جيوش ثماني دول عربية تضلّ طريق فلسطين نحو اليمن السعودية تضع مستقبل نظامها ودورها في مهبّ ريح الـ«عاصفة»
كتب المحرر السياسي:
منذ سبعين عاماً والعرب ينتظرون سماع الخبر، وفي فلسطين خصوصاً، لم يكن أحد لا يحمل هذا الحلم، أنه في يوم ستأتي كلّ هذه الأموال والأسلحة، وبالتالي الجيوش والحكومات ستتحد، وعندما يحدث ذلك على الفلسطينيين أن يشعلوا الشموع ويرفعوا الرايات، لأنّ وجهة الجيوش لا تحتاج إلى تفتيش وتدقيق فهي حكماً ستكون فلسطين.
حدثت المفاجأة ونزلت نزول الصاعقة على شعب فلسطين، فقد حشدت ثماني دول عربية جيوشها وطائراتها وشكلت غرفة عمليات لكنها ضلت الطريق نحو اليمن بدلاً من فلسطين.
لم يكن خطأ المسير بل خطأ المصير، فقد فعلها الحكام وهم يعرفون ما يفعلون، وجلس وزراء خارجيتهم في اجتماع رسمي، وبعد عزف الأناشيد الوطنية تناقشوا وقرّروا، أنّ اليمنيين يجب تأديبهم كي تصبح طريق فلسطين سالكة، والتهمة أنهم وحدهم من دون سائر العرب لم يتركوا مناسبة لفلسطين إلا قاموا بإحيائها.
بدأ مسار جديد في تاريخ المنطقة مع القرار السعودي ببدء الحرب على اليمن، وتشكيل حلف عربي إقليمي لهذه المهمة، بدعم أميركي وبيان ترحيب «إسرائيلي» خاص.
الاستغراب الشعبي يحيط بصورة رئيسية بموقفي مصر والسودان، حيث لا تفسير للانخراط في الحرب المستغربة، التي صار العرب فيها مستعربة، إلا المال الخليجي الذي يدفع ثمنه المصريون والسودانيون من كرامتهم، ويتورّطون في حرب سيدفع اليمنيون ثمنها من دمائهم وعمران بلدهم.
بعد الغارات الأولى، توقع السعوديون ثلاثة أشياء، نهوض عسكري سريع تقوده جماعة الرئيس المستقيل منصور هادي، يغيّر موازين القوى في الميادين، انهيار في معنويات الجمهور المؤيد للحوثيين، والثالث إصابة منظومات القتال اليمنية في مقتلها، وخروج كتل أساسية منها من المعركة.
حدث العكس تماماً، فلم تسجل إلا اشتباكات تقليدية خفيفة على خطوط التماس التي نشأت بين المحافظات التي تتقاسم السيطرة عليها الجماعات المؤيدة والمعارضة في جغرافيا واحدة أو متقابلة، من دون حدوث تغيير على الأرض، وفي المقابل خرج الملايين من اليمنيين في تظاهرات حاشدة ملأت شوارع صنعاء وساحاتها بدلاً من الإحباط، وثالثاً بدا أنّ الحوثيين في حال قتالية جديدة، وأنهم يحتفظون بأسلحة نوعية سيستعملونها عند التوقيت المناسب.
السيناريو الأرجح هو مرور الأيام الأولى من دون نتائج يُعتدّ بها، وصمود استثنائي للحوثيين، فيبدأ العدّ التنازلي للعناوين التي حدّدها السعوديون كهدف لعمليتهم، ويدخلون حرب الاستنزاف، وفي بالهم أوهام الخروج السريع من الحرب التي تبرّع السعوديون بفتح بابها لكنهم سيجدونها مقفلة في وجههم، ووقفوا يسترقون السمع خلف الأبواب أن تسكت، والواقع لن تسكت مغتصبة.
أمسك الحوثيون بشارعهم، ليتشاطر معهم التضحيات، وبدأ تحشيد الآلاف من المقاتلين، فيما شهد عدد من المدن بعض التوتر والاشتباكات، وكذلك دارت مواجهات عنيفة في أطراف عدن وفي مدن يمنية أخرى، وكلها يميل إلى الهدوء منذ منتصف ليلة أمس.
