ماذا حملت لوزان قبل سنة ونصف؟ وماذا ستحمل اليوم؟
روزانا رمَّال
فتحت إيران صفحة جديدة مع العالم منذ حوالي السنة والنصف تقريباً بعدما توصّلت الدول الست الكبرى إضافة اليها إلى اتفاق إطار بشأن الملف النووي بعد مفاوضات في مدينة لوزان السويسرية شهر نيسان من العام 2015، فحظيت ايران برفع العقوبات الغربية الاقتصادية تدريجياً عنها وشهدت موجة من الانفتاح السياسي عليها، خصوصاً من دول أوروبية أساسية أبرزها فرنسا التي كانت رأس حربة ضد النظام الايراني وملفه النووي، حيث صعدت باريس بشكل مكثف آخر حتى قبل أسابيع وجيزة من التوصل الى الاتفاق قبل أن يتغير المشهد وتتبادل الزيارات مع الرئاسة الايرانية.
كل شيء تغير بالنسبة لإيران والمنطقة لحظة الإعلان عن هذا الاتفاق وبرزت ردات فعل حلفاء واشنطن التي كشفت الكثير مما ينتظر المنطقة باعتباره الاتفاق المرجع لفهم باقي الأحداث المقبلة فيها كحدث أساسي يسجل لواشنطن فيه جرأة في السلوك الجديد لجهة الخضوع لسلسلة المتغيرات التي تكرس خطوتها تلك بالاعتراف بالعجز عن العناد تجاه ايران القادرة على إطلاق العملية السياسية في اكثر من ملف سياسي على مستوى العراق وافغانستان وسورية واليمن والبحرين وإذا كانت واشنطن تستعدّ لإخلاء المنطقة ضمن جدول اعمال زمني محدّد للانسحاب من أفغانستان قريباً. وإذا كانت ترى استحالة التوصل الى حل بدون التعاون معها في سورية والعراق كأبرز الملفات، فإن هذا يعني أن قبولها لموقع ايران الجديد من زاوية الحاجة اليها هو الأغلب.
تحمل مدينة لوزان السويسرية رمزية كبيرة لانطلاق العمليات السياسية الكبرى والاكثر تعقيداً منذ أكثر من مئة سنة. وتبدو منذ سنة ونصف نقطة الانفراجات التي وقعت على اساسها الدول الكبرى اتفاقها مع ايران ورسمت خطوط المنطقة فيه وإذا كانت «بركة» هذه المدينة ستحطّ رحالها فوق سورية، فإن هذا يعني أنها ستحمل مؤشرات سياسية كبرى في الاجتماع الذي دعت اليه كل من روسيا وأميركا للحل في سورية اعتماداً على معطيات وضعت الدول أمام مسؤولية الوقوف عند الأمر الواقع.
لفت بعد الإعلان عن اتفاق روسي – أميركي بشأن حل الازمة السورية منذ شهر تقريباً السرعة في نقضه من قبل المجموعات المسلحة في حلب التي ما لبثت ان اشعلت الجبهة مجدداً، لكن بمستوى اعلى من ذلك الذي كانت تتخليه واشنطن. فروسيا حشدت لاول مرة بهذا الزخم في حلب معتبرة انها معركتها الاولى والاخيرة قبل قلب الطاولة جدياً على رؤوس المتصارعين في نقلة نوعية للسلوك الروسي بالتعاطي مع مبدأ الهدن السابقة، حيث كانت السبب في تمدد عمل المسلحين استغلالاً لها.
تقدمت الامم المتحدة بقيادة دي مستورا نتيجة القصف الكبير الذي تتعرّض له مواقع المعارضة السورية المسلحة والجماعات التكفيرية بمبادرة لإخراج جبهة النصرة من الأحياء الشرقية، وكان لهذا دلالات كثيرة تلقفتها روسيا من المحرك الأميركي من وراء استسلام «النصرة» واستعداد دي مستورا لمهمة تبدو شبه مستحيلة يعرّض حياته فيها للخطر من أجل حماية التكفيريين فاكتمل مشهد الانعطافة الأميركية والارتباك.
غارة دير الزور أرست الكثير من الخيارات بوجه روسيا فعززت حضورها وكثفت تصريحاتها السياسية التي عبرت فيها عن أن اي استهداف للجيش السوري انما هو استهداف مباشر لها وسط حضورها، معتبرة ان اي نوع من التملص من هذا الحضور الذي يفترض تنسيقاً عالي الدقة معها هو إعلان حرب كبرى.
انهارت الهدنة، لكن الاتفاق الأميركي – الروسي لم ينهر، ويلفت اليوم شكل الاعلان عن عقد مؤتمر لوزان السويسرية اليوم حول الازمة السورية الذي جاء على لسان الخارجية الروسية كالتالي: «تنفيذاً لاتفاق بين وزيري الخارجية الروسي سيرغي لافروف والأميركي جون كيري، سيعقد في لوزان اجتماع لوزراء خارجية روسيا والولايات المتحدة وعدد من دول المنطقة المؤثرة لدراسة الخطوات الإضافية المحتمَلة من أجل توفير الظروف لتسوية الأزمة السورية».
استعملت موسكو تعبير «تنفيذاً للاتفاق» ناسفة كل ما حكي عن فشله وكاشفة ربما عن ان كل الذي يجري بات ضمن القبضة الروسية المسيطر عليها، فلا تفلت أميركي او ارتجال او نكث للنيات العامة للاتفاق. وهنا تُبرز الدعوة المشتركة للاجتماع النية المشتركة لتوسيع طاولة البحث إقليمياً بعدما اقتصرت على واشنطن وموسكو كقطبي الصراع في العالم.
الاجتماع الذي سيعقد في مدينة لوزان في سويسرا سيبحث الخطوات التي يمكن اتخاذها للوصول إلى تسوية في الأزمة السورية.
ناقشت واشنطن اتفاق لوزان النووي مع حلفائها لفترة غير قليلة، وها هي اليوم تناقش على الطاولة مباشرة مع حلفائها اليوم وبالمشاركة الروسية «الاتفاق الأميركي الروسي» وتشرح شكل المرحلة المقبلة وما للحضور الاساسي لموسكو والوازن للدول المعنية الإقليمية الا إعلان جدية أميركية بهذا الإطار.
تتوجّه اليوم كل من روسيا وتركيا وقطر والسعودية إيران ومصر والعراق الى لوزان. وهذا الحضور يعتبر أول من نوعه، فإيران الموجودة على الطاولة تترجم العديد من الاعترافات تجاهها. أولها عدم القدرة على تجاهل دورها بالمنطقة، والثاني الضغط على السعودية لتقبل هذا الحضور كشراكة بالمنطقة يستوجب على الرياض التعاطي معها كأمر واقع مستقبلاً. وبهذا الشكل يكون قد مهّد الأميركيون لأي جلسة تضمّ إيران والسعودية تأتي مخففة بعد الحضور الشامل في لوزان.
التصعيد في العراق وسورية وباليمن بأوجه واتفاقات لوزان برمزيتها تاريخياً عنوان للمخارج الكبرى، فهل يكون الشرق الاوسط امام فرصة اخيرة للسلام يدخل دونها المجهول؟