أنقرة تشهد خلط أوراق إقليمية ودولية مع زيارة بوتين نهاية حرب الغاز وانتصار «ساوث ستريم» على «نابوكو» و«القطري»

كتب المحرر السياسي:

من أنقرة يبدأ المشهد الدولي والإقليمي بالتغيّر، حيث تشكل زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى أنقرة لترؤس وفد روسيا إلى المجلس الاستراتيجي الروسي ـ التركي، نقطة تحوّل استراتيجية واقتصادية، وسياسية بالضرورة كما يرى متابعو العلاقات بين الدولتين اللتين تتقاسمان ضفة الأوراسيا، مع أوكرانيا، كما تتقاسمان البحر الأسود.

سورية ليست للمفاوضة ولا للمقايضة إلا من جانب واحد هو تسليم تركيا بالمتغيّرات، والقبول بالمخرج اللائق الذي يحمله بوتين عبر الدعوة إلى المشاركة في مجموعة أصدقاء الحلّ في سورية، والتي تشتغل عليها موسكو بالتعاون مع المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا وتضمّ مع الدول الخمس الكبرى كلاً من تركيا وإيران ومصر والسعودية.

سقطت أوهام تجنيد واشنطن للتورّط مجدّداً في سقوف تطاول تغيير النظام في سورية، وتركيا في مأزق، والرئيس السوري بشار الأسد صار خارج البحث، فهو شريك أكيد في مشهد الشرق الأوسط، وعلى أحد ما أن يُنزل الرئيس التركي عن شجرة التصعيد.

مهّدت إيران وتقدّمت روسيا وهما تدركان قدرتهما على توفير هبوط آمن للقيادة التركية بمنحها جواراً قابلاً لاستيعاب طموحاتها السياسية والاقتصادية، الواقعية بلا أوهام السلطنة التي سقطت من مصر أصلاً مع انهيار حكم «الإخوان المسلمينّ.

في السياسة التركية، على رغم أوهام السلطنة الاقتصاد هو المقرر، وفي الاقتصاد أنابيب النفط والغاز من جهة وتنشيط السياحة من جهة أخرى عصب ما تملكه أي حكومة في تركيا لتطوير وتحفيز الاقتصاد، كما تشكل العودة إلى عداوات صفر لا بل مخاطر صفر الهاجس الأكبر للنخب الاقتصادية والعسكرية التركية التي لا يمكن للحاكم مخاطبتها بلغة المهزوم، أو المعترف بالعجز والضعف، فالواقعية المتعجرفة هي فلسفة سياسة حكم دفينة في العقل الباطن لسلالة السلطنة كما يقول الأتراك.

بوتين الاقتصادي يحمل معه «غازبروم» وعقود خط أنابيب «ساوث تريم» السيل الجنوبي بديلاً للفشل التركي في خط «نابوكو» الآتي من أذربيجان وكازاخستان ضمن خطة غربية أوروبية لتأمين بديل عن الغاز الروسي لأوروبا والذي صار من الماضي، وبديلاً لسقوط الوهم القطري بالسيطرة على سورية لتمرير خط أنابيب بديل عن الغاز الروسي والإيراني الطامحين ببلوغ المتوسط وأوروبا.

وكان لافتاً ما قاله عن الزيارة مستشار قصر الكرملين الروسي يوري أوشاكوف «سيتباحث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان في العلاقات الثنائية بين البلدين، إضافة إلى عدة قضايا مختلفة من قبيل قضية الغاز الطبيعي وسورية».

وأشار أوشاكوف إلى أنّ الرئيس الروسي وأردوغان سيناقشان القضايا الراهنة في المنطقة، والوضع في الشرق الأوسط، إضافة إلى التطورات في سورية والعراق، فيما من المنتظر أن تكون الأزمة السورية على رأس القضايا التي سيتباحثها الرئيسان.

وأفاد أوشاكوف أنه سيتمّ إعلان عام 2016 «عاماً للسياحة» في كلا البلدين، وذلك عقب انتهاء قمة مجلس التعاون الاستراتيجي الأعلى التركي ـ الروسي.

