بوتين ولافروف ثنائية

روزانا رمال

المواقف التي أعلنها الرئيس فلاديمير بوتين في الجمعية العامة للاتحاد الروسي التي تنعقد سنوياً تعادل رؤية استراتيجية لروسيا الغد في ظلّ المتغيّرات الدولية، ولم يلق الخطاب بعد الاهتمام الذي يستحق على المستوى الدولي لكنه سيكون رسالة شديدة القوة للأميركيين يتخطى كلّ حدود توقعاتهم.

قال بوتين إنّ روسيا لا تؤمن بالسياسة كإطار لتقديم التنازلات، بل لنيل الحقوق بعد الاعتراف بها، وروسيا من موقع حجمها السكاني والجغرافي ونسبة مساهمتها في الاقتصاد العالمي من جهة وأهمية مواردها في المجالات الحيوية للاقتصاد العالمي في مجال الطاقة من جهة أخرى، إضافة إلى قدراتها العسكرية النوعية، لا ترتضي أن تكون أقلّ من شريك كامل في صناعة السياسة الدولية تعامل من الندّ للندّ من قبل أميركا، الدولة التي تريد احتكار تقرير مصائر البلدان.

قال بوتين سنواجه المشيئة الأميركية بالتفرّد، ولن نتراجع عن حقوقنا، وأضاف: إذا كان الأمر بالتنازلات السياسية فلن نتنازل، وإذا كان البعض يريد المواجهة العسكرية فنحن نملك جيشاً قادراً ونملك سلاحاً نوعياً، وإذا كان الرهان الأميركي هو على العقوبات ومردودها، فالعقوبات بنظر روسيا محفز لاقتصادها، وشكراً للعقوبات، أما عن التمويل الذي سيعوّض نقص الموارد فهو بالعفو المالي الشامل الذي سيقدّم فرصاً إلى كلّ الرساميل التي نزحت من روسيا بسبب إجراءات قضائية سواء طاولت الأسباب جرائم الفساد وتبييض الأموال أو التوظيف السياسي أو التجارات الممنوعة وكلّ ما طاولته الملاحقة من قبل مع ضمانة مسبقة قانونية بعدم التعرّض للمساءلة سواء على مصادر المال أو على السجل الضريبي.

المبالغ المتوقعة تزيد على تريليون من الدولارات، وفقاً للمصادر الإعلامية الروسية، وما أعلنه بوتين ثورة على النظام العالمي السياسي والاقتصادي، ويعرف الأميركيون أنّ روسيا ستكون مركزاً لتغيير معادلات الحركة المالية في العالم الذي يشكل المال الروسي النازح محوراً من محاور الخريطة المالية مقابل أموال النفط والغاز والسلاح التي تمثل فيها روسيا وحدها ما يعادل النصف أيضاً.

هذه الثورة هي عصا بوتين، لكنها لا تختصر السياسة الروسية، فالجزرة يحملها وزير الخارجية سيرغي لافروف، الذي يحمل قرارات بوتين ويقدم للأميركيين فرصة التجسير والوصول إلى تفاهمات، فمخاطر الذهاب إلى المواجهة لم تعد روسية بل صارت أميركية، والتفاهمات لم تعد طلباً روسياً بل صارت طلباً أميركياً، لذلك كانت النتيجة الفورية للقاء لافروف بنظيره الأميركي جون كيري التوصل إلى تفاهم على وقف للنار في أوكرانيا طال انتظاره منذ شهور رغم توقيع الاتفاق في مينسك والانتظار طويلاً لوضعه موضع التنفيذ.

الاتفاق أخيراً سيلقى طريقه إلى التنفيذ، بدءاً من الثلاثاء المقبل، وسينتشر المراقبون الأوروبيون، ويبدأ الحوار السياسي بين المكوّنات الأوكرانية وترضخ حكومة كييف لقبول الجلوس على الطاولة مع ممثلي شرق البلاد بحثاً عن صيغة تسووية من جهة وتسليماً بوضع شبه جزيرة القرم التي قال عنها بوتين إنها عند الروس تعادل مكانة المسجد الأقصى عند المسلمين وكنيسة القيامة عند المسيحيين وهيكل سليمان عند اليهود، فلا يفكر أحد بالبحث بمصيرها، هي روسية وعادت إلى روسيا وستبقى لروسيا.

«توب نيوز»

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى