عون : الفكر العثماني وراء الإرهاب… والرئاسة تتقدم ببطء
كتب المحرر السياسي:
فكت عشائر العراق صلتها بواشنطن والسعودية وتركيا، وقررت كما قال قادتها لرئيس الأركان الأميركي الجنرال ديمبسي أثناء زيارته لبغداد، إنهم لا يتكلمون بلغة المذاهب ويرفضون كلامه في مخاطبتهم عن حسابات طائفية، لم يروا لها مكاناً في سلوك إيران والحشد الشعبي والكتائب المقاتلة التي ترفع علم حزب الله خصوصاً، وقال قادة العشائر إنهم كانوا يشعرون بالتمييز الطائفي في مراحل سابقة، من حكومة نور المالكي، ولذلك كانت مخاوفهم من أن يدفعوا ثمن الحرب على «داعش»، إذا خيضت بعنوان إيران والحشد الشعبي لمحافظات الوسط والجنوب، فقصدوا واشنطن وقصدوا الرياض وقصدوا أنقرة، وعرضوا مخاوفهم، وحاجاتهم، وعادوا بوعود كثيرة، لم يتحقق منها شيء، بينما كان مقاتلو «داعش» الذين يدعون أنهم جاؤوا لحمايتهم، يحرقون قراهم ويقتلون شبابهم ويسبون نساءهم ويسرقون أرزاقهم، ولما بلغ الأمر حداً لا يحتمل، جاء المدد من إيران والحشد الشعبي، سلاحاً ومالاً ورجالاً، ولم يشعروا بمكان للخوف الطائفي، بل وجدوا عكس ما توقعوا أن الذي قيل لهم أنهم الأكثر تشدداً، هم الذي يرفعون أعلام حزب الله من عصائب أهل الحق ومن معهم من الخبراء والمستشارين اللبنانيين، هم الأشد عناية بالروح الوحدوية ومنع الفتنة، فوقفوا يداوون جراحاتهم، ويقدمون لهم الغذاء والدواء.
ذهل الجنرال ديمبسي بما سمعه بحضور وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي، فتوجه ليسأله عن الواقع الميداني، ليسمع أن منطقة العلم شهدت قتالاً شارك فيه ألف ومئتي متطوع من أبناء المدينة من أصل خمسة آلاف من الذين تطوعوا من عشائر صلاح الدين إلى جانب الحشد الشعبي، ووقفوا يحيون النصر في «علم» تحت علم حزب الله.
حاول ديمبسي وفقاً لمصادر عشائرية أن يقدم الإغراءات بتلبية مطالب العشائر فلقي الترحيب، مع التوضيح أن العشائر مرتاحة للتعاون مع إيران والحشد الشعبي، الذين لم يقف سواهم مع العشائر في محنتها، وكل من يقدم الدعم اليوم مرحب به، لكن من دون شروط، خصوصاً أن العشائر ترفض أي مطالبة لها بوقف التعاون مع إيران أو الخروج من صيغة الحشد الشعبي.
التلعثم الذي أصاب ديمبسي جاء في تصريحاته مع نهاية الزيارة، حيث قال كلاماً غير مفهوم، فتحدث مرة عن دعم الحشد الشعبي في الحرب على الإرهاب، من دون أي إشارة للبعد الطائفي الذي كان يحذر منه قبل مجيئه إلى بغداد، ومرة تحدث عن حصر الاهتمام الأميركي بأمن بغداد وجوارها.
ومما قاله ديمبسي: «تقدير قوات الحشد الشعبي وانتفاضتها على تنظيم داعش»، مؤكداً أن بلاده «من أكبر الداعمين للعراق في حربه ضد تنظيم داعش الإرهابي»، مبيناً أن «أميركا طالبت جميع دول جوار العراق مساعدته في استعادة أراضيه المحتلة من داعش». بحسب ما نقلت عنه شبكة الإعلام العراقية. مشدداً على أن «أولويات التحالف الدولي الذي تقوده أميركا، هو حماية العاصمة بغداد، وسد الموصل، ومدينة حديثة، وجميع الأبرياء في المدن المحتلة من داعش»، مؤكداً أن «الحملة العراقية هي بدعم أميركي وليس العكس».
