السعودية سلاح أميركي دائم للمزيد من التفتيت
د. وفيق ابراهيم
يستنتج المتابع لتطور السياسات السعودية، منذ خمسينات القرن الماضي، أنّ آل سعود يستكملون الفتوحات الإسلامية التي بدأت قبل أربع عشرة قرناً ونيّف. وقد يتوهم المتابع أيضاً أنّ هذه العائلة التي تحمل زوراً راية «السنّة»، في صدد شنّ حرب لا هوادة فيها على ما يعتري الأمة من فقر وجهل وأمية وتخلّف وديكتاتورية.
أما سبب هذا الاستنتاج، فهو جنوح المملكة إلى تشكيل حلف زعمت أنه «سنّي» لمحاربة «الإرهاب» يفترض أن يضم ثلاث دول قوية هي مصر وتركيا والسعودية وعشرات الدول الصغرى.
وهنا تجدر الملاحظة، إلى أنّ أمنية العالم الإسلامي أن يحمل قادته مشروعاً لتطوير أبنائه من أهل السنّة والجماعة ومجمل الفئات الإسلامية والمسيحية، على المستويات الاقتصادية والعلمية والسياسية، لكنّ الواضح أنّ لكلٍّ من الرياض والقاهرة وأنقرة اهتمامات خاصة وحصرية لا علاقة لها باهتمامات الفقراء والمظلومين. أليست الأنظمة الديكتاتورية هي التي تنتج الفقراء والبائسين وتمنع التطور العلمي والاقتصادي؟
لقد اكتشف آل سعود أنّ في إمكانهم خلق تفتيت جديد في المنطقة يخدم الرعاة الدوليين. وهل هناك أفضل من رفع لواء «السنّة»؟ إنما ضدّ مَن؟ ولمصلحة مَن؟ من هم الآخرون المعادون لأهل الجماعة؟
هل هي روسيا؟ وما مصلحتنا في إرباكها وإضعافها بخفض أسعار النفط وتحريك الأقليات الإسلامية فيها؟ وما حاجتنا إلى وضع أسوار طائفية مذهبية في وجه العملاق الصيني وإثارة أقلياته الإسلامية؟ وما الهدف من تحريك مسلمي الهند؟
أما إيران فقصتها كبيرة، فلماذا نقبل بمئات الرؤوس النووية «الإسرائيلية» ونرفض مشروعاً إيرانياً مستجدّاً؟ وكيف ننحني أمام القواعد الأميركية وتدمير العراق وأفغانستان وباكستان، ونتهم إيران بأنّ لديها نيات توسعية؟
وإذا أردنا العودة إلى اهتمامات الدول الكبرى في المحور السعودي «الوهمي»، نبدأ من مصر التي يبحث نظامها السياسي عن نوعين من الاستقرار السياسي والاقتصادي: الأول يعني بالنسبة إليها القضاء على الإرهاب «الإخوان المسلمين» في مصر و«الإرهاب الإسلاموي» عموماً، أما الثاني فهو تأمين مساعدات لسدّ جوع نحو 50 في المئة من المصريين يقبعون تحت خط الفقر. وهناك بعدٌ ثالث يتجسد بمحاولات مصرية لاستعادة الدور الإقليمي المفقود منذ إقرار معاهدة «كامب دايفيد» مع «إسرائيل».
وبالنسبة إلى تركيا، فلها أولويات متعدّدة، أهمها القضاء على احتمالات نشوء دولة كردية في سورية والقسم الكردي من تركيا والعراق والقضاء على النظام السوري الذي يشكل سدّاً منيعاً يحول دون تأسيس نظام كونفدرالي «للإخوان المسلمين» بزعامة حزب أردوغان التركي أي «العدالة والتنمية»، أما «داعش» فهو وسيلة تركية من أجل تحقيق الغرضين المذكورين أعلاه. وعندما يتحققان، يقبل الجيش التركي المشاركة في القضاء على «داعش» وأشباهه.
على المستوى السعودي، تتحدث أدبيات الرياض عن خطر «إرهاب» لا تزال حتى الآن تحوله وتساعده وترعاه لأنّ أهدافها الحقيقية موجودة في أمكنة أخرى، فأولويات آل سعود هي كالآتي: تحجيم إيران وإسقاط النظام السوري وسحق حزب الله وتقسيم اليمن وإنهاكه وتقسيم العراق، لذلك تبدو أدوات مثل «القاعدة» و«داعش» وغيرهما، وصفات سحرية تحقق آمال آل سعود بتمويل مكثف وفتاوى وهابية تحرض الأخ على أخيه والأب على بنيه.
من هذه الزاوية، يمكن فهم التحرك السعودي المتجه إلى تشكيل حلف تدعي أنه «سنّي» لمحاربة إرهاب لم تحدّد مواصفاته، وكأنّ المذاهب الأخرى تؤيد الإرهاب، في حين أنّ الوقائع تظهر أنها مستهدفة منه أكثر من بلدان الخليج وتركيا، فمن الذين يذبحهم الإرهاب في العراق وسورية، أليسوا من المسيحيين والأيزديين والأشوريين والأكراد والشيعة والسنّة الرافضين للإرهاب؟
وبالعودة إلى القواسم المشتركة بين الأركان الثلاثة يتضح أن لا وجود لها بين الأنظمة المصرية والسعودية والتركية، فأنقرة لن تتخلى عن «الإخوان المسلمين» إلا ظاهرياً، وها هو مدير الاستخبارات الأميركية يقول منذ عدة أيام إنّ ستين في المئة من الإرهابيين يمرّون بتسهيلات تركية نحو سورية، أليْسَ لهذا الكلام معنى ومغزى؟
أما مصر، فلن تسمح لـ«الإخوان» باستئناف أنشطتهم على أراضيها، لأنّ أي هدنة معهم كفيلة بعودتهم إلى الساحة المصرية بقوة.
وبذلك تبدو الرياض كمن يغرّد خارج سربه، ولن تجد مؤيدين أقوياء إلى جانبها في خطة الإطاحة بإيران وتحالفاتها، ويكفي أنّ الرئيس السياسي رفض طلبها بالموافقة على طلب إسقاط النظام السوري لأنّ هذا لا يعني، في رأيه، إلا انهيار الدولة وتفتيتها وهذا ما تريده الرياض بالضبط، وهذا ما تفعله في اليمن والعراق.
وبالاستنتاج يتضح أنّ ما يسمى «الحلف السنّي» هو مجرد تطور جديد في السياسات السعودية التي تبنت في خمسينات القرن الماضي مشروع «الإسلام في وجه الشيوعية»، وتالياً مشروع «الأمة الإسلامية» في وجه الخط القومي وخصلة «الجهادية الإسلامية» للتصدّي للغزو السوفياتي لأفغانستان، وها هي اليوم تتبنى شعار «أهل السنّة» لتحريك الإسلام السنّي ضدّ روسيا والصين والهند حيث توجد أقليات إسلامية بمئات الملايين. وتشمل الخطة أيضاً خنق إيران وتوتير علاقاتها بالسنّة الإيرانيين والعالم العربي.
والسؤال هو: هل تستطيع الرياض أن تستفيد من كلّ نتائج هذا التفتيت؟ إنها واشنطن المستفيد الأساسي، وآل سعود ليسوا إلا أدوات يخدمون واشنطن مقابل البقاء في السلطة.
إنها اللعبة الجديدة الخبيثة وعسى أن يكشفها المسلمون قبل فوات الأوان، ويضعوا حدّاً للوباء المذهبي الآتي دائماً من آل سعود.