كما كان ذا مغزى أوراسي بحسب خبراء الجغرافيا السياسية تشجيع بوتين لتركيا على الانضواء في تحالفات موازية لوجودها في حلف الأطلسي، وما يحمله من عروض على هذا الصعيد لتبوؤ تركيا منصة إعلان نهاية الحروب والأزمات بدلاً مما تعرضه واشنطن لتركيا كي تكون مجرّد أداة أطلسية، ومقاربة الحرب على الإرهاب وفقاً للمخرج الروسي عبر بوابة الأمم المتحدة، فقال الرئيس الروسي بوتين في حوار أجرته معه وكالة الأناضول أنه يثمن عالياً استقلالية القرارات التركية المتعلقة بعلاقاتها مع بلاده، بما فيها التعاون الاقتصادي، مضيفاً: «سأتناول مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، التعاون الروسي ـ التركي بجميع أبعاده، بما في ذلك إنجاز المشاريع الاستراتيجية المشتركة في مجال الطاقة، وسنتباحث في نتائج تعاوننا خلال العام الماضي، ونضع أهدافاً جديدة في شأن المستقبل. ولا شك في أننا سنتبادل وجهات النظر في القضايا الدولية والإقليمية الراهنة».

وتوقف بوتين أمام القضية الرئيسية للمحادثات فأشار إلى عدم إمكانية تنفيذ مشروع خط الأنابيب «ساوث ستريم» تحت البحر الأسود من جانب واحد، وقال: «إنه كالحب الذي يكون سعيداً فقط في حال وجود طرفين. لذلك لا يمكننا تنفيذ المشروع من جانب واحد بمليارات الدولارات، في حال ما زال شركاؤنا يفكرون بتنفيذ المشروع أم لا. ومن الجدير بالذكر أنّ الكثير من المناقشات أجريت بصدد وأثناء بناء خط الأنابيب المار تحت بحر البلطيق «نورث ستريم». والآن بعد بنائه الجميع سعداء والجميع يقول «شكراً!» لأنّ هذا المشروع كان مفيداً. وأنا على قناعة بأنّ هذا المشروع مربح للمستهلك الأوروبي، لأنه يقلل مخاطر الترانزيت في شكل كبير. وجميع القضايا المتعلقة ببناء «ساوث ستريم» تحمل طابعاً سياسياً فقط. وفي هذه الحال فإن السياسة تضر الاقتصاد».

وخاطب بوتين الصناعات التركية بالقول: «فإنّ مثل هذه الحالة تخفض من المزايا التنافسية للاقتصاد الأوروبي». وأعاد التذكير بملف الغاز مع أوروبا وأوكرانيا قائلاً بأن الغاز الروسي سيكون كافياً لأوروبا خلال الشتاء المقبل. ويأمل بإيجاد حلّ لقضية الغاز مع أوكرانيا.

وفى غضون ذلك، ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية أنّ بوتين وأردوغان سوف يتغاضيان عن الخلافات الروسية – التركية من أجل تأسيس تحالف قوى لمواجهة العلاقات المتأزمة مع الغرب.

ومن المقرّر أن يناقشا خلال اجتماعهما اليوم السياسة الخارجية، ومزيداً من التعاون في مجال الطاقة وخطوات باتجاه تجارة ثنائية بقيمة 100 مليار دولار سنوياً.

وأشارت الوكالة الفرنسية إلى أنّ هناك من الأسباب لكلّ من تركيا وروسيا، وكلّ منهما وريثة لإمبراطورية خاضت عشرات الحروب خلال الـ500 عام الماضية – بحيث تكون العلاقات بينهما محلاً للاختبار بسبب الخلافات حول القضايا الدولية الرئيسية مثل سورية وأوكرانيا.

وأضافت أنّ بوتين وأردوغان لن يضحيا بالشراكة التجارية الضرورية لكلّ منهما، وأنهما يعملان على بناء علاقات متينة بين الدولتين المهيمنتين على منطقة بحر البلطيق.

بوتين في أنقرة لحوار المختلفين بحثاً عن المشتركات، بلغة المصالح العليا على رغم ضراوة الاشتباك وحساسية الدور الذي لعبته تركيا في إلحاق الأذى بروسيا، وفي لبنان لا يزال الحوار بين حزب الله وتيار المستقبل يجرجر خطواته الأولى في التحضير، على رغم المصالح العليا التي تفرض التسريع لتحصين بلد هش كلبنان من المخاطر المتعاظمة، وفتح الطرق لتسويات يحتاجها البلد والفريقان، وعلى رغم توافر الوسطاء الكبار، وعناصر التشجيع، يبدو مقابل الموقف الواضح لحزب الله حجم الارتباك في ضفة تيار المستقبل.

الأكيد أن الحوار بين حزب الله وتيار المستقبل لا يزال ينتظر لانطلاقه، إنجاز جدول الأعمال وتشكيل الوفود التي ستمثل الفريقين المعنيين وذلك برعاية أو بمشاركة غير مباشرة لرئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط، ولكن يبدو أن الساعة الصفر لن تحل قبل بضعة أسابيع.

حزب الله: لا لحصر النقاش

وأكدت مصادر في حزب الله لـ «البناء» أن موعد الحوار يعود إلى الرئيس بري، نافية علمها بأي موعد له قبل الأعياد. وأشارت إلى «أن حزب الله أنهى جدول الأعمال، وهو ليس مع حصر النقاش في موضوع واحد»، موضحة «أن الملفات المعقدة سيتم تحييدها، فيما سيتم البحث في ملفات تتعلق بتفعيل مؤسسات الدولة ولا سيما الحكومة، ومواجهة الإرهابيين». وشددت المصادر على «أن حلفاءنا سيكونون حاضرين في الحوار مع تيار المستقبل بمن فيهم التيار الوطني الحر».

في المقابل، وفي إطار رفع السقوف قبل بدء الحوار، أكد النائب أحمد فتفت في حديث تلفزيوني مساء أمس «أنه غير متفائل بموضوع الحوار مع حزب الله لأن التجارب السابقة لم تكن مشجعة»، متهماً الحزب بأنه «لم يلتزم مرة واحدة بهذا الحوار»، داعياً الحزب إلى «أن يعيد الثقة وأن يعطينا التفاؤل».

إلا أن مصادر «8 آذار» أكدت لـ»البناء» أن هدف تيار المستقبل من الحوار هو تخفيف حدة الاحتقان في الشارع المستقبلي ولا سيما في طرابلس والبقاع، بعدما أدى التحريض الذي مارسه التيار ضد حزب الله إلى فقدان «المستقبل» شارعه واتجاهه نحو التكفيريين. كما أن السعودية تخشى تمدد هذه الموجة إليها وتنفيذ عمليات عسكرية وأمنية على أراضيها، وهذا ما جعلها تشجع على الحوار بين حزب الله وتيار المستقبل.

عقّد أمام قانون الانتخاب

على خط آخر، وفي انتظار بلورة الأفكار لبدء الحوار، تتابع اللجنة المكلفة دراسة قانون الانتخاب التي اكتمل أعضاؤها مع عودة ممثل الحزب التقدمي الاشتراكي مروان حمادة من لاهاي، عملها، وتعقد اجتماعها الخامس غداً في ساحة النجمة برئاسة النائب روبير غانم للبحث في اقتراح القانون المختلط المقدم من النائب علي بزي والقائم على انتخاب 64 نائباً على أساس النظام النسبي و64 نائباً على أساس النظام الأكثري. ولفت النائب علي فياض إلى «أن هناك 4 جلسات عقدت حول موضوع قانون الانتخابات»، لافتاً إلى «عدم وجود خروق في هذا الموضوع، وأن المسائل تبدو معقدة وليست سهلة».

الخاطفون لمسوا جدية الحكومة

العقد الانتخابية، قابلها نوع من الحلحلة في موضوع العسكريين المخطوفين وإحدى مؤشراتها تقديم خلية الأزمة الحكومية اجتماعها إلى يوم أمس بدلاً من الأربعاء.

