خطة دي ميستورا… طريق واحد باتجاهين
سعد الله الخليل
رغم تكليفه في تموز الماضي، إلا أنّ الحراك الجدي للموفد الدولي إلى سورية ستيفان دي ميستورا، لم يظهر في شكل واضح وفعّال حتى لحظة إعلانه في الثلاثين من تشرين الأول عن توجهه إلى مجلس الأمن الدولي بخطة تقضي بتجميد القتال في بعض المناطق، وبالأخصّ مدينة حلب، للسماح بنقل المساعدات والتمهيد لمفاوضات سياسية.
إنّ الطابع السريع لتحركات دي ميستورا، على عكس سلفه الأخضر الإبراهيمي، يكشف تبدلات المواقف الغربية ممّا يجري في سورية، وربما يعكس الترحيب الفوري للدول الغربية بالمبادرة حراجة الموقف الغربي حيال تقدم الجيش في حلب وريفها، ليأتي إعلان الرئيسين الفرنسي والتركي صراحة العمل لمنع سقوط حلب في يد الجيش السوري الموقف الأبرز وضوحاً وصراحة. فالوقت لم يعُد يحتمل الاختباء وراء مصطلحات من قبيل دعم الشعب السوري من أجل نيل حقوقه المشروعة وغيرها من مصطلحات المعزوفة التي استخدمت خلال سنوات الحرب على سورية، كواجهة لإخفاء دورها في دعم الإرهاب في سورية تحت شعار المعارضة المعتدلة، التي سرعان ما تتحلل ضمن تنظيمي «النصرة» و«داعش» الإرهابيين.
إذاً، اللعب على المكشوف وإظهار الأوراق التفاوضية باتا ضرورة، فها هو الجيش السوري يحاصر حلب ويتقدم لقطع الطرق التي تصل المدينة بالريف الشمالي. فالعمليات العسكرية في حندرات شمال المدينة تقطع طريق الإمداد الرئيسي لمجموعات المعارضة المسلحة في حلب من تركيا، ما يعني سقوط تلك المجموعات خلال أيام. فهل يستطيع متابع للشأن السوري منح تلك المجموعات حظوظاً في البقاء مع انقطاع الدعم التركي؟
إنّ جولات دي ميستورا ولقاءاته المسؤولين في مصر وتركيا وإيران ولبنان وروسيا وآخرها في الاتحاد الأوروبي في بروكسيل، تهدف إلى تسريع تطبيق خطته التي تسقط عملياً باستعادة الجيش السوري السيطرة على مدينة حلب.
أمام هذا المشهد، يبدو الحراك السياسي السوري ثابتاً على قاعدة أساسية تنطلق من بيان جنيف وقرارات مجلس الأمن بضرورة محاربة الإرهاب، وقد كان الرئيس السوري بشار الأسد واضحاً خلال لقائه دي ميستورا بالتأكيد على أنّ المبادرة جديرة بالدراسة ويجب أن يرافقها وقف تمويل وإمداد الإرهاب وإقفال الحدود، وهو أكده وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال مؤتمره الصحافي مع نظيره السوري وليد المعلم، حين زاوج ما بين الثناء على المبادرة ومواصلة دعم سورية في محاربة الإرهاب.
وضوح الرؤية السورية الروسية قابله استهجان ورفض من المعارضة السورية، وقد فشل دي ميستورا في إقناع المجموعات المسلحة في غازي عنتاب بالقبول بالخطة، وربما يكون موقفهم منطقياً، فتلك المجموعات تدرك أنّ تطبيق الخطة سيسير في اتجاه المصالحات التي تعني تسليم تلك المجموعات أسلحتها والتحول إلى مجموعات لجان شعبية في أحسن الأحول أي انحلالها وتفككها. أما الجناح السياسي لتلك المجموعات والمتمثل بالائتلاف، فقد وصف الخطة بأنها غير واضحة.
وقبل المضي في التسليم بقواعد وشروط لعبة الوقائع على الأرض، كان لا بدّ من محاولات لقلب المعادلات عبر خطوتين، أولهما تمثل في الغارتين «الإسرائيليتين» على مواقع أمنية في ريف دمشق في الديماس وقرب مطار دمشق قبل أيام من طرح دي ميستورا خطته على الاتحاد الأوروبي، في مسعى لإعادة الروح إلى المسلحين في جنوب دمشق وريفها وجبال القلمون وهو ما أثبت فشله، في ظلّ تلقي هؤلاء المسلحين ضربات قاسمة في الشيخ مسكين وعتمان في درعا وجوبر وعين ترما في ريف دمشق، ما دفع الائتلاف إلى اشتراط تطبيق الخطة في حلب وريف دمشق والقلمون، في محاولة للملمة هزائمها.
أما الخطوة الثانية، فتمثلت في عودة أميركا وتركيا إلى التلويح بإقامة المناطق العازلة، ورسائل التطمين الأميركية لإيران في المقابل، بعدم إقامة أي مناطق عازلة من دون موافقتها.
أمام معطيات الواقع العسكري والسياسي، يبدو مسار التطورات كطريق واحد باتجاهين، أولهما الحسم العسكري لمعركة الشمال واستعادة أحياء حلب من المجموعات المسلحة، والثاني خطة تجميد القتال وفق شروط دمشق بإغلاق الحدود التركية.
وفي الحالتين، فإنّ التسليم بأحد الخيارين لن يكون عن طيب خاطر المعارضة السورية وداعميها، بل وفق مقتضيات الأمر الواقع الذي تفرضه التطورات الميدانية على الأرض وهو ما يقود إلى نتيجة واحدة، تحسّن الواقع الأمني والمعيشي في حلب وانتصار الرؤية السورية.