الرهان الأميركي على مرحلة ما بعد تحرير الموصل!
أسامة العرب
قالت ورقة بحثية إسرائيلية نشرتها صحيفة «يديعوت أحرونوت»: «إنّ العراق ينتظره في العام الحالي سيناريو تقسيمه إلى أربعة كيانات سياسية منفصلة: الأكراد في الشمال، والقبائل السنية في الغرب وتحديداً في الفلوجة والموصل، والشيعة في الشمال الشرقي خاصة في العاصمة بغداد، والشيعة القوميون العراقيون الموجودون في الجنوب الشرقي حيث النجف وكربلاء والبصرة، أما اليوم فقد بدأت المعركة على عاصمة داعش في العراق حيث مدينة الموصل، وهو ما يعني بأنّ داعش بات يخسر، لكن البشرى أن العراق بدأ ينهار».
والحقيقة أنّ أبرز من دعا إلى فكرة تقسيم العراق إلى كيانات ثلاثة كردية في الشمال وسنية في الوسط وشيعية في الجنوب، المفكر الاستراتيجي ووزير الخارجية الأسبق اليهودي هنري كيسنجر، ففي آذار 2006 قال «إنّ المصير الذي ينتظر العراق سيكون مشابهاً لمصير يوغوسلافيا السابقة». ولاحقاً دعا أيضاً السيناتور الديمقراطي جوزيف بايدن نائب الرئيس الحالي والرئيس الفخري لمجلس العلاقات الخارجية لزلي غيلب إلى تقسيم العراق إلى ثلاث مناطق تتمتع كلّ منها بالحكم الذاتي. وقد تبنّى مجلس الشيوخ الأميركي خطة بايدن/غيلب عام 2007 إلا أنّ إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش أخّرت تنفيذها. وفي فترة متقاربة أعلنت السيناتورة الجمهورية كيلي بايلي هوتغيسون عن أهمية تقسيم العراق، زاعمةً بأنه «المخرج الوحيد أمام القوات الأميركية من المستنقع العراقي»، مقللة من هواجس المتخوّفين منها قائلةً «بأنّ فكرة التقسيم مستوحاة من اتفاقات دايتون بشأن البوسنة التي أقرّت التقسيم بين المتخاصمين الصرب والكروات والبوسنيين وهي فكرة لا خوف منها، لأنها مجرّبة من قبل». وكان لكتابات السياسي وأستاذ القانون ألان توبول عن تقسيم العراق أيضاً وقع وتأثير مهمان، إذ وردت في الموقع الرسمي للجيش الأميركي كتابات له تقول «إنّ عدد دول العالم بعد الحرب العالمية الثانية كان 74 دولة وقد وصل تعدادها الآن إلى 193 بلداً فلا مانع في أن تزداد ثلاث دول إضافية إذا قسم العراق إلى ثلاثة بلدان»، كما شارك في فكرة تقسيم العراق أيضاً أكاديميون مشهورون منهم على سبيل المثال أستاذ القانون جون يو، والباحث في معهد أميركان إنتربرايز الذي قال «إنّ الأميركيين سوف يحققون أهدافهم في الشرق الأوسط إذا ما فرضنا على الدول الإقليمية بالمنطقة فكرة تقسيم العراق».
وعلى هذا الأساس نسج مركز سابان بمعهد بروكينغز للدراسات السياسية والاستراتيجية بواشنطن وجهة نظره في دراسة له بعنوان «كيفية التقسيم السهل للعراق» أعدّها الباحث جوزيف إدوارد مركزاً على سبل تذليل الصعوبات التي قد ترد على فكرة تقسيم العراق إلى ثلاثة كيانات ومقترحاً حلولاً عديدة لذلك. كما نشرت مجلة «تايمز» الأميركية مقالة للكاتب «مارك فايفلي»، الذي شغل منصب مستشار الأمن القومي في إدارة جورج بوش الابن، تحدّث فيه عن تقسيم العراق مشيراً إلى أنّ الإدارة الأميركية لا تريد «بناء بلد» أو «تغيير النظام»، بل «إعطاء الإذن للأجهزة الفعّالة للمباشرة بتنفيذ خطة تقسيم العراق»، مؤكداً بأنّ إيران ستحارب مثل هذه الخطة، إلا أنّ الرئيس الأميركي الجديد يجب عليه أن يواجه طهران لضمان مصلحة الولايات المتحدة في العراق، ولمواجهة الاتفاق النووي الإيراني حمايةً لأمن «إسرائيل». مضيفاً إذا أرادت الرئيسة كلينتون أو الرئيس ترامب تجنيب خلفهما عبئاً مماثلاً يجدر بهما تسريع «خطة تقسيم العراق»، وشُكر السيد بايدن على بُعدِ نظره.