وفي حين استمر التكتم حول نتائج المفاوضات، أكد الشيخ مصطفى الحجيري أبو طاقية لـ»البناء» أن «الخاطفين لمسوا جدية من الحكومة»، متمنياً «ألا يضيع الأمل ونعود إلى نقطة الصفر، خصوصاً أن إعدام الجندي علي البزال تم تأجيله لبت الحكومة الشروط». ولفت أبو طاقية إلى انه «لم يكلف رسمياً من الحكومة في المفاوضات مع الخاطفين لإطلاق سراح العسكريين»، مشيراً إلى «أن التكليف ربما لن يحصل، وأن الوسيط القطري لم ينسحب من التفاوض». واعتبر «أن ما يقوم به هو عمل إنساني، وأن التفاوض الذي أجراه لتأجيل إعدام البزال كان الأصعب هذه المرة، لا سيما أنه ذهب إلى الجرود من دون موافقة أمير جبهة النصرة في القلمون أبو مالك التلي».

جنبلاط مستعدّ للذهاب إلى عرسال

ودعا رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط عبر «تويتر» إلى وقف «حرب الأعصاب» ضد أهالي العسكريين المخطوفين، لافتاً إلى أن «أميركا فاوضت طالبان من أجل أسير مقابل أسرى في غوانتانامو»، وقال: «أذهب شخصياً إلى عرسال وأتفاوض».

وكان أهالي العسكريين المخطوفين، وبعد المواجهة مع قوى الأمن الداخلي يوم الجمعة الفائت، أقاموا أول من أمس حاجز محبة في الصيفي، وقدموا الورود إلى المواطنين وعناصر قوى الأمن الداخلي مؤكدين أنهم ليسوا ضد هذه القوى. واعتبر الأهالي أن هذه الخطوة هي عربون محبة للدولة اللبنانية.

ورد المقدم وفيق نصرالله على مبادرة الأهالي، معتبراً «أن قضية العسكريين المخطوفين تشكل وجعاً لقوى الأمن الداخلي تماماً كما هو وجع الأهالي والمأساة تشمل الجميع»، مشيراً إلى «انه يتحدث باسم المدير العام لقوى الأمن الداخلي ومدير شرطة بيروت وكل عناصر قوى الأمن»، ولافتاً إلى «أنهم في بعض الحالات مضطرون إلى الالتزام بإجراءات معينة خلافاً للمنطق العام، بناء على المصلحة العامة وحماية الناس والمواطنين».

وفي تطور أمني خطير في سلاح العبوات الناسفة التي تستهدف المدنيين والعسكريين على حد سواء، أعلنت قيادة الجيش أن قوى الجيش عثرت في محلة الحدث قرب سور المجمع الجامعي على عبوة زنتها 300 غرام من المواد المتفجرة موصولة بأسلاك كهربائية، وقد فرضت هذه القوى طوقاً أمنياً حول المكان، كما حضر الخبير العسكري وعمل على تفكيكها.

ومساء نفذ الجيش حملة مداهمات في برج البراجنة.

المالكي في بيروت

على صعيد آخر، برزت أمس زيارة نائب الرئيس العراقي نور المالكي إلى بيروت وزار بدعوة من حزب الله معلم مليتا في منطقة إقليم التفاح. وتطرق المالكي في تصريحات له إلى الموجة التكفيرية في المنطقة، مؤكداً «أن داعش وخلفه القاعدة وخلفها الطائفيون، كلها أدوات مصنعة ممن يريد أن يهتك حرمة وسيادة هذه الأمة أو هذه المنطقة، ومنها ما صنع في أفغانستان ومنها ما صنع في سورية». ولفت إلى «أن الهدف في سورية كان كسر الحاجز ثم الاندفاع في المنطقة نحو العراق ولبنان وإيران».

أما رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد الذي كان في استقبال المالكي على رأس وفد من الحزب، فقال: «داعش ليس إلا وجهاً من وجوه الإرهاب المستخدم من قبل دول الإرهاب المنظم في العالم، وداعش يمثل لوناً من ألوان الخطر على مجتمعنا ومنطقتنا، وعلينا جميعاً أن نستشرف الرؤية التي تجعلنا قادرين على مواجهة هذا الخطر».

وأكدت أوساط حزب الله لـ«البناء» إن زيارة المالكي إلى بيروت «خاصة».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى