بري إلى المعارضة.. أم الشريك الثالث للعهد؟
محمد حمية
أقفلت عين التينة أبوابها أمام جملة المخارج والمقترحات المطروحة خلال الأسبوع الماضي لمحاولة إقناع رئيس المجلس النيابي نبيه بري انتخاب العماد ميشال عون في جلسة الاثنين المقبل، كما لم تُفلح في ثني رئيس تيار المرده سليمان فرنجية عن خوض السباق الرئاسي، وبالتالي ترحيل الحلول التي يجري تسويقها الى ما بعد انتخاب الرئيس.
ينطلق الساعون لتحقيق إجماع داخل فريق 8 آذار على الأقل على انتخاب جنرال الرابية رئيساً للجمهورية. فبوصول رئيس الى قصر بعبدا وقف مع المقاومة وتبنى خياراتها طوال عقد من الزمن هو انتصار كبير وواضح لمحور المقاومة ولفريق 8 آذار، وأن الحزبين اللذين يشكلان عصب 14 آذار أي المستقبل والقوات اللبنانية، هما اللذان اقتربا الى خيارات فريق المقاومة عبر ترشيحهما للجنرال عون ما يتوجب تظهير انتخاب عون على أنه انتصار كامل لفريق المقاومة وليس نصف انتصار، وتأجيل أي مساومات واتفاقات إلى ما يلي انتخاب الرئيس.
بعد أن حسم رئيس المجلس النيابي من جنيف أمس، استحالة عقد طاولة الحوار الوطني قبل جلسة 31 كأحد الحلول وأنها ستنتقل الى عهدة رئيس الجمهورية المنتخب، تتجه الأنظار الى موقع ودور رئيس حركة أمل ورئيس المجلس النيابي ورئيس كتلة التنمية والتحرير في تركيبة العهد المقبل، في الحكومة وفي قانون الانتخاب أو لجهة العلاقة مع رئيس الجمهورية العتيد.
فهل سيقود جبهة المعارضة أم سيكون شريكاً في صناعة الحكومة والرجل الثالث في العهد؟ وهل تسمح التركيبة السياسية اللبنانية التي قامت منذ اتفاق الطائف على شراكة الطوائف الرئيسية الثلاث في الحكم أن يخرج منها أحد أعمدتها الأساسيين؟
تؤكد مصادر في كتلة التنمية والتحرير لـ «البناء» أن رئيس المجلس لطالما كان مع انتخاب رئيس للجمهورية ويدعو الى جلسات ويحضر ولم تغب كتلته عن أي جلسة، كما كان يدعو بالتوازي الى إقرار قانون انتخابي عصري على طاولة الحوار الوطني، وبالتالي فوز عون بالرئاسة الأولى لا يعني دخول هدف سياسي في مرماه. فالقضية ليست لعبة كرة قدم. أما وقد واجه حوار عين التينة الجامع مساكنة حوارية ثنائية بين السيد نادر الحريري والوزير جبران باسيل. جاهَرَ بري برفضه الثنائيات وما بلغه من اتفاقات، فلا أسرار ولا أحاجي ولا ألغاز في البلد.
يكاد الرئيس بري الوحيد بين القوى السياسية الذي يصرّ على إقرار قانون جديد للانتخابات، وينطلق من خلفية أن المجلس الحالي ممدد له مرتين ولا يحتمل تمديداً ثالثاً، ولن يكون شريكاً فيه، بعد أن اشتم من رائحة الاتفاقات الثنانية نيات مبيتة لتأجيل الانتخابات وفرض تمديد لسنة جديدة كأمر واقع لدواعٍ تقنية.
