دعاء: سليم الحص وعمر كرامي

ناصر قنديل

يرقد الرئيس عمر كرامي مريضاً في مستشفى الجامعة الأميركية، وهو في وضع طبّي يتأرجح بين الحرج والاستقرار، ومثله يجلس في منزله الرئيس سليم الحص، والرجلان لمن عرفهما وعرف دور كلّ منهما في قضايا لبنان والعرب، قامتان تملكان من الوضوح في الرؤية والشجاعة في الموقف، والقدرة على تحدّي الأقدار، والسباحة عكس التيار، ما تتعب له الأبدان، ويعجز عن وصفه اللسان.

أبدأ بالعلاقة بسورية وحلفائها، وفي مقدمهم حزب الله، وأشهد بما أعلم عن كثب، أنّ أحداً من خصوم سورية وحزب الله، وفي مقدمهم تيار المستقبل برئيسه الحالي سعد الحريري أو رئيسه المؤسّس الراحل رفيق الحريري، في أيام التعاون والتراضي مع سورية وحزب الله، لم يكن ليجرؤ على قول أو انتقاد أو مصارحة أو ممارسة استقلالية، كما كان يفعل كلّ يوم الرئيس سليم الحص والرئيس عمر كرامي، وأقول بقوة الموقف والثقة بالمكانة المؤسسة على التشارك في القيم، كان كلّ منهما في كلّ المراحل شريكاً حقيقياً في كلّ تفصيل يتصل بأدائه وهو في موقع المسؤولية، كما لم يكن ولا يستطيع أن يكون سواه، وتشهد استقالة الرئيس عمر كرامي في أعقاب اغتيال الرئيس رفيق الحريري على درجة الاستقلال في الموقف، وهي بالمناسبة استقالة احتجاج على ما وصفه الرئيس كرامي يومها في مجلس ضيق، بصفقة ظنّ أنّ حلفاءه متورّطون بها لتنصيب الرئيس نجيب ميقاتي من وراء ظهره، وليست حرجاً من تحدّ أو نزولاً عند نداء من أحد، كما يشهد على القيم نفسها ترفع الرئيس سليم الحص مراراً عن تولي رئاسة الحكومة.

في اللحظات المصيرية التي تعصف بالحلفاء، وهي عموماً ليست ظروفاً خاصة بهم، بل ظروف تعرّض الأمة لعدوان أو مؤامرة، وما أكثرها خلال عقود ثلاثة تولى خلالها الرئيسان مسؤولية القرار، لم يقم أيّ من الرئيسين حساباً منفرداً لمستقبله السياسي أو الطائفي، أو المصلحي، ليتخذ قراره، فهو جزء من مشروع يقاوم العدوان، ينتصر إذا انتصر ويرتضي الهزيمة إذا انهزم، لا مكان للنجاة بالنفس والنأي بها في قاموسه، والنفس هنا تصحّ للشخص والجماعة والوطن، وهو رأس حربة بما يمثل في طائفته لينزع عن أيّ حرب تستهدف سورية والمقاومة والعروبة رداء المذهبية أو الطائفية، وهو صوت هادر دفاعاً عن الوطنية والقومية، يتخطى كثيراً ما هو مطلوب منه بداعي الإيثار وليس بداعي الحماسة والانفعال، وعندما يتحقق النصر يتنحّى جانباً بتواضع وخجل، كي لا يحسب بين طالبي جوائز الترضية والمكافآت، فساحة صائدي الجوائز لا تتسع للقامات الكبيرة كقامتيهما، والتكليف بالمسؤوليات لم يكن في الحساب يوم كانت القضية على المحك.

الرئيس سليم الحص والرئيس عمر كرامي، زعيمان تاريخيان نادران، أعرفهما منذ ثلاثة عقود وأكثر، وافتخر أنني عشت في بلادي زمناً هما فيه، وأعتز أني بنيت معهما علاقة حبّ واحترام، وأنست برفقتهما وحديثهما، وبانت لي منهما روح الإنسان الفرحة والمتفائلة، وملكة البديهة الحاضرة والذكاء الحادّ والعقل الوقاد والطرفة النادرة، والعزيمة القادرة، في مواقف ولحظات يصعب إحصاؤها.

أكتب اليوم وأحلم أن يشعر الرجلان أنهما موجودان في دعاء آلاف من أبناء البلد الذي فيه بقية من رجال ونساء يقيمون للقيم والأخلاق حساباً، دعاء بطول العمر، وبزوال الشدة، دعاء بالصحة والعافية، والقدرة على تلقي الإحساس بأهمية وعظمة ما فعله كلّ منهما لهذا الوطن المعذب لبنان ولأمة العرب التي تعيش زمن الضياع، الزمن الذي قال فيه ابن خلدون، زمن الانحطاط هو زمن تقاس فيه الإمامة بدلاً من العلم بالعمامة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى