هل ينتظر حزب الله؟
روزانا رمّال
أخذ حزب الله على عاتقه منذ ما بعد عام 2005 مسألة تحمّل تبعات ملف اغتيال الحريري ورسم سياسة حذرة تحيط بعناصره وأعضائه ونوابه لجهة التنبّه لكلّ ما من شأنه أن يؤخذ اشارة أو نقطة تحديث يرتكز عليها خصومه الذين اتهموه وسورية بقتل الحريري لمرحلة لا تزال تداعياتها ترافقه حتى الساعة.
لا ينسى اللبنانيون عموماً وأبناء الطائفة الشيعية، خصوصاً لحظة ولادة فجر التفاهم الأساسي الذي جاء بعد خروج الجيش السوري من لبنان عام 2005. ولا ينسى ابناء الطائفة الارتياح الكبير الذي أرخته، أن يُقرن التفاهم بزيارة للمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية السيد علي خامنئي الذي كان يُعتبر في أذهان بعض الحركيين خصماً كمرجع ديني يختلف عن المراجع الذين اعتادوا على اتباعها بالممارسة الدينية وبالمدرسة السياسية، كبعض المراجع في العراق. وهنا تأكد اللبنانيون ان تلك المرحلة بذيولها المرجعية والسياسية ذهبت، وتأكدوا ايضاً ذلك عشية اغتيال الحريري في شباط 2005 من السنة نفسها فأيقنت الطائفة الشيعية بأن الأمر دقيق وحساس وتأكدت أن ما استدعى هذه الوحدة أكبر من مسألة لملمة ذيول الماضي بين الفصيلين.
قرأت الجمهورية الأسلامية الإيرانية باغتيال الزعيم السني الكبير قلقاً بمكان جعل موقع الطائفة الشيعية في لبنان مهدداً بالاستنزاف، فأدركت ضرورة مباركة ومساندة هذه المصالحة التاريخية من عمر القوتين الشيعيتين الأكبر. نجح التفاهم بشكل باهر سياسياً واجتماعياً وانتخابياً عام 2009 وبدا حزب الله وحركة أمل روحاً واحدة وموقفاً واحداً وكلمة أيضاً لسنوات الاصطفاف الدولي والإقليمي بوجه حزب الله.
أخذ حزب الله على عاتقه تحمّل مسؤولية ضبط كل الثغرات القادرة على تكريس انتباهه إلى مخاطر داخل طائفته، خصوصاً ما يتعلق بالتاريخ الدموي بينه وبين حركة امل، حيث المحطات الكثيرة التي تألم فيها الطرفان والتي تكفلت بتأجيج المواقف سياسياً واجتماعياً بشكل جعل أهمية التخلص من الذاكرة الأليمة اساساً لبناء موقف سياسي موحّد للطائفة التي تتعرّض للتحدّي تلو الآخر، فكانت مسؤوليته مضاعفة في غض النظر عن بعض التجاوزات والمسايرة في اماكن اخرى وبات استمرار التفاهم أهم وأكبر من مسألة الوصول إلى النجاح فقط.
ليس بوارد حزب الله العودة إلى الوراء اليوم، بأي شكل من الأشكال في ما يخص العلاقة بحليفيه الأساسيين حركة أمل والتيار الوطني الحر، وليس بوارده ايضاً الخضوع لاي نوع من أنواع الابتزاز الذي يضعه في خانة المعطل لمجرد انه غير قادر على التأثير على مواقف حركة امل» بـ «المونة» التي يطلبها منه الأفرقاء من حلفاء وخصوم. لكن الأهم أن الحزب يعرف ما لا يعرفه كثر أن المصالحة مع حركة أمل لا تتوقف على مسألة رئيس أو تسمية رئيس للجمهورية وأن اي تعريض للعلاقة للخطر غير وارد بحسابات وقرارات قيادة الحزب وكوادره فهذا التفاهم استراتيجي لمصلحة لبنان والطائفة والصراع السني الشيعي في المنطقة. فهو أسس بالوحدة السياسية قدرة على تمرير رسائل للخصوم للتقدم والتحاور مع الطائفة الشيعية في نوع من تنسيق الأدوار تكفلت فيه حركة أمل سياسياً، وأنتج تقارباً مع تيار المستقبل وعلاقة جيدة لفترات طويلة، فانكسر الجليد الذي أسست له عملية اغتيال رفيق الحريري بين السنة والشيعة عبر حركة أمل وما تمثله شيعياً.
يشتد الخلاف اليوم بين حركة أمل والتيار الوطني الحر بمعركة الرئاسة اللبنانية حيث لا رغبة لبري بالتصويت لعون في أي جلسة مقبلة، من دون التفاهم حول مطالب محددة كان قد كرّرها بري للمعنيين بمبادرة الحريري أكثر من مرة، فيقع حزب الله أسير حليفين استراتيجيين، ليبقى السؤال من سيساند حزب الله. وهو صاحب ترشيح العماد ميشال عون للرئاسة. وهو الذي تمسّك فيه أكثر من سنتين واتهم أشد الاتهامات لأجل هذا الطرح ويخذل حليف الطائفة الاستراتيجي؟
مصدر مطلع على أجواء حزب الله يقول لـ «البناء» «لا يجب على أحد أن يُخيَّل اليه هذه المعادلة أصلاً، فالرئيس بري بالنسبة لحزب الله حيثية ومكانة ومهابة كبيرة وهو صاحب قرار وموقف تماماً، كما هو العماد ميشال عون بالنسبة اليه كقيمة مسيحية وازنة، لكن حزب الله ليس بوارد التخلي عن الرئيس بري أو تركه في معركة مصيرية قد تؤدي إلى وضع البلد بمأزق أكبر من المأزق الرئاسي فيتحول إشكالاً اجتماعياً خطيراً ضمن الطائفة. فالرئيس بري بالنسبة لحزب الله «خط أحمر» بمكان ما. فهو الحليف الذي يجابه «إسرائيل» معه في السر وفي العلن، في السياسة هو الذي يحمي ويشد أزر حزب الله بالداخل والخارج، وبالمعيشة هو الحليف الذي يشاركه الهم الاجتماعي ويتقاسم معه منبت المقاومة وأبناءها، ويتداخل مع عائلاتها ضمن البيت الواحد.
ويختم المصدر «أعتقد أن الذي انتظر ملف الرئاسة لسنتين ونصف من اجل إرضاء العماد عون ووصوله إلى الرئاسة لن يتوانى عن تأجيل موعد حسم الرئاسة لشهر أو شهرين لحل الأزمة من إجل إرضاء حليف بحجم بري».