تُرى أيّ شرق أوسط جديد بعد التاسع من تشرين الثاني؟
بلال شرارة
أنا وأنا انفصلنا. هو أنا ، لا زال على موعده معكم يذهب إلى حيثكم ، ولم يتعلّم من كيسه. لا زال يتطلع أمامه ويرى ابتساماتكم العريضة ويعتقد أنه يميّز الأشياء، ولا زال للأسف يُصغِي ويتحدّث. أما أنا الآخر، فأتحسّس الأشياء باللمس حيث إنني لا أرى بشكل جيد. وكذلك أنا لم أغلق الهاتف حتى لا أسمع، بل أغلقت مسامعي و… أقفلتُ فمي
ربما تأخّرت قليلاً…
الاعتراف المتأخر أعلاه يأتي، لأنني ربما لا أريد أن أفهم أو لأنني أعرف أكثر من اللازم وأتعذّب بفعل ذلك، خصوصاً أنني أرى أناساً تصدّق وتصفق أو أنها و أمرها الى الله ليس لها إلا أن تصدّق.
في السياق نفسه، فإننا نحن الشعوب العربية، لم نعرف الحقائق المتصلة بسقوط الموصل، فقط نعرف أنّ داعش اجتاحت المكان في ليلة ليس بها أو ربما بها ضوء قمر . أما اليوم فالمدفعية الأميركية تمهّد الطريق بالنار أمام عملية القوات العراقية لتحرير الموصل، وتشارك فرنسا ببعض القذائف في هذه الحرب. ويقدّم التحالف الجوي غطاء جوياً للعمليات ولا ندري مدى مشاركة الحشد الشعبي في هذه المعركة ولا دور البشمركة ولا الدور التركي الملتبس. ونحن كنّا سمعنا أن القوات التركية قد حدّدت يوم 19/11 للبدء بعملية استعادة الموصل التي ستكون رأس حربتها القوات التركية المقيمة في العراق والميليشيات الموالية.
في سياق هذه الحرب سمعنا في ما سمعنا أنّ الأميركيين فتحوا ممرات آمنة لترحيل عائلات الدواعش إلى سورية.
على الصعيد اليمني، وعلى خلفية دعوة المبعوث الأممي لوقف إطلاق النار، فإنّ وزيري الخارجية الأميركي جون كيري والبريطاني لوريس جوناسون دعوا الى وقف الحرب في اليمن دون شروط وسلوك خارطة طريق للوصول الى حال سياسي.
وفي سورية، تقول المعلومات إنّ غرفاً للعمليات ستعود لتطلق حرب الجنوب، وإنّ تركيا أعادت بناء قواعد حركة أنصارها لإطلاق هجوم مضادّ في أرياف حلب انطلاقاً من انسحاب مسلّحي داعش من الريف الشمالي دون حرب، وأنّ هناك تواطؤاً مع القاعدة لإقامة إمارة إسلامية في إدلب وأنّ ما تقوم به دول حلف الناتو هو تحويل الانتباه نحو حلب لشنّ حرب مفاجئة على محور إدلب وكذلك على محور جنوب سورية درعا باتجاه الجولان. ووسط ذلك تنتبه بريطانيا العظمى إلى أنّ الحرب المقبلة باتت في المغرب العربي وهي ترسل الخبراء الى تونس للمساهمة في مسرح الحرب الليبية وجوارها فيما تطلق فرنسا أحد الخاسرين الكبار سيلاً من الشتائم وهي تبحث عن دور شرق أوسطي.
أنا لم يعُد في أفقي متّسع لأرى المزيد في هذه السماء المزدحمة بالطائرات، ولم أعد أريد أن أرى الواقع الراهن الذي هو من نتائج عملية غسل الأيدي بعد مرور 100 عام على سايكس ـ بيكو وأن أرى ترسيم خريطة الشرق الأوسط الجديد تمهيداً لوضعها على طاولة الرئيس أو الرئيسة الأميركية الجديدة أو إعداد المسارح للعمليات المقبلة.
أنا أحمد الله الذي لا يُحمد على مكروه سواه، إذا كانت مجزرة بيت العزاء في صنعاء قد مهّدت الطريق لوقف حرب اليمن كما مهّدت مجزرة قانا الأولى الطريق أمام التوصل إلى تفاهم نيسان عام 1996 ، وإذا ما كانت متطلّبات الانتخابات الأميركية تتطلّب نهاية المسأله السورية أو توقيع هدنة ما، وكذلك ترسيم الوقائع العراقية في ما بعد استعادة الموصل…
وأنا في السياق نفسه أرى وأسمع ما يجري عندنا وأنها خلصت ، طيّب:
ـ نصف وقف لإطلاق نار في اليمن ودعوة لـ اجتماع أيادي سبأ .
ـ نصف حلّ في العراق تحرير الموصل من راجح عفواً داعش دون القبض عليها.
ـ نصف حلّ في البحرين نقض حكم المحكمة بحق الشيخ علي سلمان بالسجن لسنوات تسع وإعادة القضية من جديد الى محكمة الاستئناف .
ـ نصف حلّ في سورية اختلاف دولي/ إقليمي/ سوري مستمر على صيغة الحلّ السياسي.
ـ نصف حلّ في لبنان ترشيح الحريري لميشال عون لرئاسة الجمهورية وفتح البلاد على حزورة سياسية بشأن رئاسة الحكومة/ الحكومة/ قانون الانتخاب/ القوانين المختلفة/ الدور الأمني للجيش إلى جانب الدفاع/ موقف الحكم من سلاح المقاومة والحرب في سورية/ وهكذا… .
رأيت أنا أنه من الأفضل لي أن لا أرى، أسمع أو أتفلسف أو حتى أحسّ.
أنا الآخر حرّ بأن يتفاعل وينفعل إزاء صور الحركة المقبلة في الشرق الأوسط، خصوصاً أنّ هذا السحر قد انسحب على لبنان.
تُرى أيّ بلاد ستكون عندنا وعندكم على مساحة الأوطان العربية، وأيّ أنماط للسلطة وأيّ شرق أوسط سيكون عليه في 9/11 بعد أن يصير عند الأميركيين رئيس جديد.