ما الذي يُطمئن نصرالله إلى وحدة الصف «الشيعي»؟
روزانا رمّال
لا يبدو أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله قلقاً من فكرة التباين بالموقف بين حركة أمل وحزب الله في الملف الرئاسي. ولا يبدو أيضاً أنه يحمّله أكثر مما يحتمل كاستحقاق، فلا يربطه بوحدة صف ولا بموقف او بخيار استراتيجي يحمّل حزب الله عبء الدخول في مواجهة مصيرية مع حركة امل لفرض واقع محدد على الارض او رسم صورة المشهد المقبل.
من بين ما يسهم في إرخاء جزء من هذه الطمأنينة على خيارات حزب الله الاستراتيجية هو أن المرشحين اللذين يخوض حزب الله وحركة امل المعركة الرئاسية بينهما هما رمزان أساسيان للتحالف الأكبر بالمنطقة الذي يضمّ تموضع الفريق الموالي لسورية وإيران إقليمياً وروسيا بالبعد الدولي، حيث الاصطفاف الذي بدا ان لبنان اتجه اليه بمجرد القدرة على طرح مثل هذه الأسماء. بمعنى آخر فإن حزب الله مطمئن لوصول ايّ من عون وفرنجية الى قصر بعبدا بالطرق التي يتيحها القانون فالموقف السياسي من الاحداث الاقليمية الكبرى وكل ما يتعلق باستراتيجية لبنان الدفاعية ومصير سلاح حزب الله وموقعه بالمعادلة لم تعُد ملفات مقلقة عنده فهو يأتمن المرشحين على سياسته ورؤيته الدفاعية، وقد انتزع منهما بقرارات مبدئية مشتركة ظهرت بعملهما السياسي أن «سلاح المقاومة» ضرورة للدفاع عن لبنان كما أن وجود حزب الله في المعركة السورية لن ينتهي ما لم تنته الحرب المفروضة عليها، حيث بدأت معالم الانتصار تتّضح، كما عبر نصرالله في خطابه المخصص لتأبين شهيد جبل لبنان القيادي «علاء».
يترك أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله للديمقراطية أن تأخذ مجراها في جلسة 31 تشرين الأول من الشهر الحالي المخصصة لانتخاب رئيس للجمهورية، حيث يتنافس فيها مرشح التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية وتيار المستقبل وحزب الله ميشال عون كأكبر الكتل مع المرشح سليمان فرنجية الذي تؤيده حركة أمل وبعض القوى الوطنية الحاضرة بين كتل وأفراد في مجلس النواب، ليبقى موقف النائب وليد جنبلاط والحزب التقدمي الاشتراكي غير واضح المعالم، لكنه موضوع حتى الساعة ضمن دائرة تأييد الرئيس بري وما يراه مناسباً على ما أشارت اليه الزيارة المسائية التي قام بها نجله الى اعضاء الحزب من نواب ووزراء لعين التينة للوقوف الى جانب الرئيس بري.
هذه هي اللعبة التي يتقبّلها حزب الله بشكل سلس وتفهّم كبير لما ستؤول إليه النتيجة بتأكيد نصرالله على ان حزب الله سيذهب الى جلسة الانتخاب «متفهّماً» موقف حركة امل والرئيس بري من مرشحه العماد عون من دون أن يعني ذلك أن خلافاً مقلقاً بين الحليفين. فالعلاقة بين حزب الله وحركة أمل أمتن مما يتخيّل المستغلون، حسب السيد نصرالله.
الكلام التطميني الذي بدا على لسان السيد نصرالله لقاعدتي حزب الله وحركة أمل وفرد مساحة من الحرية والديمقراطية على خيارات الصف الواحد كشف أولاً ما هو أبعد من مسألة اطمئنان مرحلي يعيشه السيد نصرالله، ليتضح أنه يتحدث عن نهاية مرحلة وبداية مرحلة أخرى تستدعي استنفاراً أقلّ لدى الطائفة الشيعية التي أغلقت الباب على مرحلة ذيول الهزة التي استهدفتها باغتيال رفيق الحريري الزعيم السني في البلاد. وهي مرحلة دخول الولايات المتحدة الى المنطقة ومعها الى لبنان وإخراج سورية التي كانت الضامن الأساسي للطائفة الشيعية الحاضنة للمقاومة.
ثانيا: إقليمياً، يدرك السيد نصرالله ان الموقع الموجود فيه حزب الله وحلفاؤه يختلف عن ذلك الذي كان بالسنوات الماضية، حيث ذروة الهجوم على إيران بملفها النووي والمواجهة مع الغرب واستهداف سورية ومحاولة تغيير نظامها بالقوة ونشر التكفير.. كل الذي رُسم للشرق الأوسط يعتبر بالنسبة لحزب الله اليوم واقعاً ضمن «سهم انحدار» الخيار الغربي في المنطقة، والأهم أنه بات واقعاً أيضاً ضمن فلك روسيا التي حضرت الى المنطقة بقوة لا يبدو أنها بوارد مغادرتها بالسنوات القليلة المقبلة بعد التأكيد الأخير على تثبيت قاعدة عسكرية في اللاذقية بشكل دائم.
ثالثاً: يعرف حزب الله اليوم انه قادر على التمايز والاختلاف مع حركة امل بدون القلق من تداعيات الموقف فالمرحلة التي كانت تتطلب الوحدة والاستنفار ذهبت الي غير رجعة بالنسبة لحزب الله الذي يؤكد دائماً موقعه المتقدّم وقدرته على منح وتفويض او مباركة صفقات دقيقة بالبلاد من زاوية «القادر». وهو الموقف الذي اراد نصرالله توضيحه في خطابه عندما توجّه «للحريري»، معتبراً ان حزب الله يقدم تنازلاً كبيراً للقبول بالحريري رئيساً للحكومة اللبنانية المقبلة. وفي هذا الكثير مما تضمّن من إيحاءات قوة يستطيع حزب الله صرفها محلياً بعد تقدم محوره بملفاته الأساسية – النووي الإيراني وحماية النظام السوري – وبعد غرق خصومه في وحول اليمن ودعم المجموعات الإرهابية كالسعودية، حسب تعبيره.
أخيراً، واذا ما بقيت الأمور على ما هي عليه ولم يحصل ايّ تطور مقبل لجهة المواقف من ترشيح عون او فرنجية، والذي يبدو نصرالله متصالحاً معها، تفتتح جلسة 31 تشرين الاول للبنان واللبنانيين مرحلة جديدة من ممارسة العملية الديمقراطية الانتخابية من دون الارتهان للتبعيات التي تفرضها التفاهمات والتحالفات كترجمة. وهو تماماً ما اراد السيد نصرالله كسره مراهناً على وعي أكبر لدى جيل واعٍ ومتابع وكاشفاً انّ الوقت تغيّر وميزان «القوة الشيعية» أيضاً وحساباتها.