ستبقى سورية… وستفشل المؤامرة
د. فيـصـــل المــقـــداد
نائب وزير الخارجية السورية
لن أقوم بالتعليق على ما قاله جون كيري مؤخراً حول الوضع في سورية وسبل حلّ الأزمة القائمة فيها، وذلك لأننا لو قمنا بالتعليق على ما قاله كيري حول ما يحدث في سورية منذ توليه منصب وزير الخارجية الأميركية لوقعنا في دائرة الضياع والتيه، ولما صمدت سورية في وجه أعتى الحروب. ولمن لم يفهم بعد طبيعة الأزمة التي تمرّ بها سورية لأنه ضاع ذهنياً أو أنه افتقد إلى بوصلة التحليل القائم على الخبرة والتجربة والمبادئ، نقول إن على هؤلاء أن يعودوا إلى وعيهم وإن من يهرع إلى تأجير عقله وأخلاقه وحكمته وعلمه للآخرين، فإنه لن يحقق في نهاية المطاف إلا الجهل والخطأ والحماقة والسقوط.
لقد حدّد الرئيس بشار الأسد، رئيس الجمهورية العربية السورية، موقف بلاده من الحرب التي أعلنتها «إسرائيل» وبعض قادة الغرب وأدواتهم في المنطقة منذ بدء الأحداث. وبالمناسبة، فإنّ ما قاله الرئيس الأسد منذ اليوم الأول للأزمة ما زال هو ذاته. وكان السيد الرئيس قد أكد أنّ هذه الحرب هي حرب على العرب بهدف تدمير ما تبقى لدولهم من قوة وجيوش، وأنّ المستفيد من هذه الحرب هي «إسرائيل» وأولئك الذين يأتمرون بأوامرها. لكن الرئيس الأسد كان قد أعلن منذ بدء الأزمة أيضاً أنّ من ينفذ هذه الحرب هم حفنة من الإرهابيين والقتلة مهما تعدّدت أسماؤهم ومهما أُطلق عليهم من ألقاب. إنها حرب إرهابية في الوحدات والكتائب والألوية الإرهابية التي أنشأتها «إسرائيل» والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والسعودية وتركيا وأدوات كلّ هؤلاء داخل سورية وخارجها.
احتار الذين تعوّدوا على ترديد ذات الحروف والكلمات التي يتفوّه بها أيّ مسؤول غربي بماذا يصفون كلام وزير خارجية أميركا الذي حشرهم في زاوية من الذلّ والخنوع الذي كمّ الأفواه وفاجأ المنافقين من «فرسان» القنوات الفضائية الساقطة التي وجدت نفسها في وضع لا تحسد عليه، وهي التي اتخذت طيلة سنوات الأزمة كلام المسؤولين الأميركيين على أنه كلام يكاد يكون منزّلاً عندما يتعلق الأمر بالأزمة السورية، أو عندما يتعلق الأمر بالوضعين الإقليمي والدولي. أما نحن أبناء سورية الذين لم نربط مواقفنا إلا لمصلحة سورية وشعبها فإننا لم نرهن تحليلنا وفهمنا لأيّ حدث أو تطوّر إلا ضمن معاييرنا الدقيقة والمستقلة والتي تضع مصلحة سورية وأمتها العربية وقضاياها أولاً بعيداً عن أي مصلحة أخرى مهما كانت المغريات ومهما كانت المكاسب. ففي السياسة السورية لا مكان للأوهام ولا مكان للإتجار بالمبادئ والخطوط الحمراء. وانطلاقاً من التزام سورية قيادةً وشعباً ومؤسسات بحقوقنا غير القابلة للتصرف، فإن سورية تتصدّى بكلّ كرامة وإرادة لا تقبل المساومة أو التراجع عن قيم شعبنا ومبادئه. وإذا نظرنا إلى أربع سنوات من تاريخنا، هي سنوات الأزمة التي نمرّ بها، سنرى من دون أية تساؤلات أننا لا نردّ فقط على العدوان الكوني غير المسبوق علينا في رعونته أو في أساليبه الإرهابية أو في التواطؤ الذي مارسته دول تدّعي الحضارة وتدّعي مكافحة الإرهاب في الوقت الذي لم تكن ممارساتها حضارية، كما ثبت لنا، ولهم قبلنا. إنهم لم يتقدّموا صفوف مكافحة الإرهاب، بل إنهم وقفوا مع كلّ إرهابيّي العالم الذين قدِموا إلى سورية من أكثر من تسعين بلداً وقدّموا لهم المال والسلاح والتدريب والرعاية الإعلامية. أما أولئك الذين كانوا يركعون عدة مرات أمام صور وأقوال كيري وغيره سابقاً، وقاموا باتهامه بالجنون بعد أقواله الأخيرة، فهم من فقد ضميره قبل عقله لأنه مارس التبعية العمياء لأسياده الأميركان، والآن يمارس التبعية لأسياده الجمهوريين وغيرهم من بدأوا حملتهم الانتخابية المقبلة منذ الآن.
