جيرو «تيتي تيتي»… وعين الحلوة جمر تحت الرماد

كتب المحرر السياسي:

لا تطوّرات دراماتيكية في الملفات الإقليمية، من اليمن إلى سورية ولبنان، والأضواء تتجه اليوم إلى القمة الروسية الألمانية الفرنسية المخصصة للأزمة الأوكرانية في موسكو، بعدما بدا أنّ الرهانات قد جرى اختبارها، وأنّ الدعم التسليحي الغربي للجيش الأوكراني، لم يفعل سوى استدراج دعم عسكري روسي أشدّ زخماً لجمهوريات شرق أوكرانيا، ودخول الحرب الأهلية بالتالي مرحلة من التصعيد، لا أفق لحلّ العسكري فيها، وتقدم فرص التسوية في أوكرانيا سينعكس استرخاء في الحبال المشدودة بين واشنطن وموسكو، بعدما أعلنت أوروبا بلسان فرنسا وألمانيا وقف التسليح وتشجيع الحلّ السياسي، وهو ما لا يمكن أن يتمّ من دون موافقة ورضا أميركيين.

على ضفة موازية نحو التفاهمات، يلتقي وزيرا خارجية أميركا وإيران غداً السبت في ميونيخ، بألمانيا، لمنح المفاوضات حول الملف النووي التي بلغت مراحلها النهائية الدفع اللازم لبلوغ النهايات المنتظرة، وعلى الهامش، محاولة لمنح مساعي التسويات والتفاهمات كما تتوقع مصادر الإعلام الأميركي، شحنة دفع بعد زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما والوفد الذي كان كيري في عداده للسعودية، وما تضمّنته المحادثات في الرياض حول أهمية الحوار الإيراني السعودي، خصوصاً مع التصعيد الذي تدخله الملفات الإقليمية وما تثيره من قلق، وفي المقدمة الوضع في اليمن، حيث يفشل المبعوث الأممي جمال بن عمر في التوصل إلى ملامح تسوية يرتضيها جميع الأطراف، بعدما رشحت معلومات عن التوصل المبدئي للتفاهم على مجلس رئاسي، قيل إنّ الرئيس السابق علي ناصر محمد هو المرشح الأبرز لرئاسته، قبل أن يضع «الإخوان المسلمون» فيتو على الاسم والصيغة وأدخلوا أطرافاً جديدة للشراكة في التشاور، فأعادوا النقاش إلى البدايات، بينما توقعت مصادر يمنية متابعة وعلى صلة بالتشاور والمحادثات أن يمدّد التيار الحوثي مهلته الممنوحة للقوى السياسية لملء الفراغ الدستوري حتى يوم غد السبت وعلى أبعد تقدير يوم الاثنين المقبل.

وكان الاجتماع الأخير قد انفضّ منتصف ليل أمس، في مناخات متوترة من دون الإعلان عن تمديد المهلة، أو العودة للتشاور، ما دفع الأوساط القريبة من التيار الحوثي الذي يستشعر أنّ كلّ شيء يجري للمماطلة، وضرب صورته الشعبية ومصداقية المهل التي وضعها لخطوات لاحقة، ما يفتح الباب للخيارات البديلة التي لوّح بها التيار، عبر المبادرة لتشكيل مجلس انتقالي يدير البلاد وإبقائه مفتوحاً أمام الراغبين في المشاركة في إدارة المرحلة الانتقالية.

في مناخ الارتباك الذي تعيشه الجماعات التابعة للسعودية، من اليمن إلى لبنان، تعرّضت العاصمة السورية، لحفلة جنون من ميليشيات زهران علوش رجل السعودية الأبرز، ربطتها مصادر متابعة بعلاقته مع بندر بن سلطان الذي صار مجرّد وكيل للمصالح «الإسرائيلية»، بعد خروجه من كلّ المسؤوليات التي بقي يشغلها منذ أكثر من ثلاثة عقود كرجل الاستخبارات الأول في السعودية، ويقوم بتقديم أوراق اعتماد جماعته لحساب «إسرائيل»، التي تبحث عن جهات تنفذ طلباتها الاستخبارية ضدّ الجيش السوري والمقاومة، تفادياً لتحمّل التداعيات مباشرة، حيث تساقطت القذائف الصاروخية على الأحياء السكنية والطرق العامة في دمشق، مع ساعات الصباح موقعة الإصابات بالعشرات بين شهداء وجرحى، قبل أن تتدخل الأسلحة الصاروخية للجيش السوري وتدمّر العديد من المرابض، ويحسم الطيران الحربي السوري الوضع قرابة العاشرة صباحاً ليعيد الهدوء ويواصل عملياته الميدانية، من دون أن يسجل سقوط المزيد من القذائف على أحياء دمشق التي استهدفها علوش وميليشياته في الصباح الباكر.