عاد ديمبسي والصراخ السعودي يسبقه إلى واشنطن عن خطورة ما يجري في العراق، وبدا أن الصدى لقي في بيروت ترداداً بطريق أخرى، بينما كان العماد ميشال عون يعلن اعتبار الفكر العثماني سبب الإرهاب ماضياً وحاضراً، ويكشف بعد لقائه رئيس المجلس النيابي نبيه بري عن تقدم في الاستحقاق الرئاسي ولو ببطء.
هل قررت السعودية إعادة النظر في سلوكيات تيار المستقبل في لبنان؟ لا سيما في ظل ما تم تسريبه عن نية تيار المستقبل أن يطرح في جلسة الحوار المقبلة في 18 من الجاري بيروت منزوعة السلاح على أحد سقفين: إما بيروت الإدارية منزوعة السلاح أو بيروت الكبرى، مع علم أصحاب هذا الطرح أن تنفيذه في هذه الفترة بالذات أمر مستحيل، ويذكر في شكل أو آخر بقرارات حكومة الرئيس فؤاد السنيورة عام 2008 التي أدت إلى ما أدت إليه.
وتساءلت أوساط متابعة لـ«البناء»: «هل صدر أمر عمليات سعودي إلى تيار المستقبل بإحداث خلل ما يسبق ما يحكى عن معركة في جرود عرسال؟». وعطفت هذه المصادر هذه التسريبات من الدوائر المحيطة بالرئيس السنيورة على الموقف المستهجن من وزير الداخلية نهاد المشنوق من دون أن يكون هناك أي إيعاز من الرئيس سعد الحريري بترويجه موضوع عودة الاغتيالات». وأبدت مصادر أمنية وعسكرية لـ«البناء» استغرابها لهذا الموقف، الذي أضاف إليه المشنوق نعيه للاتفاق النووي الإيراني».
وربطت المصادر بين ما صدر عن الدوائر المحيطة بالسنيورة حول نزع السلاح والترويج للاغتيالات من قبل الوزير المشنوق، لتقول إن هناك شيئاً يطبخ للبنان من الفريق الخاسر ميدانياً في سورية والعراق».
الجلسة التشريعية بين بري وعون
وبانتظار ما ستسفر عنه هذه المعطيات، يكثّف رئيس مجلس النواب نبيه بري من مشاوراته واتصالاته مع بدء العقد العادي للمجلس في أول ثلثاء بعد الخامس عشر من شهر آذار الجاري، بهدف عقد جلسة تشريعية «ميثاقية»، لا سيما أن الكتل المسيحية أعلنت أنه في ظل العقد الاستثنائي لن تشارك في أي جلسة في ظل الفراغ الرئاسي على اعتبار أن المجلس هيئة ناخبة إلى حين انتخاب رئيس. وأوضحت مصادر عين التينة لـ «البناء «أن اللقاء الذي عقد بين الرئيس بري ورئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون أمس هو لقاء دوري للتداول في عدد من المواضيع ذات الاهتمام المشترك».
وأشارت المصادر إلى «أن البحث ركز في شكل أساسي على جلسات المجلس النيابي وتحضير الأجواء لعقد جلسة مع بدء العقد العادي للمجلس في منتصف آذار وتفعيل العمل الحكومي». ولفتت إلى «أن اللقاء تطرق إلى الملف الرئاسي وضرورة انتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت في ظل الأجواء الايجابية التي تواكب الحوارات الجارية بين حزب الله – تيار المستقبل والتيار الوطني الحر- القوات اللبنانية، والوضع الإقليمي في ظل المفاوضات الإيرانية مع الدول الخمس زائداً واحداً».
وعلم أن الرئيس بري سيوجه دعوة إلى الهيئة العامة للانعقاد قبل نهاية الجاري للبحث في جدول أعمال أبرز بنوده اقتراح سلامة الغذاء، وسلسلة الرتب والرواتب وتثبيت المتعاقدين في الإدارات العامة، واقتراح يتعلق بقطاع النفط.
وكان عون قال بعد لقائه بري: «مواضيع أساسية جئنا من أجلها وهي ملف الحكومة ومجلس النواب والانتخابات الرئاسية التي مرت بعض المراحل ونأمل أن تُستكمل على خير»، مؤكداً «أنّ هناك تقدماً بسيطًا على صعيد الاستحقاق الرئاسي».
