دلالات ومعاني معركة الموصل
حميدي العبدالله
مهما بلغ مستوى التواطؤ الأميركي وتواطؤ بعض حكومات المنطقة، إلا أنّ الأمر الأكيد أنّ الولايات المتحدة كانت بحاجة إلى تحقيق انتصار تعزز فيه حملة كلينتون الانتخابية قبل أيام قليلة على موعد إجراء الانتخابات الأميركية. الحاجة إلى هذا الانتصار دفع الولايات المتحدة لمساندة الحكومة العراقية في تذليل العقبات والعقد التي كانت تعترض انطلاق معركة تحرير الموصل من داعش، سواء كانت هذه العقد ممثلة بالإصرار التركي على المشاركة، أو كانت من قبل قيادة إقليم كردستان التي كانت تصرّ على ضمّ مناطق في محافظة نينوى إلى إقليم كردستان، أو الاعتراض الأميركي والتركي والسعودي على مشاركة قوات من الحشد الشعبي في عملية تحرير الموصل.
كانت الولايات المتحدة حريصة على عدم إغضاب حلفائها ولذلك لم تكن جادّة في السابق بتوفير المطلوب منها لتسهيل بدء معركة تحرير الموصل، لكن الحاجة الماسة لدعم حملة كلينتون الانتخابية أرغمتها على قبول ما كانت تصرّ عليه الحكومة العراقية، وهكذا انطلقت عملية تحرير الموصل وحشد أكثر من 60 ألف عسكري لأجل هذه الغاية.
وبمعزل عن الوقت الذي سوف تستغرقه العملية، إلا أنها تشكل أقوى وأشدّ ضربة لتنظيم داعش، لما تمثله الموصل من رمز، لا سيما أنها المدينة الوحيدة التي تجرأ البغدادي على الظهور بأحد مساجدها علناً وللمرة الأولى في تاريخ هذا التنظيم الإرهابي.
لا شك أنّ جزءاً من قوات هذا التنظيم التي انسحبت من تكريت والرمادي والفلوجة قد تجمّعت في الموصل وفي محافظة نينوى. وبات الجزء الأكبر من قوات داعش في العراق يتواجد في مدينة الموصل، وبالتالي فإنّ سحق هذه القوة يشكل ضربة قاصمة ستترك تداعيات بعيدة المدى على قوة وقدرات هذا التنظيم الإرهابي.
معركة الموصل تختلف عن غيرها من المعارك التي خسرها داعش، سواء في العراق مثل معارك تكريت والرمادي والفلوجة، أو في سورية مثل معركة تدمر، أو معارك شمال حلب التي كانت أقرب إلى التسليم والتسلّم بين داعش والقوات التركية. وفي ضوء كلّ ذلك يمكن القول إنّ ما بعد تحرير الموصل سيبدأ تاريخ جديد يشير إلى أفول نجم داعش، وتراجع أهميته في الحسابات الإقليمية والدولية.