حلب أمّ المعارك… روسيا ورسوخ الحسم العسكري
جمال رابعة
النصر في معركة حلب أم المعارك ، ليس عسكرياً فقط للجيش العربي السوري والقوات الصديقة والرديفة، بل هو انتصار سياسي بامتياز لجهة القرار الروسي بالحسم العسكري السريع خارج المعادلات الإقليمية والدولية، طالما انتظرناه وتوقعناه.
الأصدقاء في روسيا الاتحادية تنبّهوا واستفادوا من تجربة هدنة 27 شباط ومن خديعة الإدارة الأميركية، وخرجوا بنتائج مفادها أنّ القرار يعود الى البنتاغون والمخابرات الأميركية وليس للبيت الأبيض هذا ما جاء على لسان السيد لافروف على صيغة سؤاله:
من يقرّر في الملف السوري الخارجية الاميركية او البنتاغون تبيّن ذلك في ما بعد وبالدليل القاطع ومن خلال العدوان الأميركي السافر على الجيش العربي السوري في جبل الثردة بدير الزور تمهيداً او تسهيلاً لدخول داعش واحتلال المنطقة دون ايّ حساب وبدواع إنسانية كما يدّعون أنهم يجعلون المدنيين المحاصرين في دير الزور رهائن وتحت جحيم وسكاكين الدواعش.
وفي ذات السياق فقد تولّدت القناعة المطلقة ومن خلال الوقائع الميدانية لدى الروس أنّ الحسم العسكري في شرقي مدينة حلب بكلّ الاحوال أقلّ كلفة من الانتظار على أبواب حلب لاستنباط حلول سياسية ودبلوماسية لا يوجد فيها شريك إقليمي او دولي، وهذا بالتأكيد انْ لم يحصل سيعطي فرصة لهذه العصابات التكفيرية في تعزيز قدراتها بالعدد والعديد ويمكّنها من استعادة قوتها كجبهة النصرة ونور الدين الزنكي. وبذات الوقت الذي وافقت فيه الادارة الأميركية على الهدنة كانت توقع عقود شراء السلاح لهذه العصابات الإرهابية التكفيرية في رومانيا وبلغاريا واوكرانيا.
من جانبها، أكدت الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أنّ مشاركة موسكو في المفاوضات مع واشنطن من أجل تسوية الأزمة السورية، كانت «محاولة صادقة لإيجاد حلّ سلمي»، وتابعت: «لم تكن لعبة أو مسابقة في القوة والحكمة».
بدوره، أكد مندوب روسيا الدائم لدى الاتحاد الأوروبي فلاديمير تشيغوف أنّ جوهر الخلافات بين موسكو وواشنطن حول سورية يكمن في إخفاق واشنطن في فصل المعارضة المعتدلة عن جبهة فتح الشام النصرة سابقاً ، وأوضح أنّ الجزء الشرقي من مدينة حلب خاضع لسيطرة «النصرة» وتنظيمات مرتبطة بها، وكشف أنّ الأميركيين قالوا للروس: إنّ «بعض تلك التنظيمات قد تكون جزءاً من المعارضة المعتدلة، وإنّ هذه المجموعات المعارضة يجب أن تقرّر بنفسها انتماءاتها»، ووصف هذا الموقف بـ«غير الجادّ وغير المناسب البتة نظراً للأوضاع الحالية في حلب».
ومع تعليق الاتفاق الروسي الأميركي وتصاعد التهديدات الأميركية بتنفيذ «الخطة ب» بدأت روسيا زيادة حشدها العسكري في سورية، والتلويح بالخطة الخاصة بها والمضادّة للخطة الأميركية، وقد جاء ضمّ السفينتين «سيربوخوف» و«زيليوني دول» الروسيتين الصاروخيتين المزوّدتين بصواريخ «كاليبر» المجنّحة إلى تشكيلة المجموعة الدائمة للسفن الحربية الروسية في البحر المتوسط على أساس دائم، ضمن سياق تصاعد التوتر الروسي الأميركي.