مناخ الارتباك نفسه، وعملية التسليم والتسلّم بين بندر و«الإسرائيليين»، تبدو موضع متابعة من الأجهزة الأمنية اللبنانية، التي تبدي القلق لتحركات مشبوهة لجماعات مسلحة، بعضها يحمل العنوان الإسلامي، وينسّق مع «داعش» و«النصرة»، وبعضها يختبئ وراء التنظيمات الفلسطينية الأساسية، ولا تخفى مرجعياته الإقليمية وصلتها ببندر.

عين الحلوة هي الهدف حيث الجمر تحت الرماد، كما يقول مصدر أمني مطلع، وحيث لا مرجعية فلسطينية قادرة على الإمساك بالوضع، بسبب توزع قدرات حركة فتح بين قيادة رام الله من جهة، والتشكيل التابع لمحمد دحلان من جهة مقابلة.

على إيقاع هذه المناخات المشوشة، والانتظارية، والمرتبكة، كانت زيارة المبعوث الفرنسي جان فرانسوا جيرو للبنان حول الملف الرئاسي، مشوشة وانتظارية ومرتبكة، حاول إخفاءها بالحديث بلغة من الجدية عن قرار دولي بحسم الاستحقاق الرئاسي اللبناني، مدعياً تولي حكومته مهمة تمثيل تفاهمات دولية وإقليمية، تمنح اللبنانيين فرصة تولي الأمر بأيديهم وإلا، بينما ذهب أحد المراجع الذين التقاهم جيرو إلى وصف مهمته، بـ»تيتي تيتي متل ما رحتي جيتي»، وأوضح قصده، أنّ جيرو يعود إلى باريس بمثل ما أتى منها، ولكنه في الأصل جاء بمثل ما غادرنا المرة الماضية.

لبنانياً، أنهى مدير دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وزارة الخارجية الفرنسية جان فرنسوا جيرو زيارته لبنان المتعلقة بالاستحقاق الرئاسي، بلقاء مع رئيس تيار المرده سليمان فرنجية، وغادر إلى باريس لإطلاع المسؤولين الفرنسيين على نتائج محادثاته في بيروت، على أن يتوجه يوم الاثنين المقبل إلى الفاتيكان للقاء البطريرك الماروني بشارة الراعي والمرجعيات الفاتيكانية التي تضغط لإتمام الاستحقاق الرئاسي.

تهديد بالدول الكبرى

وشدّد جيرو بحسب بيان للسفارة الفرنسية، على «قلق فرنسا، في إطار التزامها الدائم إلى جانب لبنان، إزاء النتائج السلبية المترتبة على اختلال العمل المؤسساتي الذي يعاني منه هذا البلد، بما في ذلك المساعي الهادفة إلى وضع الدعم الثنائي والدولي موضع التنفيذ بطريقة فعّالة.»

وأضاف البيان أن جيرو «ذكّر بتجنيد كافة الإمكانات الفرنسية من خلال الاتصالات المستمرة مع الأطراف كافة، في إطار مساع حميدة تحترم السيادة اللبنانية، وذلك من أجل تسهيل التوافق بهدف التوصل إلى حل للعرقلة المؤسساتية والسياسية التي تشهدها البلاد. ومن المهم أن تتحلى جميع الأطراف المعنية بحس المسؤولية على هذا الصعيد».

وفي ما يتعلق بالانتخابات الرئاسية، ذكر جيرو «بأن فرنسا، وفقاً لالتزامها دعم سيادة لبنان، ليس لديها أي مرشح ولا تضع أي فيتو. كما تطرق مع محاوريه المؤسساتيين والسياسيين إلى المراحل المقبلة في هذه المهمة التسهيلية».

وأكدت مصادر مطلعة على الحراك الفرنسي، «أن زيارة جيرو إلى لبنان المقبلة لن تكون استشارية بل ستكون زيارة علم وخبر بانتخاب الرئيس». وشددت المصادر على «أن موضوع الاستحقاق الرئاسي لن يبقى في الملعب اللبناني لفترة طويلة»، مشيرة إلى أن «القوى المؤثرة والفاعلة في الملف اللبناني أمهلت الأطراف السياسية اللبنانية حتى نهاية شباط الجاري للاتفاق على رئيس، وإلا فإنها ستتحرك بعد هذا التاريخ للضغط باتجاه انتخاب الرئيس». وتحدثت المصادر عن توافق أميركي سعودي- إيراني- سوري على أهمية انجاز هذا الاستحقاق». وقالت المصادر: «إن جيرو دعا رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون إلى تسهيل انتخاب رئيس الجمهورية لأن هناك قراراً دولياً بذلك»، مشيرة إلى «أن اللقاء لم يكن جيداً بين جيرو والعماد عون».

الآلية للقضايا الحكومية التفصيلية

وفي موازاة «التهديد الفرنسي»، طرحت آلية عمل الحكومة على النقاش مجدداً. وأكد وزير الدولة لشؤون مجلس النواب محمد فنيش لـ«البناء» «أن لا شيء محدداً حتى الساعة»، مشيراً إلى «أن رئيس الحكومة تمام سلام طرح هذا الموضوع في مجلس الوزراء، والأمر قيد التداول والنقاش».

