تبني ترشيح عون رسمياً… والتحوّل في ميزان القوى الإقليمي الدولي والمحلي
حسن حردان
كل من استمع الى كلمة رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري، وهو يعلن رسمياً تبني ترشيح العماد ميشال عون لمنصب رئاسة الجمهورية اللبنانية، يلحظ بوضوح أنه قد استبق اعلان الترشيح بمطالعة مطوّلة لتبرير إقدامه على هذا القرار، والقول إنه كان بمثابة الخيار الأخير الذي لا بدّ منه لإنقاذ لبنان من مخاطر الاستمرار في حالة الفراغ.
لكن ما لم يقله الحريري ويعترف به هو أنّ قراره إنما جاء نتيجة التحوّل في موازين القوى الإقليمية والدولية والمحلية في غير مصلحة تيار المستقبل، وأنّ الاستمرار في سياسة المراهنة على تبدّل هذه الموازين، على نحو يمكّن المستقبل وحلفاؤه في قوى 14 آذار من فرض مرشحهم للرئاسة، لن يجدي نفعاً، ولن تقود إلاً إلى المزيد من التراجع والخسارة، وبالتالي فإنّ ما يمكن الحصول عليه اليوم مقابل التسليم بانتخاب عون رئيساً، لن يكون ممكناً في القادم من الأيام، والأفضل الذهاب اليوم الى عقد تسوية والقبول بهذا الثمن الكبير المتمثل بترشيح عون الحليف الأساسي لحزب الله الذي دعم ترشيحه منذ اليوم الأول ولم يتخلّ عنه حتى عندما رشح النائب الحريري الوزير سليمان فرنجية بصورة غير رسمية.
لكن الحريري ما كان ليقدم على اتخاذ مثل القرار، الذي سرعان ما عارضه بعض نواب كتلة المستقبل أبرزهم الرئيس فؤاد السنيوة، ونائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري، والنائب أحمد فتفت، لولا العوامل التالية:
العامل الأول: تنامي مأزق الحريري السياسي والمالي، فمن المعروف أنّ الحريري بات يعاني من أزمة مالية كبيرة بلغت حدّ عجزه عن دفع رواتب الموظفين في مؤسساته والاضطرار الى تسريح وصرف آلاف الموظفين من هذه المؤسسات.
كما أصبح من الواضح أنّ الحريري يعاني من فشل مشروعه السياسي بعد خسارة رهانه على سقوط الدولة الوطنية السورية، وحالة الإحباط واليأس التي يعيش فيها نتيجة عدم قدرته على تحقيق أمنيته بالعودة الى لبنان إلا بعد سقوط الرئيس بشار الأسد، وهو أمر راهنت عليه الولايات المتحدة والدول الغربية وتركيا والسعودية وقطر ووضعت له مواعيد متعددة. من دون أن تحقق مرادها. وبالتالي أخفق رهان الحريري على تبدّل موازين القوى في المنطقة لمصلحة أميركا والسعودية للاستقواء بها في الداخل اللبناني لترجيح خياراته السياسية والاقتصادية والاجتماعية بما يمكنه من العودة الى فرض هيمنة تيار المستقبل وقوى 14 آذار على كلّ مفاصل السلطة، واستئناف هحومهم على المقاومة والمطالبة بنزع سلاحها.
العامل الثاني: وجود قرار أميركي غربي سعودي بإعطاء الضوء الأخضر للحريري للسير في عملية ترشيح العماد عون، انطلاقاً من حساب أنّ التطورات الحاصلة في المنطقة، من سورية الى العراق الى اليمن وأخيراً مصر، لم تعد في مصلحة واشنطن والرياض، وأنّ ما يمكن الحصول عليه اليوم في إطار تسوية تأتي بالعماد عون الى سدة الرئاسة لن يكون متاحاً في الأشهر المقبلة، وبالتالي فإنّ الحفاظ على النفوذ الأميركي السعودي في السلطة في لبنان يقتضي دفع مثل هذا الثمن السياسي، خصوصاً أنه لا يوجد بديل اليوم عن الحريري وتياره يمكن أن تعتمد عليه كلّ من واشنطن والرياض لضمان استمرار نفوذهما في لبنان، ولهذا فإنّ الإسراع في عودته الى رئاسة الحكومة عبر هذه التسوية يسهم في ترميم وضعه المتداعي سياسياً وشعبياً ومالياً، ويحول دون انهيار تيار المستقبل الذي يشهد منذ فترة انقسامات وتشظياً وتراجعاً ملحوظاً في شعبيته على خلفية تفاقم أزماته المذكورة.
والمؤشر القوي على هذا الموقف الأميركي السعودي الداعم لقرار الحريري موقف النائب وليد جنبلاط الذي أعلن، حتى من قبل أن يعلن الحريري ترشيح عون رسيماً، أنه سيصوّت لصالح عون، ما يعني أنه كان على معرفة بالأجواء الدولية والإقليمية.
إذا كانت هذه هي العوامل الأساسية التي تقف وراء اضطرار الحريري، ومن ورائه واشنطن والرياض والعواصم الغربية، الى الإعلان رسمياً عن ترشيح عون، فإنّ مثل هذا القرار إنما يشكل مكسباً يصبّ في صالح الخط الوطني المقاوم، وخسارة واضحة لا لبس فيها للمشروع الأميركي الغربي السعودي الذي طالما كان يضع «فيتو» على عون ويعارض بشدة وصوله الى سدة الرئاسة، لكونه ينتهج خطاً استقلالياً ويؤيد المقاومة ويرفض وضع لبنان في حالة عداء مع سورية، ويتبنّى نهجاً إصلاحياً، وهو ما يتعارض بقوة مع التوجهات والسياسات الأميركية السعودية في لبنان والمنطقة.
ولا شك أيضاً أنّ التسليم بترشيح عون وانتخابه رئيساً يشكل تطوّراً وتحوّلاً مهمّاً في الحياة السياسية اللبنانية، يأتي بعد صراع شرس، دام أكثر من عقد ونيّف، على خيار لبنان المقاوم، ومحاولات ضرب هذا الخيار واستئصاله وتحويل لبنان الى بلد تابع وخاضع بالكامل للوصاية الأميركية السعودية، والتي بدأت باغتيال الرئيس الحريري وبلغت ذروتها في شنّ الحرب العدوانية الصهيونية الأميركية على لبنان عام 2006، وكان من نتيجتها انتصار المقاومة وإلحاق هزيمة مدوية بجيش العدو الصيهوني وسقوط أهداف العدوان، وبالتالي الفشل في فرض مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي بشرت به كوندوليسا رايس، واليوم يتوّج هذا الفشل الأميركي السعودي الصهيوني في سورية كما في العراق واليمن.