بري موقف وليس عتباً
ناصر قنديل
– يخطئ مَن يتعامل مع كلام وموقف الرئيس نبيه بري من ترشيح العماد ميشال عون كمجرد عتب على الجنرال وفريقه أو على الحريري وفريقه في تخطي الشكليات في الوقوف على خاطره. كما يخطئ من يظنّ الأمر متصلاً بمحاصصة يريدها بري وظنّ الآخرون القدرة على تخطيها فضرب بيده على الطاولة، كما يخطئ الذين يبرّرون التفاهم مع رئيس تيار المستقبل الذي يصفونه بزعيم سلطة المال والتبعية التي يحمّلونها مسؤولية خراب البلد، ثم يهجمون على الرئيس بري باعتباره الهدف المناسب لفش الخلق بالنظام، وتبرير خيار يساري بعين واحدة، أو حرب على الفساد بلسان طويل. فما تعيشه البلاد اليوم هو بالتحديد المؤتمر التأسيسي، وتجب مقاربته من هذه الزاوية.
– للعماد عون وتياره الحق في الاحتجاج على تطبيق أعرج لنصوص اتفاق الطائف، لجهة توزّع التمثيل المسيحي بين الطوائف الإسلامية، وصولاً إلى تقاسم المناصب الأولى في الدولة التي تعود نظرياً للمسيحيين، بين القوى الإسلامية، وهذا يطال النواب وكبار الموظفين، وصولاً لرئاسة الجمهورية، لكن فرضية الزعيم المسيحي في الرئاسة مشفوعة باستعادة ربط المناصب المسيحية في الدولة بالقوى التي تمثل المسيحيين، أمر لا صلة له بالتحالف الذي يربط التيار الوطني الحر بحزب الله، والموقف من الحرب في سورية والتمسك بالمقاومة وسلاحها، فهو شأن تأسيسي للدولة وعقدها السياسي والاجتماعي، لا يمكن تمريره من باب الحديث عن إنجاز الاستحقاق الرئاسي، في لحظة اضطر فيها ممثل الإسلام السياسي الأبرز في النظام الطائفي الذي ولد من اتفاق الطائف، وفي لحظة انكشاف إقليمية، وضعف محلي وتشتّت بنيته، إلى الخضوع لمعادلة فرضها حزب الله بممانعته تسهيل أيّ مقاربة للاستحقاق الرئاسي، لا يكون عنوانها العماد عون، فتصير مدخلاً لتفاهم مع الحريري على مفهوم للنيابة والوزارة والوظيفة والرئاسة يصير فيه قائد الجيش وحاكم مصرف لبنان ومدير المخابرات حصة يختارها تفاهم الطرفين المسيحيين الأكبر اللذين تمثلهما ثنائية التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية في هذه المرحلة، بعدما صار سقف مطلب الحريري أن يكون مرجع تسمية الوزراء والنواب وكبار الموظفين من طائفته، فهذا هو الشأن الجوهري الذي تجب مناقشته.
– وصول العماد عون لرئاسة الجمهورية مدخل لقانون النسبية في الانتخابات النيابية، أم لقانون يحصر اختيار النواب بحزبي القوات والتيار الوطني الحر حتى لو كان قانون الستين تحت شعار لمرة واحدة، ومدخل لإعادة الاعتبار لتشكيل الحكومات على خلفية مفهوم حكومة الوحدة التي تمثل الأقليات ولا تحتكرها الأكثريات، أم لتكريس أحادية هنا وثنائية هناك، ومدخل للتعيينات بما يدفعنا على طريق رسمه الطائف باعتبار الاستثناء الذي يحكم وظائف الفئة الأولى بمراعاتها للتوزيع الطائفي، مؤقتاً ومشروطاً بالمجيء بمن يتشارك الجميع في اختياره ليكون ولاؤه للدولة، أم ليكون ولاؤه لزعيم طائفته أو زعمائها، مع تصحيح جزئي هنا، هو أنّ المناصب المسيحية التي كان يتدخل المسلمون لتسميتها صارت حصصاً مسيحية خالصة، مثلما كانت المناصب المسلمة خلال التطبيق الأعرج للطائف؟