روسيا بوتين لن تقف مكتوفة اليدين، وخاصة فور علمها بما يحاك ضدّ حليفها في مكافحة الإرهاب، الجيش السوري، فقامت بإرسال منظومات صواريخ محدثة جداً «أس 300» وبشكل مفاجئ إلى قاعدة حميميم، بالإضافة لسفن الإنزال الروسية وحاملة طائرات وسبعة فرقاطات حربية الى السواحل السورية، الى جانب طائرات حديثة من طراز «سوخوي 24» و»سوخوي 34» وآلاف الجنود، وما إنشاء قاعدة بحرية دائمة في طرطوس إلا عامل استقرار جيو سياسي في المنطقة.
واختصرت «البرافدا» المواجهة بنشر تحذير روسي شديد اللهجة لواشنطن على لسان الناطقة باسم الخارجية الروسية من أنّ الإقدام على خطوة كهذه سيتسبّب بتداعيات مزلزلة على المنطقة بأسرها.
لعلّ ما قاله السيد حسن نصر الله سنكون أين يجب أن نكون عبارة عن قرار سياسي جاء ليؤكد الرؤى المتبصّرة والقراءة الموضوعية والواقعية والاستراتيجية للسيد، ويعطى بالبرهان القاطع أنّ الانتصارات التاريخية تتحقق بقوة المقاومين وصلابتهم وصبرهم الاستراتيجي.
ونقلت وكالة أنباء فارس الإيرانية عن الجنرال سليماني قوله إنّ ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أبلغ مسؤولاً سورياً خلال زيارة قام بها إلى موسكو أنّ تنظيم داعش ليس مشكلة لأنه سوف ينتهي، ولكن إذا ابتعدت سورية عن إيران، فإنّ كلّ شيء سينتهي»!
وأضاف سليماني «أنّ العاهل السعودي السابق، الملك عبدالله بن عبدالعزيز، كان قد أبلغ الرئيس الأسد أنّ لبنان لك مقابل فك الارتباط عن إيران».
سورية قلب الشرق والعالم، إذا جاز لهم وكما يحلمون ويخططون لتفتيتها وتجزئتها سينفرط عقد الشرق الأوسط. بالكامل هذه هي خطة الفوضى الخلاقة منذ العام 2011. المسألة ليست فقط تغيير الحكم الشرعي في سورية، ولا غزو أفغانستان كانت «طالبان» سببه، ولا صدام حسين كان سبباً في غزو العراق. وأكذوبة الكيماوي. الهدف هو أساساً إعادة تشكيل الشرق الأوسط والجائزة الكبرى سورية. المعركة ليست مع هذه العصابات الإرهابية الوهابية بل مع جيوش الاحتلال الكبرى الغرب الأطلسي في مقدمتها الإدارة الأميركية
لن يكون هناك حلّ سياسي الا بالحسم العسكري طالما أنّ هناك رغبة اميركية في التستّر على ما هو إرهابي وتسميته بمعارضة معتدلة!
بمقاربة بسيطة نجد أنّ هناك توافقاً لذات أهداف أميركا المتمثلة في تدمير محور المقاومة إيران وسورية والعراق والمقاومة اللبنانية وبين أهداف بني سعود، وكلها تصبّ في محصلة واحدة خدمة للعدو الصهيوني لتحويل شعوب المنطقة أجراء في مملكة يهودا الكبرى.
في مقابلة للسيد الرئيس الدكتور بشار الأسد مع بي بي سي في سؤال عن الإدارات الاميركية قال: منذ الحرب العالمية الثانية شاركت في تأجيج الصراعات في جميع أنحاء العالم. وأصبحت أكثر هوساً بإشعال الحرائق. الفرق الآن بين تلك الإدارات يتعلق بالوسائل، وليس بالأهداف. إدارة تُرسل جنودها، كإدارة بوش، وأخرى تستخدم المرتزقة بدلاً من جنودها، وثالثة تستخدم العملاء، وهلمَّ جرا، لكن الجوهر هو نفسه، ولم يتغيّر شيء…
عضو مجلس الشعب السوري