أما وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس فأشار لـ«البناء» إلى «توجه الرئيس سلام لتغيير آلية العمل في الحكومة لجهة التصويت»، لكنه اعتبر «أن الأمر لن يسير فهو بحاجة إلى إجماع الذي يتطلب قراراً سياسياً». ولفت إلى «أن النقاش يدور حول التصويت بالإجماع على القضايا الميثاقية، على أن تخضع القضايا الأخرى لنظام مجلس الوزراء للتصويت». وإذ أكد «أن القضايا السياسية الكبرى يمر عليها الوزراء مرور الكرام، ولا يختلفون عليها»، شدد على «بروز المشاكل في القضايا التفصيلية، لدرجة أن الحكومة تكاد أن تفرط».

وكان سلام توجه أمس، إلى ألمانيا للمشاركة في مؤتمر ميونيخ للأمن.

في الأثناء بدأت النتائج الأولية للحوار القائم بين حزب الله وتيار المستقبل والهادف إلى تنفيس الاحتقان، بالظهور في الشارع من خلال انطلاق حملة إزالة الشعارات والأعلام الحزبية في العاصمة والمناطق من دون حدوث أي إشكالات. وأشرف المحافظون على تنفيذ القرار الذي أصدره وزير الداخلية نهاد المشنوق في هذا الشأن.

ملفات الغذاء والفساد والجامعة

على خط آخر، تواصلت أمس حملة سلامة الغذاء ومحاربة الفساد في دوائر الدولة. وفي هذا الإطار أقفل محافظ بيروت زياد شبيب سوق السمك في الكرنتينا «لعدم احترامه شروط سلامة الغذاء في داخله»، وفي ضوء تقرير من مصلحة الصحة في بلدية بيروت يفيد بوجود حشرات وقوارض وغيرها في السوق. وعلى الفور تحرك بائعو الأسماك احتجاجاً فقطعوا أوتوستراد المرفأ ملوحين بخطوات تصعيدية إذا لم يتم التراجع عن القرار إلا أنهم أعادوا فتحها بعد نصف ساعة.

بدوره، ضبط وزير المال علي حسن خليل في الدوائر الضريبية والمالية تواقيع وأختاماً مزورة باسم هذه الدوائر فأرسلها إلى النيابة العامة التمييزية لاتخاذ المقتضى. كما أقفل مراقبو وزارة الصحة بالشمع الأحمر شركة مستوردة للأدوات الخاصة بزرع الأسنان في منطقة الجديدة لوجود عدد كبير من الأصناف المعقمة المعدة لإعادة التوضيب من دون ترخيص قانوني للشركة.

أما على صعيد الجامعة اللبنانية فقد تفاعلت قضية تعيين رئيس الجامعة الدكتور عدنان السيد حسين عدد من المدراء وإقالة مديرين في بعض الكليات، والتي وصفها وزير التربية والتعليم العالي الياس بو صعب بأنها «غير مدروسة»، مشيراً إلى أنها خلقت «حالة طائفية» في الجامعة.

وقال: «إن عدد المشاكل والشكاوى الذي يصلنا من بعض عمداء الجامعة حول كيفية التعاطي مع القرارات الأساسية ضمن مجلس الجامعة ينذر بضرورة معالجة هذا الوضع بأسرع وقت ممكن في هذه المؤسسة التي عملنا بكل قوانا لانتخاب مجلس عمداء بالأصالة ليتولى مهامه الوطنية والأكاديمية في إدارتها بعيداً من التجاذبات الفئوية والطائفية».

وكان السيد حسين أوقف العمل بقرار تعيين أنطوان طنوس مديراً لكلية إدارة الأعمال بطرابلس، وطلب من مجلس الفرع تولي الإدارة حتى تعيين آخر. وسيصار إلى إعادة النظر ببعض تعيينات المديرين في الشمال.

أما على صعيد ردم الحوض الرابع في مرفأ بيروت، فقد شكل تكتل التغيير والإصلاح لجنة استشارية وقانونية مؤلفة من النائبين إبراهيم كنعان وغسان مخيبر والوزيرين السابقين سليم جريصاتي وفادي عبود لمتابعة هذا الموضوع.

بلبلة أمنية في صيدا

أمنياً، حدثت بلبلة في صيدا أمس بعد إطلاق إشاعة عن أن الإرهابي محمود عبد الكريم حميد الذي عمم الجيش صورته أول من أمس سينفذ عملاً أمنياً في محيط الجامعة اللبنانية ما استدعى انتشاراً أمنياً كثيفاً في المحيط قبل أن يتبين عدم صحة الخبر.

من جهته أكد رئيس بلدية عرسال علي الحجيري أن الانتحاري حميد، ليس في عرسال ولا يعرف عنه شيئاً منذ شهرين.

إلى ذلك، قصف الجيش مواقع المسلحين في جرود عرسال بالأسلحة الصاروخية وقذائف المدفعية الثقيلة بعد رصد تحركات لهم.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى