تماسك محور المقاومة والحلفاء خيار وقرار في سورية واليمن والعراق ولبنان
ناصر قنديل
– مخطئ من يفصل بين الهجوم الذي حشدت له جبهة النصرة وكلّ الجماعات التي تصنّفها واشنطن بالمعارضة المعتدلة، كلّ ما لديهم من رجال وسلاح قدّمه الأتراك والسعوديون والقطريون، وأذن الأميركيون وساعد الفرنسيون بوصوله، عن التحرشات التركية في كلّ من الجغرافيا السورية والعراقية، وعن مساعي واشنطن لحصر الحرب على داعش والنصرة بالمدن الواقعة على مجاري نهري الفرات ودجلة، كالموصل والرقة ودير الزور، لتبقى منطقة بين النهرين الشاسعة منطقة نفوذ أميركية بذريعة حرب مديدة على داعش، كما يخطئ من يفصل بين كلّ ذلك والحملة الشعواء التي يشنّها السعوديون على الحوثيين بافتعال رواية قصف مكة المكرمة، وبين الخطاب العدائي لسورية وحزب الله الذي يصرّ عليه السعوديون والرئيس سعد الحريري بالتلازم مع سير الحريري بالتسوية التي ستحمله إلى رئاسة الحكومة مجدّداً مقابل السير بإيصال العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، بعدما حوّلت ممانعة حزب الله هذا الوصول إلى ممرّ إلزامي لملء الفراغ الرئاسي في لبنان، مستنداً للحقائق والوقائع التي يكتبها شهداء حزب الله في ميادين القتال والانتصارات التي يحققها محور المقاومة.
– يبالغ اللبنانيون إذا توهّموا أنّ التسوية التي يقبلون عليها هي تسوية منجزة متكاملة تفتح باب الخلاص، فالحرب لا تزال في أوجها، ولو كانت مؤشرات النصر تلوح لحساب محور المقاومة، ومن خلفه روسيا القوة الصاعدة نحو لعب دور دولي وإقليمي صانع للمعادلات، فالتسوية التي تتضمّن نصراً لمحور المقاومة بوصول العماد عون إلى قصر بعبدا، تشبه التفاهم الروسي الأميركي حول سورية، الذي تضمّن قبل شهور تفاصيل التفاصيل حول التعاون الذي يجب أن يقوم في الحرب على داعش والنصرة، والالتزامات المتبادلة للطرفين، في خريطة طريق لحلّ سياسي يتأسّس على فصل الجماعات التي تسمّيها واشنطن معتدلة عن جبهة النصرة، وفتح الباب لتهدئة تجلب هذه الجماعات لمسار سياسي يبدأ بحكومة في ظلّ الرئيس السوري وينتهي بانتخابات رئاسية ونيابية وفقاً لدستور جديد، لكن هذا التفاهم لم يتحوّل إلى خارطة واقعية، لم يمت ولم يولد فعلياً، لكنه لا يزال في خلفية الحروب الدائرة في سورية، في ظلّ ربط نزاع يشبه كثيراً ما يبدو لبنان ذاهب إليه، ويكون خط العودة المضمون وبوليصة التأمين الحاضرة من زاوية نظر واشنطن، مع كلّ فشل لمحاولات تحسين الأوضاع في الميدان التي ترعاها وتراهن عليها، كما هو حال الهجوم الحالي على غرب حلب، الذي مهّد له الغرب بحرب دبلوماسية وإعلامية ونفسية على موسكو، أملاً بلجم دعمها للجيش السوري من جهة، ومنح الجماعات المسلحة الوقت اللازم للاستعداد للهجوم من جهة أخرى، لكن التفاهم من زاوية نظر الروس يشكل في خلفية كلّ مواجهة الوثيقة التي يعرضونها على الأميركيين مع كلّ إنجاز يحققونه في الميدان مع السوريين وحلفائهم، للسؤال عما إذا كان ما يجري كافياً ليفهموا استحالة تعديل الموازين، ويسلّموا بالحقيقة التي تقول إنّ التفاهم يبقى الملاذ الذي لا بدّ من العودة إليه، وموسكو تعلم أنّ التفاهم بما يحققه من فرصة للقضاء على جبهة النصرة، ينهي الآمال على عمل عسكري فعّال ضدّ الجيش السوري، ويفتح الباب للاعتراف بنصرالرئيس السوري باعتباره الحليف الأول لروسيا في الشرق.
– مسار تسمية رئيس الحكومة وتشكيل الحكومة في لبنان، كما إدارة الهدنة في سورية، كما إدارة مساعي الحلّ السياسي في اليمن، مسارات لم تصل لدرجة النضج التي تجعلها تحتلّ المشهد وحدها، وتتقدّم كمسارات تملك قوة الدفع الذاتية، بسبب الأثمان المكلفة التي تلقيها نهايات التسويات على الحلف المعادي للمقاومة وسورية، الذي يدرك انّ ايّ احتكام في نهاية المطاف لصناديق الاقتراع في سورية والعراق واليمن ولبنان، لن يكون في صالح أطرافه، التي تريد ضمان وجودها ومصالحها بصفقات تفرض من الخارج، الذي ما عاد يملك القدرة على ذلك، رغم جهوزيته لرعاية ممانعتها للتسويات بخيارات تعطل التسويات موقتاً لإختبار موازين القوى، وهذا التعرّج في مسارات التسويات والتناوب بين التهدئة والتصعيد، سيكون ملازماً للمشهد اللبناني، الذي لا يبدو استثناء في اللوحة الإجمالية للمنطقة، طالما أنّ اللاعبين الكبار دولياً وإقليمياً على الضفة المقابلة لمحور المقاومة، لا ينظرون إلى لبنان ولا يتعاملون معه إلا من زاوية النظر لقوة المقاومة، ومستقبل دورها، ويقاربون التسوية اللبنانية من غير الباب الذي يأمل به اللبنانيون، بمن فيهم حسنو النية من السياسيين، بل من باب كيفية منح المقاومة نصرها الرئاسي للحصول على نصر رئاسي مواز، يسمح بالتقرّب من مناطق حساسة في تحالفاتها تتيح لهم العبث بهذه التحالفات أو الرهان على مثل هذا العبث، وهو بالضبط ما حاولوه سابقاً مع الهدنة في سورية قبل شهور، مراهنين على الوقيعة بين سورية وروسيا، وبين روسيا وإيران، وبين حزب الله وسورية وروسيا وإيران.
– مثلما يواجه الروس والسوريون والإيرانيون وحزب الله مناورات التهدئة في سورية، ويخوضون صفاً متماسكاً الحروب التي يشعلها الفريق المقابل، ويقطعون الطريق على كلّ عبث يسعى لشق الصفوف، يخوضون معادلات العراق واليمن بذات الروحية، ويقاربون التسوية اللبنانية بذات النفس والانتباه والحذر، يمدّون اليد لتزخيم التسوية وتوسيع نطاقها، لكن مثلما يتولى حزب الله القتال في سورية وتولى إدارة الممانعة الرئاسية حتى نضجت ظروفها، ووقف الجميع وراءه، سيتولى الرئيس نبيه بري إدارة الآتي من الاستحقاقات مواجهة وتفاهمات، ومهما كان التصويت في جلسة الإثنين سيقف الجميع وراءه من بعدها، حتى تسقط الرهانات على شق الصفوف ويسلّم من يجب أن يفهم أنّ الحرب في المنطقة انتهت، وما يستمرّ هو مجرد محاولات الإنكار التي تشبه ما قاله الرئيس فؤاد السنيورة بعد نهاية حرب تموز عن أنّ لبنان لم ينتصر، عندها فقط تولد حكومة تعترف بالمعادلة الذهبية التي تحمي لبنان، ويدرك أصحاب أحصنة الخشب ولسان الخشب أن لا مكان لمعادلات الخشب في لبنان.