ذكرى الإبادة الأرمنية
وكان عون أكد في كلمة ألقاها في الذكرى المئوية للإبادة الأرمنية التي أحيتها بطريركية الأرمن الكاثوليك في لبنان أن «ما أشبه اليوم بالأمس، فالتاريخ يكرّر اليوم نفسه، ويُذبح المسيحيون وغير المسيحيين، ويهجّرون من أرضهم وبيوتهم، تنفيذاً لفكرٍ إلغائي يرى في الآخر عدواً توجب إزالته والقضاء عليه، تماماً كما حدث منذ حوالى مئة عام عندما كان الفكر العثماني يرى في من يخالفه المعتقد الديني عدواً تجب إبادته. ورأى عون انه «صحيح أن اليوم يشبه الأمس، ولكنه يختلف عنه في ناحية ملفتة، فقافلة الشهداء قد ازدادت وتنوّعت ولم تعد مقتصرة على المسيحيين، بل شملت سائر طوائف المشرق، أما المجرم فيحمل نفس الذهنية الإلغائية لجميع من خالفه المعتقد والرأي، ومن يعلم كيف ستنتهي هذه المآسي المتنقلة من بلد لآخر».
وقال البطريرك الماروني بشارة الراعي في المناسبة نفسها: «ما أشبه اليوم بالأمس، في ما يجري في سورية والعراق من النوع نفسه، وكأنه مخطط استراتيجي متواصل». وأكد «أننا في لبنان متمسكون بميثاق العيش معاً، مسيحيين ومسلمين، في دولة تفصل بين الدين والدولة.
وأكد بطريرك الأرمن الكاثوليك فرنسيس بدروس التاسع عشر «أن الإبادة الأرمنية جاءت دفاعاً عن حرية ضمائرهم ومعتقداتهم الإيمانية وسيادة كرامتهم الإنسانية واستقلال أوطانهم».
«القوات»: لا فيتو على أحد
وفي الموازاة، أكدت الدائرة الإعلامية في «القوات اللبنانية» «أن حزب القوات «يعلّق أهمية كبرى على الحوار الجاري مع التيار الوطني الحر في الملفات كافة بما فيها رئاسة الجمهورية وأنه لا يضع أي فيتو على أي أحد ويعمل جاهداً لانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية يُشكّل وصوله تجسيداً لقناعاته الحزب ومبادئه السياسية».
في المقابل، أكد نائب رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله الشيخ نبيل قاووق «أن من ضروريات المواجهة الإقلاع عن المناورات والكيديات الداخلية والإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية».
وأشار إلى «أن مرشحنا الرئاسي واضح وثابت ونهائي وهو غير مرتبط بمناورات سياسية ولا مفاوضات نووية وإنما يرتبط هذا الترشيح بمصلحة وطنية خالصة صافية مئة في المئة».
وفي سياق متصل، أكدت أمانة سر مطرانية بيروت المارونية «أن لقاء راعي أبرشية بيروت المطران بولس مطر ووزير الخارجية الأميركي جون كيري في باريس تم بمجرد المصادفة، وفي مكان عام ولدقائق معدودة فتم سلام ومصافحة بين الوزير كيري والمطران مطر … ولم يجر بينهما أي تطرق لأي موضوع في العمق».
إلى ذلك، رحب حزب الكتائب باستئناف جلسات مجلس الوزراء «بعد إجازة يأمل بأن تكون قد وضعت الجميع أمام مسؤولياتهم لجهة الأولوية القصوى في انتخاب رئيس للجمهورية». وأمل «بمقاربة الحكومة الملفات الملحة بتوافق ايجابي، وتحديداً القضايا الحياتية».
السلسلة في عيد المعلم
في غضون ذلك، طغى موضوع سلسلة الرتب والرواتب على احتفالات عيد المعلم أمس. وأكد وزير التربية الياس بو صعب، خلال رعايته احتفالاً لنقابة المعلمين في الأونيسكو، أن السلسلة «هي الهدية الوحيدة التي تنصف المعلمين»، معلناً عن لقاء مع الرئيس بري غداً الأربعاء لبحث هذا الموضوع الذي لفت إلى وجود ايجابيات في شأنه.