هي الحرب، وليست مهمة تفاصيلها، بقدر النهايات التي ستحملها عن التوهّم السعودي بنصر قريب وسريع، وما ستخفيه الحرب يوماً بيوم سيكون أعمق وأكثر تأثيراً مما كان عليه الشك بالهزيمة.
لبنان الذي قرّرت حكومته النأي بالنفس عن المحاور التي تمسك بالمنطقة، قرّر أن يدعو إلى الحوار بين الأطراف المتورطة بالنزاع، محليين أم غير محليين، فيما كان زعيم الغالبية النيابية الرئيس سعد الحريري يصل إلى تركيا موفداً من الملك سلمان، للمطالبة بالانضمام إلى الحلف المناوئ لإيران في المنطقة، وترجمة هذا الانضمام.
عاش لبنان أمس تحت وطأة العدوان على اليمن بقيادة السعودية وتراجع الاهتمام بالمسائل الداخلية بانتظار جلاء الوضعين العسكري والسياسي لما له من انعكاسات على مجمل الوضع في الشرق الأوسط.
الحكومة تنأى بنفسها
وفي حين لم تتخذ الحكومة التي اجتمعت أمس، موقفاً من العدوان تاركة هذا الأمر للرئيس تمام سلام لإعلانه في القمة العربية في شرم الشيخ غداً السبت، ويبدو أنه لن يحيد عن سياسة النأي بالنفس، وهذا ما عبّر عنه وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل في كلمة أمام اجتماع وزراء الخارجية العرب التمهيدي للقمة، موضحاً أننا «في لبنان ننطلق من ثابتة، هي أن ما يتفق عليه الجميع، وفيه وحدة موقف وقوة موقف، فإننا نسير به، وما يختلف عليه العرب في شأن عربي فيه ضعف للموقف، وبالتالي فإننا من خلال سياسة النأي بالنفس نمتنع عنه».
وأكد «دعم الشرعية في أي بلد عربي، خصوصاً في اليمن، لأن في اليمن إسقاطات عدة على دولنا، ومنها لبنان»، مشدداً على «اعتماد الحلول السياسية، أي الحوار والتفاهم، لا الحلول العسكرية التي أظهرت في لبنان وسورية والعراق أن الركون إليها لا يؤدي إلى أي نتيجة سوى هدر الدماء والأموال والجهود والوقت للوصول في النهاية إلى الحلول السياسية».
ويطل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الساعة الثامنة والنصف مساء عبر قناة «المنار» ليتحدث عن التطورات اليمنية وما إذا كان لها تداعيات على لبنان، ولا سيما على الحوار بين الحزب وتيار المستقبل، كما يتطرق إلى ملفات داخلية أخرى.
السنيورة: حرص رفيق الحريري وحزب الله على التعاون
في غضون ذلك، وفي «شهادة» جديدة للرئيس فؤاد السنيورة أمام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان تضعف ما كان أدلى به في وقت سابق أمام المحكمة نفسها حول حزب الله. فبعدما كان ادعى أن الحريري أسرّ له اكتشاف عدة محاولات للحزب لاغتياله، أعلن السنيورة أمس «أن الرئيس الحريري اجتمع أكثر من مرة مع السيد نصرالله وأن الاجتماع كان جيداً».
وقال: «على رغم عدم تأييده، أي الحزب، في تشكيل حكوماته كان الحريري وحزب الله حريصيْن على التعاون».
وأشار السنيورة إلى «أن المفاوضات بين الرئيس رفيق الحريري والمندوب السوري، الذي أعتقد، أنه رستم غزالي توافقت على أن يكون هناك إميل لحود آخر»، موضحاً «أن غزالي كان يلعب دور الوسيط الدائم في لبنان».
