التصعيد الأميركي من سورية إلى اليمن
ناصر قنديل
– تحتشد التصريحات الأميركية التصعيدية حول البحث في خيارات غير دبلوماسية لمواجهة التطورات في سورية، وتقوم مدمّرات أميركية بإطلاق صواريخ «توما هوك» نحو السواحل اليمنية بما وصفه البنتاغون بردّ دفاعي موضعي على صواريخ قال إنها استهدفت بحريته في مياه البحر الأحمر وباب المندب، وتنتشر التقارير الأميركية الرسمية والمسرّبة عن تحضيرات لخيار عسكري يطال المنطقة من اليمن إلى سورية، بهدف ردع ما تصفه التقارير بالتمادي الروسي والتمدّد الإيراني، وفي خلفية التقارير تقارير مسرّبة أخرى، تقول إنّ تحاشي التصادم مع الروس والإيرانيين مباشرة، ثم يقول غيرها إنّ التفكير يدور حول ضربات جوّية محسوبة لمطارات ومواقع حساسة في سورية واليمن، ثم توضح أن ليس في نية أميركا التحوّل إلى طرف مباشر في حربي سورية واليمن، لأنها تعلم أنّ التصعيد يجلب التصعيد، وأنّ تورّطها سيبدأ بخطوة، لكنه سيتحوّل إلى تورّط بلا سقف، وهي لا تريد الذهاب إلى عراق آخر. ثم تتحدث تقارير وراء التقارير والتقارير عن التفكير بتسليم سلاح نوعي للجماعات المسلحة في سورية، وتستطرد باستبعاد أن يضمّ ذلك سلاحاً مضاداً للطائرات، وتخلص تقارير التقارير للحديث عن السماح أو غضّ النظر عن قيام حلفاء واشنطن بتقديم سلاح نوعي لا يضمّ مضادات للطائرات إلى فصائل مسلحة موثوقة.
– الذين يرون في الحركة الأميركية بداية تصعيد يمهّد لمواجهة عسكرية يتخذون غارة الأميركيين على الجيش السوري في دير الزور والصواريخ على اليمن مثالاً. وهنا طبعاً يحضر السؤال عن وجهة التورّط الأميركي المرتقب وحجمه. هل يمكن حصر حدوده بالمدى الذي يريده او يفكر به الأميركيون؟ وهل الظرف الأميركي وظروف حلفاء أميركا اليوم أفضل حالاً مما كانت يوم قرّر الأميركيون صرف النظر عن الحرب بعدما جروا أساطيلهم ومهّدوا للقرار، وعادوا للتفاوض وصولاً لإنجاز التفاهم مع إيران حول ملفها النووي، وذلك كان قبل أن يدخل الروس بكامل ثقلهم على الخط العسكري في سورية، وقبل أن تستنزف السعودية كامل رصيدها العسكري والمعنوي والمالي في اليمن، بما يجعل الغارات الأميركية في دير الزور ومثلها الصواريخ الأميركية على اليمن رسائل تفاوضية بالنار أكثر مما هي بدايات تحضير لتورّط في حرب، وتصير اللغة التصعيدية واحدة من أوراق التفاوض، وجزءاً من حرب نفسية مزدوجة، ترمي من جهة للضغط على الجبهة المناوئة لواشنطن، ومن جهة مقابلة لإظهار عدم وجود بدائل واقعية للخيار التفاوضي أمام الحلفاء.
– يجري كلّ ذلك بينما تخرق واشنطن قرارها بوقف المحادثات الدبلوماسية مع روسيا حول سورية، فبعدما قالت إن لا جدوى لهذه المحادثات، قام وزير الخارجية الأميركية جون كيري بالاتصال مرتين بنظيره الروسي سيرغي لافروف، وقاما معاً بتوجيه الدعوات لعقد اجتماع في لوزان يضمّهما مع وزراء خارجية السعودية وإيران وتركيا وقطر، يستثني الفرنسيين والبريطانيين الذين كانوا على خط التصعيد بوجه موسكو، ويختصر دول مسار فيينا بالدول المؤثرة على الجماعات المسلحة التي قالت أميركا إنها عجزت عن فصلها عن جبهة النصرة، وتحضر فيه إيران والسعودية في لقاء مصغّر من جهة، وتركيا بين ضفتين متقابلتين، لمن اجتمعوا بوزير خارجيتها تمهيداً لاجتماع لوزان على مستوى وزراء خارجية الخليج، وسيجلس في لوزان قبالة السعودي والقطري، لكنه سيجلس محاطاً بالوزيرين الروسي والإيراني، وينعقد الاجتماع بينما تتعرقل معركة الموصل لارتباطها بمعركة الرقة من جهة، وبينما تتصاعد المخاطر على الجماعات المسلحة في شرق حلب من جهة أخرى.
– وضع الأميركي رسائله حول دور قواته في شرق سورية ومياه البحر الأحمر والساحل اليمني في البريد العاجل، وترك جماعاته يختبرون بدائلهم للتفاوض، وحصدوا ما حصده السعوديون من فضيحة في مجزرة صنعاء وما يحصده المسلحون من هزائم في سورية، بينما التفاوض هذه المرة لن يبدأ من الصفر، بل من حيث توقف، للإجابة عن سؤال هل هناك خارطة طريق لوضع تفاهم جنيف بين موسكو وواشنطن موضع التنفيذ، كممرّ إلزامي لوقف النار، والتمهيد لإطلاق عملية سياسية تضمّ الذين يبتعدون بمواقعهم ومواقفهم عن جبهة النصرة، سقفها الاحتكام لصناديق الاقتراع، ولو لم يكن ثمة ما يستحق لما توافق الأميركيون والروس على توجيه الدعوات لاجتماع لوزان، وهما يدركان أنّ ما أمضيا في التفاوض لبلوغه أربعة شهور، لن يكون سهلاً بلوغ بديل عنه بوجود هذا الجمع بما تبقى من عمر الولاية الرئاسية الأميركية التي تقارب على النهاية، بينما تقارب مواقع المسلحين على السقوط، من ريف حماة وريف حلب وريف دمشق إلى الموقع الأشدّ أهمية في شرق حلب.
– واشنطن تملك الرغبة بتحسين أوضاعها وأوضاع حلفائها، وتطلق حرباً إعلامية ونفسية، لكنها تدرك في العمق أنّ زمن حروبها قد مضى لتغيير الواقع المستجدّ في سورية واليمن، وأنّ سقوف الحلول السياسية باتت مرسومة، وأنّ حلفاءها باتوا أضعف من القدرة على التعطيل، والقدرة على امتلاك بدائل، لكن السؤال يبقى هل يملك هؤلاء الحلفاء القدرة على تمييز بعض تنظيم القاعدة عن بعضه الآخر؟ وهل يملكون إذا كانوا عاجزين عن ذلك أن يرفعوا عنهم الغطاء، أم أنهم يفضلون البقاء معهم في مركب واحد ولو تساقطت المواقع وانهارت الجبهات، كما تفضل واشنطن أن تهدّد وتصعّد بدلاً من أن تضغط على حلفائها وتجلبهم إلى التسويات، فيكون لوزان مجرد تمرين ثانٍ لمنح جنيف فرص العودة للحياة؟