مصالحة سعودية ـ تركية… وهولاند يغازل روسيا ارتباك مصري… ومغريات دور عسكري في ليبيا
كتب المحرر السياسي:
خلط الأوراق الذي يرافق الشهر الأول من السنة سيستمرّ ويتصاعد، فما أعدّته موسكو نهاية الشهر حول الأزمة السورية بالتنسيق مع دمشق أربك المعسكر المقابل، الذي انكفأت واشنطن إلى مشهده الخلفي، وجلست تنتظر نتائج ما تهيّأ للأشهر الأربعة التي أعلن عنها وزير خارجيتها جون كيري، في نهاية مفاوضات فيينا حول الملف النووي الإيراني، أنّ الأشهر الأربعة الأولى من مهلة الشهور السبعة للتوصل إلى التفاهم النهائي ستكون للحلّ السياسي.
على طريق الحلّ السياسي تقدّمت موسكو بتصوّرها للحلّ السياسي في سورية، بدءاً بإعادة تكوين فريق معارض سوري قادر على الانخراط في الحرب على الإرهاب ولو سياسياً، وما يعنيه هذا من فك وتركيب لبنية التشكيلات المعارضة، المتموضعة بين القاهرة وباريس وأنقرة والرياض، بعدما صار السلاح المعارض له عنوان محصور بين «داعش» و»النصرة» المصنفتين إرهابيتين، وقرّرت موسكو فتح الباب لإشراك الجميع، وحجزت لهم مقاعد، فيما يبدو أنّ القيادة التركية لم تسلّم بعد بهزيمة مشروعها الطموح، ولا تزال تسعى للأكثر، عبر السعي إلى تعطيل مسعى موسكو، وهذا يستدعي العودة إلى الحضن الأميركي في ما هو أبعد مدى من حسابات الأزمة السورية، ليطاول تحديد المفاوض الموازي لإيران في الخريطة الإقليمية بعد تراجع الدور «الإسرائيلي»، وصار الأمر بين أنقرة والرياض، والوصفة الأميركية تنسيق وتقاسم أدوار، وجمع متبادل للأوراق، فتسلّمت تركيا مجدّداً دفة الائتلاف المعارض برئاسة تابعة لاستخباراتها، لتعلن رفض حوارات موسكو، بدعم سعودي، مقابل تولي مصر بالتنسيق مع السعودية صرف النظر عن الملف السوري على رغم الإغراءات الروسية، أمام تصنيع دور مصري في ليبيا حمله الأمين العام للجامعة العربية إلى ليبيا، تحت عنوان الدعم العسكري في وجه الإرهاب، وإغراء مصر بالنفط الليبي.
مصر المرتبكة في قراءة دورها، سبقتها فرنسا في قراءة المتغيّرات، فخرج الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند يدافع عن موقف روسيا نافياً اتهامها بالسعي إلى ضمّ شرق أوكرانيا، منتقداً العقوبات التي تطاول روسيا كاشفاً أنها تسبّب الأذى لأوروبا، والاستدراك الفرنسي سينعكس أوروبياً في الملف الأوكراني بالتأكيد مع تراجع ألمانيا عن لغة التصعيد.
خلط الأوراق سيحمل الكثير من المفاجآت، والميدان الذي سيحسم الكثير، يبدو أمام التصعيد السعودي في البحرين واليمن، والتصعيد التركي ـ السعودي في سورية مرشحاً للمزيد من الحماوة، بينما الميدان العراقي يحمل مفاجآت من نوع آخر، هي بداية ثمرات التعاون العراقي الإيراني عسكرياً.
مصر مرتبكة، وخلط أوراق، وتبادل مواقع، وتقاسم جبهات، كلّ ذلك يعني المزيد من الضياع اللبناني، حيث الحوار يستمرّ للحوار، وهذا كاف لتنفيس الاحتقانات، حتى تحين ساعة الحلول البعيدة.
عواصف الطقس تلاقي عواصف السياسة وعواصف خلافات الوزراء المتفجّرة.
الحوارات
في الشأن اللبناني، عقدت مساء أمس في عين التينة، الجلسة الثانية من الحوار بين حزب الله وتيار المستقبل في حضور كل من المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله حسين الخليل، الوزير حسين الحاج حسن، والنائب حسن فضل الله عن الحزب، ومدير مكتب الرئيس سعد الحريري نادر الحريري، الوزير نهاد المشنوق، والنائب سمير الجسر عن «المستقبل»، بحضور الوزير علي حسن خليل. وتحدث بيان صدر في نهاية الجلسة عن «تقدم جدي» في شأن تنفيس الاحتقان المذهبي، كما اتفق الطرفان على دعم استكمال تنفيذ الخطة الأمنيّة على كل الأراضي اللبنانية.
وكانت أوساط المشاركين في الجلسة لفتت إلى «أن إنهاء البحث في المواضيع المطروحة يحتاج إلى الكثير من الجلسات لأن الأمور متراكمة منذ عام 2010».
بدء تنفيذ إجراءات دخول السوريين لبنان
في الأثناء، دخلت آلية فرض تأشيرات على السوريين لدخول لبنان حيز التنفيذ أمس، وشهد مقر الأمن العام عند معبر المصنع في اليوم الأول، زحمة ملحوظة، إذ اصطف السوريون أمام المركز لتسوية أوضاعهم في حين عاد آخرون إلى الداخل السوري لعدم استيفاء مستنداتهم الشروط المطلوبة.
وللتخفيف من تداعيات القرار أوضح وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس «أن القرار لا يتطلب تأشيرة دخول إلى الأراضي اللبنانية من السفارة اللبنانية في دمشق، بل ستمنح على المعابر الشرعية اللبنانية، على أن ينظم السوري وضعه القانوني خلال شهر، عبر الحصول على إقامة عمل لمدة عام، بموجب نظام الكفالة». وفي السياق أشار وزير العمل سجعان قزي لـ«البناء» إلى «أنه في الوقت الذي تعمل الدول على رفع الحواجز بين حدودها لتلاقي الشعوب، يضع لبنان تأشيرات دخول على السوريين». ورأى «أن لجوء الدولة اللبنانية لفرض الفيزا على السوريين، هو لأسباب أمنية، ولضبط الدخول العشوائي للسوريين، وحرصاً على أمن الدولتين، فالاتفاقية اللبنانية السورية الموقعة بين لبنان وسورية لم تعد قابلة للتطبيق في شكل كامل».
ورأى «أن الدولة السورية بحكم الحرب الدائرة فيها لا تسيطر على طول الحدود اللبنانية السورية»، وكذلك الدولة اللبنانية لا تسيطر على كل المعابر»، لافتاً إلى «أنه لا بد من وضع سمات عبور لكي لا تبقى المسألة طليقة، فالتنظيمات الإرهابية من داعش والنصرة هي من يسيطر على الحدود الشرقية مع لبنان».
حروب الوزراء
في غضون ذلك، تصاعدت الحرب الكلامية بين وزير الصحة وائل أبو فاعور ووزير الاقتصاد ألان حكيم على خلفية قضية السكر، تزامناً مع مواجهة بين وزير الزراعة أكرم شهيب ووزير البيئة محمد المشنوق في موضوع مطمر الناعمة. وفيما بدت حلبات الصراع مفتوحة من دون تدخل أي جهة لمعالجة الخلافات، طرحت تساؤلات عن مصير الوضع الحكومي المتجه إلى مزيد من الاهتراء.
فعلى صعيد الأمن الغذائي وبعد موقف الوزير أبو فاعور أول من أمس عن الاقتصاد الورقي، رد الوزير حكيم الذي «وضع النقاط على الحروف» في الجدل بين وزارتي الصحة والاقتصاد حول الأسلوب، فعقد مؤتمراً صحافياً استغرب فيه طريقة العمل في ملف محاربة الفساد والحفاظ على الأمن الغذائي معتبراً أنها «غير مسؤولة ولا نعلم إلى أين ستوصلنا».
وإذ انتقد «المهرجانات الإعلامية من دون التنسيق مع سائر الوزارات ولجنة الأمن الغذائي» دعا إلى معالجة الفساد من أساسه بطريقة التعامل مع الملفات الكبرى الأساسية. وتحدث عن إصلاحات كبرى تمت خلال تسعة أيام في الاهراءات، مؤكداً «وجود صوامع مغلقة وذات عازل تجعل القمح والخبز بألف خير».
ومن مرفأ طرابلس، حيث جال أبو فاعور وأجرى كشفاً على العنابر التي تحتوي مادة السكر جاء الرد على حكيم. فقال انه «يتعاطف معه حتى حدود الشفقة فهو في موقع الضياع بين الإقدام والإحجام بحيث بات في موضع «يكاد المريب يقول خذوني». وأشار إلى أن «مخزن السكر يحتوي على 1083 طناً وهو غير مستوف للشروط ووضعه كارثي ومحتواه منتهي الصلاحية وبعضه من دون تاريخ ولا نعرف إذا ما كان صالحاً أم لا».
وقال: «قانونياً، قبل أن تنتهي صلاحية السكّر بشهرين، يجب عدم دخوله إلى الأسواق للاستهلاك، لكن يتم توزيعه بموجب بيان صادر عن وزارة الاقتصاد للاستهلاك المحلي».
ملف جديد: الإشعاعات الملوثة
أما في مرفأ بيروت، فجاءت مفاجأة من نوع جديد أعلن عنها الوزير علي حسن خليل بكشفه عن ضبط مواد صناعية وأدوات منزلية تحوي نسب إشعاعات ملوثة محظورة وخطيرة جداً على صحة المواطنين، وقد جرى وضع اليد على جزء منها، رافضاً أن يكون لبنان مكباً للنفايات السامة. وأوضح أن «هذه المواد عبارة عن صناديق تحتوي أدوات من شوك وسكاكين وملاعق فيها مواد مسرطنة». وأعلن أنّ «الملف سيُحال إلى التحقيق، والشركات المستوردة ستتعرّض للمحاسبة».
المطمر بين المشنوق وشهيّب
بدوره، عقد الوزير محمد المشنوق مؤتمراً صحافيا اثر استعراض ملاحظات حزب الكتائب على خطة النفايات ودفاتر شروط المناقصات فأوضح أنّ هناك حلين متاحين إما متابعة العمل بالقرار 46 والسير بالمناقصات أو إلغاء بعض بنوده وإبلاغ وزارة الداخلية والبلديات المعنية بتحمّل موضوع إدارة النفايات من ألفه إلى يائه، وأعلن أن «الخطة إذا لم تقرّ يوم الخميس في اجتماع مجلس الوزراء فسأتظاهر مع الناس». وجاء الردّ سريعاً من الوزير أكرم شهيب الذي قال: «يدرك معالي الوزير الصديق، أننا قدمنا الكثير ولم نبخل ولنا الحق برفع الصوت والقول: كفى، فالفرصة التي أعطيت لإيجاد الحلول كانت كافية ولا يمكن تحمّل المزيد، ويدرك معاليه أيضاً أنّ بيروت قادرة حالياً على إدارة نفاياتها وكذلك الضاحيتان وأن البلديات قادرة أيضاً على إدارة نفاياتها في شكل ملائم إلى حين إنجاز الحل الشامل. إلى ذلك الحين لا تمديد للعمل في مطمر الناعمة. مطمر الناعمة أصبح من الماضي».
والسلسلة مجدداً
في مجال معيشي آخر، بدأ وزير التربية والتعليم العالي الياس بوصعب سلسلة اتصالات مع رؤساء الكتل السياسية لتحريك ملف سلسلة الرتب والرواتب. وأشار لـ«البناء» إلى «أنه سيعمل على إقرار سلسلة متوازنة بعيداً عن المزيدات السياسية والضغط في الشارع». ولفت إلى أن وفد صندوق النقد الدولي نصح وزير المالية علي حسن خليل بإقرار السلسلة لأنها تؤمن موارد جديدة»، مشيراً إلى «أن خليل أعلن أن لا عائق مالياً أمام إقرارها».