ورد لقاء الأحزاب الوطنية على الشهادة الأولى للسنيورة، مستنكراً مواقفه «الرخيصة» التي «يحاول عبرها يائساً إعادة عقارب الساعة في لبنان إلى الوراء، وإثارة الفتنة ضد المقاومة وبعث مناخات التحريض الطائفي والمذهبي من بوابة إثارة الأعداء ضد إيران، وتلفيق الاتهامات ضد المقاومة باغتيال رئيس الحكومة رفيق الحريري بهدف تعطيل الحوار».
وأكد اللقاء أن السنيورة «يبرهن بذلك أنه يفتقد إلى أدنى إحساس بالوطنية، وأنه لا يتوانى عن مواصلة تقديم الخدمات المدفوعة الثمن لأعداء لبنان والتحريض ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي وقفت وما زالت إلى جانب لبنان وشعبه ومقاومته ضد العدوان الصهيوني، ودعمت الحوار والوفاق بين اللبنانيين وساهمت عملياً في إعادة بناء ما دمره العدو الصهيوني في حرب تموز عام 2006، في حين أن السنيورة وبعض من يسيرون في ركب السياسات الأميركية يتجاهلون عمداً السياسات التآمرية الأميركية ضد لبنان والأمة العربية، واستمرار الاستعمار الأميركي المباشر وغير المباشر للعديد من الدول العربية».
«اللقاء الديمقراطي» مع تشريع الضرورة
على صعيد الجلسة التشريعية المرتقبة الشهر المقبل استمرت مشاورات الكتل النيابية في شأن جدول أعمال الجلسة. وفي هذا السياق، عقدت كتلة «اللقاء الديمقراطي» اجتماعاً في كليمنصو، أمس، برئاسة رئيسها النائب وليد جنبلاط وحضور كامل أعضائها.
وأوضح بيان صدر عن اللقاء أنه «خلال الاجتماع، جرت مناقشة مسألة التشريع في مجلس النواب على ضوء اجتماع هيئة مكتب المجلس لا سيما مع تراكم الملفات التي تتطلب إصدار قوانين لها، بما يعزز الاستقرار الاجتماعي، ويحدث بعض الإنفراجات في العديد من القضايا العالقة».
وإذ جددت الكتلة «تمسكها بضرورة الإسراع في انتخاب رئيس الجمهورية، بما يعيد الانتظام إلى العمل المؤسساتي والدستوري ويوفر إنتاج صيغ ظرفية وموقتة»، رأت أنه «في ظل تعذر حصول هذا الأمر فإنها تؤيد تشريع الضرورة وفق الحدود التي تتفق عليها القوى السياسية، بما يوفق بين إقرار رزمة ضرورية من التشريعات والقوانين، وبين الحفاظ على الدستور».
معركة فليطة
أمنياً، أفاد مراسل «البناء» في البقاع أحمد موسى أنه برز على الحدود الشرقية مع سورية، تطور عسكري تمثل في معركة ضارية خاضها الجيش السوري ومقاتلو «حزب الله» من جهة و«جبهة النصرة» من جهة أخرى، على محور فليطة وقارة في القلمون السورية، وتلال الحمراء وشعبة الخشيعة الفاصلة بين جرود عرسال وفليطة إلى الشرق من بلدة عرسال، ووادي الخيل والرهوة في جرود عرسال، وأدت إلى مقتل العديد من مسلحي «النصرة» وتدمير العديد من العربات العسكرية المزوّدة برشاشات ثقيلة مضادة للطيران.
وفي التفاصيل، وفق مصادر قوى 8 آذار «أن وحدة المعلومات العسكرية في حزب الله رصدت معلومة تفيد بأن الجبهة تستعد لهجوم واسع على مواقع الحزب المتقدمة في الجرود الشرقية بهدف فك الحصار والإمساك بزمام المبادرة في المباغتة».
إثر ذلك، رفعت حال الاستعداد والتأهب لدى الحزب والجيش السوري اللذين صدا الهجوم ودفعوا المسلحين إلى التراجع في اتجاه مواقعهم الخلفية.
وسقط في المعركة قياديون ميدانيون من الصفين الأول والثاني في «النصرة» و«الجيش الحر» في القلمون.