لبنان أمام مثلث الخطر من عرسال إلى الشمال وعين الحلوة
كتب المحرر السياسي
بينما أنجزت السعودية بسرعة قياسية ترتيبات الدفن والتنصيب، والبيعة، واتبعتهما بمراسيم ملكية عاجلة وفورية تكتمل معها عدة اقتسام الحكم التي بدا أنها قد أنجزت بالتفاهم بين الملك والراحل وشقيقيه الراحلين سلطان ونايف وشقيقيه المؤتمنين على التنفيذ سلمان ومقرن، جاء تعيين الأمير محمد بن نايف ولياً لوليّ العهد، ليكمل وجود الأمير خالد بن بندر بن عبد العزيز في الاستخبارات، وتعيين الأمير محمد بن سلمان وزيراً للدفاع ورئيساً للديوان الملكي، ووجود الأمير متعب بن عبدالله في قيادة الحرس الوطني، بانتظار حسم مصير وزارة الخارجية بين بقاء الأمير سعود الفيصل أو تعيين الأمير عبد العزيز بن عبدالله مكانه.
بدا من التسارع والاختيارات أنّ الأمر أبعد من مجرّد تقاسم سلطة بين أبناء الملك المؤسّس عبد العزيز، وتوزيع المناصب على أحفاده، مع ظهور الجيل الثالث في الصف الأول لأول مرة بتعيين الأمير محمد بن نايف ولياً لوليّ العهد، بل تشير الوقائع والأسماء إلى استعادة شبيهة لكيفية تعيين الأمير مقرن ولياً لوليّ العهد عشية زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى السعودية العام الماضي، ما يوحي أنّ تفاهماً وترتيباً رعتهما واشنطن لمرحلة ما بعد الملك عبدالله، يتخطيان التقاسم الذي يضمن الاستقرار، بقدر ما يضمن السياسات، والاطمئنان إلى التوجهات، حيث يذكر الثنائي المكوّن من الأمير مقرن والأمير محمد بن نايف، المرشحان للتحوّل إلى ملك ووليّ عهد، بالثنائي المكوّن من الأميرين فهد وعبدالله في عهد الملك خالد، مع فوارق مكانة وقوة السعودية يومها قياساً بضعف وتراجع مكانتها اليوم، وحجم هوامش حركة الأميرين فهد وعبدالله يومها، بهوامش أضيق ستحكم حركة الأميرين مقرن ومحمد بن نايف اليوم، خصوصاً أنّ العلاقة التي تربط كلاً من الأميرين مقرن ومحمد بن نايف بواشنطن وعلاقتهما الخاصة بالملفات الأمنية، تشير إلى أنّ تبدّلاً في تعامل المملكة مع ملفات المنطقة يبدو في الأفق بما ينسجم مع التوجهات الجديدة لواشنطن، والتي يتقدّمها الملف المتسارع للتفاهم مع إيران وما يترتب عليه من إعادة تموضع في الكثير من القضايا الساخنة.
بانتظار تبلور المشهد السعودي وملامح وحدود التغيير فيه، يخيّم الجمود على المنطقة، حيث اللاعب الأهمّ في المثلث السعودي التركي «الإسرائيلي» منشغل بترتيبات البيت الداخلي، وضمان الاستقرار لمرحلة الانتقال، ويبدو التركي و»الإسرائيلي» الأشدّ ارتباكاً في وقت تتدحرج فيه عليهما الاستحقاقات، حيث تحتاج «إسرائيل» أمام تحدّي ما بعد عملية القنيطرة إلى تغطية سعودية لمواجهة فرضيات المواجهة مع المقاومة ومحورها من لبنان وسورية إلى فلسطين وإيران، بينما ترتبك تركيا ما قبل بدء حوارات موسكو بين الحكومة السورية وأطراف من المعارضة، حيث تحتاج إلى التشارك مع السعودية لضمان تغطية المقاطعة لفرقاء آخرين ومنع التصدّع في بنية الائتلاف المعارض، والأمر بالنسبة إلى السعودية ليس أنّ الملفات كانت بيد الملك ولا يعرفها الآخرون، فرجال هذه الملفات ما زالوا في مواقعهم، لكن التنسيق الأميركي السعودي الذي كان له سقف بوجود الملك بات له سقف جديد هو الذي سيتبلور ويرسم السياسات التي تتجمّد كثير من ملفات المنطقة بانتظار تبلورها.
لبنان الذي يقع بين لائحة المنتظرين، من هذه الزاوية لم يقع في الجمود، فلا يزال وقع شهادة مقاتلي المقاومة في عملية القنيطرة يوحّد النسيج السياسي والاجتماعي اللبناني بصورة نسبية، لكنها على هذه الدرجة من النسبية لم تعرف من قبل في حالات مشابهة من الاعتداءات «الإسرائيلية»، ولا يزال لبنان تحت عين التهديدات «الإسرائيلية»، التي كان آخرها كلام وزير الحرب موشي يعالون عن تحميل دول الحدود الشمالية مسؤولية أيّ عمل يستهدف «إسرائيل» من أراضيها، قاصداً لبنان وسورية، وما يمكن أن تردّ به المقاومة على العملية.
لم تستبعد مصادر أمنية أن يكون ثمة اتفاق ضمني متكامل بين «إسرائيل» والجماعات الإرهابية على العمل معاً وفقاً لخطة عسكرية أمنية، إذا وقعت مواجهة مقبلة بين المقاومة و»إسرائيل».
لذلك ترى هذه المصادر أنّ التوقيت له معنى، وأنّ تسخين الجماعات التابعة لـ»النصرة» و»داعش» يواكب التهديدات «الإسرائيلية» من أطراف مثلث الخطر الممتدّة من شمال لبنان حيث الخلايا النائمة تستهدف الجيش بصورة شبه يومية، إلى مخيم عين الحلوة حيث الجمر تحت الرماد وصولاً إلى عرسال حيث النار المشتعلة، وحيث المواجهة المفتوحة.كما كان متوقعاً نظراً لعدم حسم المعركة مع الإرهابيين، وما أوحت به محاولات تسلل المسلحين اليومية نحو مراكز الجيش في عرسال، فضلاً عن العدد الكبير للسيارات المفخخة التي زرعوها بالقرب من الحواجز العسكرية، استهدف الإرهاب مجدداً الجيش في رأس بعلبك حيث دارت على مدى ساعات اشتباكات عنيفة أدت إلى استشهاد ضابط وأربعة عسكريين، بالإضافة إلى عشرات القتلى والجرحى في صفوف المسلحين.
فقد هاجمت أمس مجموعات مسلحة في جرود السلسة الشرقية، أفادت معلومات أن عددهم تراوح بين 350 إلى 400 إرهابي، مركزاً للجيش في تلة الحمرا في رأس بعلبك وسيطروا عليه بعد تبادل إطلاق النار مع حاميته. ودفع الجيش بتعزيزات بشرية وعسكرية إلى الميدان حيث تمكن من استعادة الموقع ولاحق الإرهابيين في تلة الحمرا مستهدفاً إياهم بالطيران والمدفعية ، كما دمّر خمس آليات للمسلحين وأوقع عدداً من القتلى والجرحى من بينهم قادة من مسلحي «جبهة النصرة». كما شن هجوماً معاكساً على مواقع الإرهابيين في منطقة الواسعة في تلة الحمرا، وقام بدك المواقع بالصواريخ البعيدة المدى والمدفعية الثقيلة.
وأوضح الجيش في بيان أن مجموعات من التنظيمات الإرهابية هاجمت مركز مراقبة متقدماً جداً للجيش في تلّة الحمرا في جرود رأس بعلبك لجهة الحدود اللبنانية السورية، وبنتيجة الاشتباكات العنيفة التي حصلت بين قوى الجيش والمجموعات الإرهابية، أحكمت قوى الجيش سيطرتها على التلّة المذكورة، بعد أن قامت بطرد العناصر الإرهابية التي تسلّلت إليها، موقعةً في صفوفها عدداً كبيراً من الإصابات بين قتيل وجريح. وقد سقط للجيش من جراء الاشتباكات عدد من الشهداء والجرحى.
وتستمر وحدات الجيش تعزيز إجراءاتها واستهداف نقاط تجمع المسلحين ومسالك تحركهم في أعالي الجرود رأس بعلبك بالأسلحة الثقيلة، بالإضافة إلى تمشيط منطقة الاشتباكات بحثاً عن مسلحين مختبئين.
وفي بيان لاحق نعت قيادة الجيش – مديرية التوجيه، العسكريين الذين استشهدوا في المعركة وهم:
الملازم الأول أحمد محمود طبيخ دورس – قضاء بعلبك، الرقيب محمد نيازي ناصر الدين الكواخ – قضاء الهرمل .
الجندي بلال خضر أحمد شان – قضاء عكار ، المجند محمد علي علاء الدين جديدة مرجعيون ، المجند حسن رمضان ديب تكريت عكار . في حين ذكرت معلومات أنه سقط من المسلحين ستون قتيلاً وعشرات الجرحى.
وتابع رئيس الحكومة تمام سلام في اتصال هاتفي مع قائد الجيش العماد جان قهوجي آخر التطورات في منطقة رأس بعلبك. وأكد سلام دعمه الكامل للجيش في ما يقوم به دفاعاً عن لبنان وصوناً لأمن اللبنانيين. وشدد على «أن اللبنانيين يقفون صفاً واحداً وراء جيشهم وليس أمامهم من خيار سوى الانتصار في هذه المعركة المفروضة عليهم، ولن يسمحوا لحفنة من الإرهابيين بكسر قناعتهم الوطنية والعبث باستقرارهم».
باب الإمارة الشمالية
وأكدت مصادر عسكرية لـ»البناء» أن العملية تميزت برد فعل عسكري سريع، وبهجوم معاكس قاربه الجيش على تلة الحمرا وتموضعه على حدود التلة»، مشيرة إلى «أن التقدم إلى معاقل المجموعات الإرهابية على الحدود ينتظر تقدير الموقف السياسي المبني على الوضع السياسي والعملياتي».
