على أعدائه وممالئيه، بل هو كابوس طويل لن يستيقظوا منه بسهولة؟
كاتب وصحافي سوري
Marzok.ab gmail.com