ورقة دي ميستورا التي لم ولن تبصر النور
حميدي العبدالله
الورقة التي قدّمها المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا تشكل تعبيراً صارخاً عن مسألتين: الأولى، انحياز الأمم المتحدة ووقوفها إلى جانب الجماعات المسلحة والإرهابية، وإلا ما معنى أن يتطوّع دي ميستورا شخصياً بمرافقة عناصر «جبهة النصرة» وهي منظمة إرهابية وفق تصنيف مجلس الأمن والقوانين الدولية ووفق قرارات الحكومات الغربية، بما فيها حكومة الولايات المتحدة. مبدئياً يساوي تطوع دي ميستورا لمرافقة عناصر النصرة إلى أيّ مكان يختارونه إذا أخرجوا من حلب، أيّ اقتراح من أيّ جهة يدعو إلى مرافقة عناصر داعش المحاصرين في مكان ما للانتقال إلى مكان آخر يوفر لهم الحماية من الاستهداف ويساعدهم على القتال بصورة أقوى. ربّ قائل إنّ الدولة السورية تعقد اتفاقات مع جماعات إرهابية بينها عناصر من النصرة للانتقال من مناطق تواجدهم إلى مناطق أخرى، ولكن شرط الدولة السورية واضح وهو أنّ الدولة هي التي سوف تسيطر على المنطقة التي سوف ينسحب منها الإرهابيون وليس أيّ جهة أخرى مثل المسلحين الآخرين الذين يقترح دي ميستورا تأمين الحماية لهم في أحياء حلب الشرقية بعد السماح بانسحاب عناصر النصرة، من دون التأكد ما إذا فعلاً انسحبت كلّ عناصر النصرة أم لا، طالما أنّ دي ميستورا يقترح أن لا تمسّ منطقة تواجدهم في أحياء حلب الشرقية وأن لا تدخلها الدولة السورية ومؤسساتها وأن يتمّ الاعتراف بشرعية سيطرتهم وإدارتهم للأحياء الشرقية، بما في ذلك مؤسساتهم القضائية المزعومة وهي مؤسسات معروفة مرجعيتها.
المسألة الثانية التي تنطوي عليها ورقة دي ميستورا تكشف عن مدى اللاواقعية في مقاربة القضايا المطروحة في سورية، فلو أنّ الدولة السورية مستعدّة للقبول بشرعية الجماعات المسلحة وقبول شرعية سيطرتها على المناطق التي غزتها واستولت عليها بقوة السلاح وقبول فكرة تقسيم سورية، لما كان ثمة داعي لكلّ هذه التضحيات التي قدّمتها الدولة والشعب السوري طيلة السنوات الست الماضية، ولو أنها تعاونت مع مقاربات كهذه لكانت سورية اليوم من أدناها إلى أقصاها تحت سيطرة الجماعات الإرهابية، وسيكون مصير الأمم المتحدة ومصير مبعوثيها شبيهاً بما آل إليه دورهم وحالهم في ليبيا حيث يقفون عاجزين عن الوصول إلى أيّ حلّ سياسي يحقن دماء الليبيين.