إنّ مشاعر الهستيريا التي سادت صفوف حلفاء أميركا بعد كلمات المسؤول الأميركي لا تدلّ إلا على تبعية هؤلاء لأطراف خارجية لا علاقة لها بمصالح بلدهم وشعبهم. وهذا يزيد من قناعتنا بأنّ من يدّعي حرصه على سورية في الوقت الذي تملى عليه سياسات ومصالح الآخرين هو غريب عن سورية مثله مثل الإرهابيين الذين أرسلتهم أجهزة الاستخبارات الغربية من شتى أنحاء العالم لنحر سورية على مذبح مصالح «إسرائيل» والدول التي تعرّت أهدافها ضدّ سورية والمتمثلة في حرصها على مصالح «إسرائيل» وهيمنتها على المنطقة، ناهيك عن إعادة الاستعمار بكافة أشكاله لنهب ثروات دولنا ومحاصرة الأصدقاء الروس والصينيين والعلاقات التاريخية الموضوعية التي تربطهما في شكل خاص مع المنطقة العربية والشعوب الأخرى في الشرق الأوسط.
إذا كان المسؤول الأميركي قد اعترف في شكل واقعي بما هو معلوم ومعروف حين قال إنّ طريق عودة السلام إلى سورية يمرّ بالضرورة عبر المحادثات مع القيادة السورية، فما هو الغريب في هذا على من أقام القيامة على هذه الكلمات ولم يقعد بعد؟ فإذا نظرنا إلى الوراء لدراسة كلّ المحاولات التي بذلتها الأمم المتحدة والجامعة العربية وغير هؤلاء، فمع مَن الجانب العربي السوري تمّ التواصل آنذاك والآن ومن كان صانع القرار في كلّ ما تمّ؟ الجواب الوحيد الذي لا يقبل التأويل هو مع قائد سورية الرئيس بشار الأسد. وعندما ذهب وفد سورية إلى جنيف، ولاحقاً إلى موسكو فإنّ الموافقة على المشاركة والتعليمات التي صدرت للوفود السورية كانت من مصدر واحد وهو رئيس الجمهورية العربية السورية. والأهمّ من كلّ ذلك هو الجواب الاستراتيجي الذي لا يحتمل التأويل رداً على الموقف الذي أعلنه كيري عندما قال الرئيس بشار الأسد ما يلي:
«إنّ أيّ كلام حول وضع «القيادة وبقائها» هو للشعب السوري فقط، لذلك كلّ ما قيل حول هذه النقطة تحديداً منذ اليوم الأول للأزمة حتى هذا اليوم بعد أربع سنوات لم يكن يعنينا من قريب ولا من بعيد… في هذا الإطار كنا نستمع للشعب السوري… نراقب ردود فعل الشعب السوري… تطلعاته… طموحاته… وكلّ ما له علاقة بهذا الشعب… أيّ شيء أتى من خارج الحدود كان مجرّد كلام وفقاعات تذهب وتختفي بعد فترة…».
مما لا شك فيه أننا نرحّب بأيّ تطور إيجابي في مواقف الدول إزاء الأزمة السورية، فلا الشعب ولا القيادة السورية يرغبان في إطالة هذه الأزمة بكلّ ما يعنيه ذلك من مآسٍ ودمار، وهو أمر ما زال الأميركيون والفرنسيون والبريطانيون والأتراك والسعوديون يعملون بغية تحقيقه. فلقد أعلنت القيادة في سورية عن إصلاحات في مختلف نواحي الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية منذ الأيام الأولى لبدء الأزمة، بل وقبل الأزمة بسنوات، إلا أنه ثبت لكلّ مّن راقب تطوّرات الأوضاع عن كثب أنّ الإصلاح لم يكن هو الهدف المنشود، بل أنّ الهدف كان وما زال هو تدمير سورية وتفتيتها والقضاء على وحدة شعب وأرض سورية والإجهاز على جيشها ونشر الفوضى والخراب في هذه المنطقة.
يتضح في كلّ يوم أنّ الأهداف الحقيقية لما حدث في تونس وليبيا ومصر واليمن وسورية هو التدمير المنهجي لأمتنا العربية وبلدانها. وفي مقابل ذلك وقف الرئيس بشار الأسد وأمامه وخلفه وعلى جانبيه أبناء شعبه يدافعون عن مبادئ السيادة والاستقلال والكرامة التي تجسّدت في أمة وقائد مثّل طموحات وتطلعات السوريين والعرب الآخرين في كلّ مكان.
إنّ عيد الأم وعيد المعلم وعيد النوروز هي مناسبات للتأكيد على سيادة وعزة الوطن الأم، وها هي الأم السورية تصنع الأبطال من رجال ونساء جيشنا السوري الباسل ولجان الدفاع الوطني الذين يبذلون الدماء الطاهرة كي يبقى الوطن… كي تبقى سورية.