وتنقل المصادر عن بري امتعاضه من سياسة إدارة الظهر وحرف قطار التسوية عن مساره، وتتساءل: لماذا أنتج الحوار تحت الطاولة اتفاقاً على الرئاسة ولم ينتج فوق طاولة الحوار الوطني ولماذا لم نشهد المرونة المتقابلة بين التيارين الأزرق والبرتقالي في حوار عين التينة؟
مسار تشكيل الحكومة لن يكون سهلاً تقول المصادر، فأول ما سيعترض عملية تشكيل الحكومة هي عقدة البيان الوزاري وتوزيع الحقائب، خصوصاً أن هناك تشكيلات سياسية جديدة تشحذ هممها لاقتسام حصتها من «كعكة الوزارات» وتعتبر أنها شريكة في صناعة رئيس الجمهورية.
يعود بري مساء اليوم إلى بيروت ويرأس اجتماعاً لكتلته النيابية السبت وسيشارك والكتلة في الاستشارات التي سيدعو اليها رئيس الجمهورية بمعزل عن أي مرشح لتشكيل الحكومة ستسمّي، أما مشاركته في الحكومة فمرهونة، بحسب المصادر، بالتفاوض على شكلها وتوازناتها والتفاهم على ملفات أخرى، كاشفة أن حزب الله سيوكل ملف التفاوض على تشكيل الحكومة إلى بري، فإما يشاركان معاً وإما يقاطعان معاً، أما نوع وعدد الحقائب الوزارية التي سينالها كلٌّ من حزب الله وأمل، فالأمر عائد حصراً الى رئيس المجلس للبت به».
وتشدد المصادر على «حكمة وقيادة رئيس المجلس وعلى ضرورة وجوده في المرحلة المقبلة، مذكرة بقيادته في المراحل السياسية والأمنية التي مرت على البلد، وأهمها حوار حزب الله والمستقبل الذي احتوى الاحتقان المذهبي، كما أن قائد حركة أمل هو جزء أساسي من محور المقاومة ولا يخرج منه ولا من الثنائية المتماسكة مع حزب الله. والرهان على القطيعة بينهما سقط مجدداً والاختلاف في وجهات النظر حول ملف الرئاسة ليس توزيع أدوار بل تعبير عن استقلالية الحزب والحركة، رغم التنسيق الكامل بينهما في باقي الملفات لترتقي العلاقة الى التكامل الحاضن للوطن والشرعية ولمعادلة الجيش والشعب والمقاومة في دحر العدوّين الاسرائيلي والارهابي».
وتفسر المصادر ما قصده بري بالـ»الجهاد الاكبر» بأنه مواجهة لنهج التوافقات الثنائية حول قانون الانتخاب والتشكيلة الحكومية التي ينبغي أن تكون حكومة وحدة وطنية تضم كل الاطراف وتحفظ القوى والتوازنات الوطنية والسياسية».
وعن العلاقة بين بري وعون، ترى المصادر أن بري لم يقطع جسر التواصل مع عون، وأعلن أنه لن ينتخبه لكن لا يلغي ذلك الاحترام لشخصه، وقال له «لا أكرهك» بدبلوماسية فائقة وبصراحة متناهية ولم يفعل كالآخرين الذين يُضمرون لعون شيئاً في قلوبهم ويُظهرون العكس في العلن، فبري رجل دولة من الطراز الأول ومركز جذب إقليمي ودولي يتهافت رؤساء البرلمانات لمصافحته والحديث معه وراكم الخبرات منذ 55 عاماً في العمل السياسي لذلك يحتاجه العهد كشريك ثالث الى جانب رئيسَيْ الجمهورية ومجلس الوزراء على قاعدة الرؤساء الأقوياء في طوائفهم وبالتالي لن يسعى الى إجهاض العهد ولا معارضة عون فقط للمعارضة بل معارضة بناءة، ولكن في الوقت نفسه سيعمل انطلاقاً من حسه الوطني لإنجاح المرحلة وحل أزمات لبنان المتنوعة أما إذا استأثرت الاتفاقات الثنائية وطغت، فعجلة العهد ستراوح مكانها.
وعما إذا كان رئيس المجلس لا يزال على مقولته بأنه مع الحريري ظالماً أم مظلوماً بعد اتفاقه مع عون، أجابت المصادر: «ليعود الرئيس وكل حادث حديث».