ومن ثم أكّد جون برينان مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، بأنّ هناك محاولات لتقسيم العراق وسورية، معرباً عن عدم ثقته في إمكانية إنشاء حكومة مركزية في كلا البلدين تدير الأمور بشكل عادل. وأضاف برينان، أنّ «سورية والعراق شهدا إراقة الكثير من الدماء، فضلاً عن الكمّ الهائل من الدمار، والانقسام الطائفي، لذا فكلّ الاحتمالات تشير إلى اتجاه الأمور نحو تقسيم هذين البلدين». وختم قائلاً: «إنّ وجود داعش سيستمرّ فترة طويلة في المنطقة، وخطر عودة مقاتليه إلى بلدهم الأصلي لا يزال قائماً»، ملمّحاً بأنّ دور داعش الوظيفي لم ينته بعد. فيما قال دايفد بيترايوس المدير السابق لوكالة الاستخبارات الأميركية بأنه ما من شك بأنّ تنظيم داعش سيُهزم في مدينة الموصل فقط، لكن الرهان الأساس «هو على ما سيتبع ذلك».
إلا أنّ المفاجئ فعلاً أنّ مسرور بارزاني، رئيس المجلس الأمني لحكومة إقليم كردستان العراق وابن رئيس الإقليم مسعود بارزاني، صرّح بأنه «بمجرد إلحاق الهزيمة بتنظيم داعش يجب تقسيم العراق إلى ثلاثة كيانات منفصلة للشيعة والسنة والأكراد للحيلولة دون المزيد من إراقة الدماء». وقال بارزاني «إنّ عدم الثقة بين أبناء العراق وصل لمستوى لا يسمح ببقائهم تحت سقف واحد».
والمفاجئ أكثر، هو ما كشفه معهد «راند كوربوريشين الأميركي» للأبحاث عن وجود خطة أميركية لتقسيم سورية على قاعدة الأراضي المُسيطَر عليها حالياً، وتُسمّى بـ«خطة السلام الأميركي»، حيث تقول هذه الخطة: «بأنّ المنطقة الغربية من البلد تبقى مع الدولة السورية، بينما تخضع المناطق الشرقية والواقعة بالقرب من الحدود العراقية لسيطرة قوات دولية لحفظ السلام، تقودها أميركا وحلفاؤها»، مؤكدة بأنّ «الهدف الأساس من هذا المشروع هو قطع التواصل بين إيران ولبنان، وعزل حزب الله وإضعافه، وضمان أمن إسرائيل».
وهكذا نفهم المخطط الأميركي الذي بدأت تتضح معالمه في العراق وسورية ولبنان، لا سيما بعدما تعمّدت الإدارة الأميركية فتح ممرات آمنة للإرهابيين للفرار من العراق إلى سورية، في محاولة منها لفرض واقع ميداني جديد في المنطقة الشرقية السورية على اتجاه دير الزور والرقة وتدمر، على أن يمهّد ذلك مستقبلاً لتقسيم سورية. وما أدلّ على ذلك، سوى تصريح المدير العام لوزارة الاستخبارات «الإسرائيلية»، رام بن براك، بأنّ «تقسيم سورية هو الحلّ الوحيد الممكن، وأنه يجب أن تتحوّل سورية في نهاية المطاف إلى أقاليمٍ، تخضع لسيطرتنا»، وتصريح وزير الأمن «الإسرائيلي» موشيه يعالون بأنّ «سورية التي نعرفها يجب ألا تتّحد مجدّداً، حتى تبقى التيارات المختلفة فيها تقاتل بعضها بعضاً»، وتصريح رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، الجنرال هرتسل هليفي، الذي اعتبر في كلمة له أمام رؤساء المنظمات اليهودية الأميركية «أنّ الحلّ الأمثل لإسرائيل هو ألا يتمّ التوصل في سورية إلى اتفاق سلام شامل، وإنما خلق ما يسمّى سورية المفيدة، أو «سورية الصغيرة» التي تمتدّ غرباً من الساحل السوري على طوله، لتصل إلى حدود لبنان مع جنوب سورية، وتشمل القصيْر والزبداني، مروراً بدمشق وحمص المدينة وحماة المدينة من دون الأريافـ«.
كما يلمح هذا التحوّل في الآراء المذكورة آنفاً والذي يعكسه الواقع الميداني، إلى وجود نشاط أميركي -إسرائيلي، يمهّد للحصول مستقبلاً على تأييد دولي يقضي بالقبول بدويلتين سوريتين مقسّمتين ومتقاتلتين مذهبياً وإثنياً، ومستباحتين «إسرائيلياً»، لا سيما أنّ «إسرائيل» تنوي أسرلة الجولان المحتلّ، وما بعد بعد الجولان المحتلّ.
إلا أنه من المؤكد أنّ هذا المخطط الصهيوني سوف يفشل فشلاً ذريعاً، كما فشلت محاولات تقسيم سورية سابقاً إلى أربع دويلات صغيرة إبّان الاحتلال الفرنسي، وكما فشل الاحتلال الأميركي للعراق. لا سيما أنّ محور المقاومة صمد في كلّ من سورية والعراق ولبنان أمام أكبر هجمة امبريالية صهيونية رجعية، ولا يزال يواصل مسيرة الكفاح والمقاومة والتحرير، حتى تحقيق النصر المبين.
محام، نائب رئيس
الصندوق الوطني للمهجرين سابقاً