وفي السياق، أكدت المصادر «أن جبهة النصرة تحاول إعادة فتح المحور الشمالي- الشرقي للوصول إلى منطقة الشمال عبر رأس بعلبك – القاع، عند حدود بلدة القصر اللبنانية التي تقع عند حدود بلدة القصير السورية، لتشكيل قاعدة انطلاق نحو شمال لبنان، لإقامة إمارة في الشمال، وهذا ما يفسر الهدوء النسبي الذي يسيطر على الشمال».
وأكدت المصادر»أن العملية التي نفذتها جبهة النصرة فشلت مبدئياً عندما وضع الجيش يده على السيارة المفخخة في عرسال أول من أمس، وهذه كانت جزءاً من العملية التي كانت ستنفذ في رأس بعلبك».
وأشارت المصادر «أن الأخطر من ذلك ارتباط جبهة النصرة بقيادة المنطقة الشمالية في إسرائيل من خلال مواءمة العمليات الإسرائيلية مع جبهة النصرة». واعتبرت أن هذه العملية «تأتي خدمة للتكتيك الإسرائيلي، بعد تنفيذ عملية القنيطرة، والحشد الشعبي الكبير الذي شارك في تشييع الشهداء، إذ تحاول إسرائيل تنفيس الحالة المعنوية التي أعقبت العدوان بعملية أمنية في الحدود الشرقية».
وشددت المصادر على «أن منطقة تلة الحمرا فتحت محوراً جديداً لا سيما أنها تقع شمال منطقة عرسال- اللبوة، وتعتبرها جبهة النصرة خاصرة رخوة عبر رأس بعلبك القاع».
وأشارت مصادر عسكرية أخرى إلى «أن المسلحين أرادوا اختبار الوضعية العسكرية الجديدة بعد زيارة قائد الجيش عرسال، فضلاً عن أن هؤلاء يحاولون الضغط على الجيش للتراجع لتصبح حركتهم اتجاه عرسال أكثر مرونة، بعد عجزهم أمام قوات الجيش السوري الذي منعهم وحزب الله في القلمون، من اتخاذ أي موطئ قدم في القلمون».
… وتحذير «إسرائيلي» للبنان وسورية
وترافق العدوان التكفيري الإرهابي على الجيش مع تحذير «إسرائيل» كلاً من لبنان وسورية من السماح بشن هجمات عليها من أراضيهما. وأوضح وزير الحرب «الإسرائيلي» موشيه يعلون في بيان أن «إسرائيل ستعتبر الحكومات والأنظمة والمنظمات المتاخمة لحدودها الشمالية مسؤولة عما ينطلق من أراضيها». وأشار إلى أن «إسرائيل» ستنتزع ثمناً في مقابل أي ضرر يلحق بسيادتها ومدنييها وجنودها».
وتزامن هذا التهديد مع استقدام العدو مزيداً من التعزيزات البشرية والعسكرية إلى الحدود مع لبنان وسورية.
على خط آخر، تتابع الأجهزة الأمنية رصد الوضع في مخيم عين الحلوة الذي لجأ إليه الإرهابي شادي المولوي في ظل تناقض التصريحات الفلسطينية حول هذا الأمر. فبعدما كانت «عصبة الأنصار» صرحت بأن المولوي موجود في المخيم، لفت عضو اللجنة المركزية في حركة فتح عزام الأحمد إلى أنه لم يسمع من ممثل «العصبة» في اجتماع الفصائل الفلسطينية في السفارة الفلسطينية أول من أمس أن المولوي موجود في المخيم. وشدد الأحمد بعد لقائه أمس وزير الداخلية نهاد المشنوق والعماد قهوجي على أن يكون حل قضية المطلوبين سياسياً وليس أمنياً، متوقعاً أخباراً جيدة خلال الساعات المقبلة.
في غضون ذلك، عزز الجيش إجراءاته الأمنية على مداخل المخيم ودقق في السيارات وهويات الداخلين والخارجين منه.
حوار عون – جعجع يختلف عن التفاهم مع حزب الله
سياسياً، يلتقي رئيس جهاز الإعلام والتواصل في «القوات اللبنانية» ملحم رياشي، الأسبوع المقبل رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون في الرابية، في حضور النائب إبراهيم كنعان، لمتابعة البحث في ورقة العمل المقدمة من الطرفين. وأشار كنعان لـ»البناء» إلى «أن اللقاء سيعقد بعد انتهاء الطرفين من وضع الملاحظات على المسودة»، مشيراً إلى «أن العمل جار على تنظيم العلاقة مع القوات المقطوعة منذ سنوات وإيجاد قواسم مشتركة في ظل الخلافات الجوهرية على الكثير من الأمور»، واعتبر «أن الحوار مع القوات يختلف عن ورقة التفاهم التي وقعت بين حزب الله والتيار الوطني الحر».