– إشكاليات يطرحها وصول العماد عون للرئاسة تجعل مناقشتها تبدو كاعتراض على هذا الوصول، بينما هي الضرورة والمعبر لهذا الوصول. فالخطاب العوني المشترك مع القوات هو غير الخطاب العوني المشترك مع حزب الله، والقوات والحزب لا شيء يجمعهما، ولا شراكة بين مفردات خطابيهما. فاختلاط الوطني بالمسيحي في الخطاب العوني يوجد هذه المساحة، لكنه ينتج الإشكالية الأولى، إشكالية إعادة التنظيم الطائفي للدولة، أم السير بالدولة نحو أن تكون دولة، ولا يمكن النظر للظرف الخاص للحريري الذي حفز التفاهم مع العماد عون، من جهة، ومحاولة الحريري الحصول بأيّ ثمن على حصرية الإمساك بتمثيل طائفته، في ظلّ ضعفه المزدوج الإقليمي والمحلي، ليصير قبوله نهاية المطاف في حسم الصيغة الجديدة للدولة، أو الفهم الجديد للطائف، تحت شعار يردّده بعض قادة التيار الوطني الحر عن تعويض بمفعول رجعي طائفياً للتطبيق الأعرج للطائف خلال ربع قرن. أما الإشكالية الثانية فهي الافتراض بأنّ التسليم بإغلاق المناصب المسيحية في الدولة على حزبين مسيحيين يمثلان الأغلبية، وتعقيم الساحة المسيحية عملياً من أيّ قوى خارجهما، وتهديد القوى ذات اللون الطائفي الآخر وخصوصاً في الجبل وبصورة أخصّ ما يمثله النائب وليد جنبلاط بثنائية التيار والقوات التي ارتضى الحريري دعمها، بغلبة عددية قامت الانتفاضة العونية ضدّها كمبدأ في دعوتها لتصحيح التمثيل، الذي يفترض أن يقوم على قاعدة وطنية، وفقاً لقانون عصري وقادر على ضمان أوسع تمثيل صحيح للبنانيين. وهذا معنى اللقاء مع التيار تحت سقف قانون التمثيل النسبي، وتكون من نتائجه الطبيعية ضمناً تصحيح التمثيل المسيحي، بينما السير بالحساب المسيحي الحزبي الثنائي، كتعبير نتائج المواقف من المعركة الرئاسية للعماد عون، فتصير القوات أقرب من المردة للتيار بقوة هذا الحساب، وأقرب من القوميين، ويحول العلاقة مع حزب الله إلى مجرد عصا تستعمل عند الضرورة لجلب حلفاء المقاومة للتصويت.
– الإشكالية هنا أننا نتحدث خارج السياسة والبرامج، والمواقف من القضايا الكبرى، فيصير الحساب تكتيكياً باعتبار الدولة ومناصبها أثماناً تسدّد لمن سار بالخيار الرئاسي ويعاقب بحجبها من كان له موقف آخر، ويصير قانون الانتخاب الذي لا يحتاج نصاب الرئاسة لإقراره ممكناً بتخطي مواقف أطراف كثيرة في مجلس النواب، بما يضمن حصرية التمثيل الطائفي بأحادية حريرية وثنائية عونية قواتية، والإشكالية الأكبر أنّ تمرير الاستحقاق الرئاسي لا يمكن أن يصير عملية تهريب سياسية بقوة ضغط الوقت، والحديث عن كونه استحقاقاً دستورياً، والكلّ يعلم أنه استحقاق تحمّل حزب الله مسؤولية اتهامه بتعطيله ولم يرفّ له جفن التزاماً منه بوصول العماد عون للرئاسة.
– القليل من الماء البارد على الرؤوس الحامية ضروري، لتهدأ الناس وتتحدّث في السياسة. فالحديث يدور عن تفاهمات كتل كبرى في المجلس النيابي، مطالبة بالتفاهم على عقد سياسي اجتماعي، لا يمرّر بلا نقاش ولا تفاهم تحت شعار بعد أن يتولى المعنيون مسؤولياتهم الدستورية يبدأ البحث بها. فالعماد عون مرشح كتلة وزعيمها في آن، وهكذا هو الحريري، وبصفتهما زعيمي الكتلتين الأكبر مطالبين بإنجاز تفاهم وطني مع الآخرين يقنعهم بتسمية مرشحي الكتلتين وهما شخصاهما في آن واحد لمنصبي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة.
– حزب الله تحمّل اتهامه بتعطيل رئاسة الجمهورية لسنتين ونصف السنة قناعة منه بأحقية وصول العماد عون وثقته به. دور العماد عون الآن أن يقول لحزب الله أنا مستعدّ لتحمّل مسؤولية تأجيل الانتخاب حتى يتمّ التفاهم مع الرئيس نبيه بري، لقناعتي بأحقية ما يطلب وثقتي به.