سلاح الدمار الشامل… «إسرائيل»
د. فيصل المقداد
نائب وزير الخارجية السورية
أكدنا في مقالات سابقة تناولنا فيها الأوضاع الخطيرة التي تمرّ بها المنطقة العربية على أنّ الخطر الوحيد الذي يحيق بنا جميعاً هو الكيان العنصري الصهيوني «إسرائيل». ولا نعتقد بوجود ما يبرّر التشكيك بذلك فيما عدا ما تقوم «إسرائيل» نفسها إضافةً إلى جوقتها من دول غربية وأدواتها في المنطقة بالترويج له حول وجود أخطار أخرى هي التي تتحمّل مسؤولية تفاقم الأوضاع في المنطقة وتفجرها في عدد من أنحاء المنطقة العربية ودولها. وبعد التوصل إلى اتفاق إطاري من قبل الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومجموعة 5+1 في لوزان بعد ظهر يوم الثاني من نيسان الجاري حول الملف النووي الإيراني يضمن حق الجمهورية الإسلامية الإيرانية في استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية، فإنه من الطبيعي أن نرحب بمثل هذا الاتفاق لأنه سيقود برأينا إلى تخفيف حدة التوترات القائمة في المنطقة وتأثير ذلك على الأمن والسلم الدوليين. وكانت هذه هي طبيعة الجهد الإيراني في هذا المجال العلمي طيلة السنوات السابقة، فقد ثبت للجميع أنّ المسؤول الوحيد عن انتهاك قواعد عدم الانتشار هي «إسرائيل» والدول الغربية التي قدمت كل إمكانياتها لبناء ترسانات «إسرائيل» النووية والكيماوية والبيولوجية منذ بداية الخمسينات من القرن الماضي وحتى الآن. وفي الوقت الذي نترفع عن الشماتة بأدوات الغرب في المنطقة العربية التي وقفت في معركة الصراع على حق الدول النامية في تطوير مقدراتها العلمية واستخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية إلى جانب «إسرائيل»، فإننا، طبعاً لا نحمّل جميع أشقائنا في دول الخليج العربية مسؤولية هذا الخلل الفاضح في مواقفها الأخلاقية والسياسية تجاه الحق الذي مارسته الجمهورية الإسلامية الإيرانية في بناء برنامجها السلمي النووي، فإننا نقول إننا لا نستغرب موقف آل سعود من هذه المسألة فهي مملكة الجهل والتخلف، كما أنها مملكة التبعية للإرادات الغربية والصهيونية. وفي الوقت الذي اكتفت إدارة الرئيس أوباما بإرضاء أدواتها الخليجية بعقد اجتماع على مستوى القمة في كامب ديفيد بعد عدة أشهر من الآن من خلال جائزة ترضية رخيصة، إلا أننا كنا نتمنى أن يقف هؤلاء مع حقنا كعرب، ومع حقنا كدول نامية في تطوير قدراتنا العلمية والتكنولوجية النووية وغير النووية في مجالات الاستخدام السلمي.
لا أودّ تعكير صفو الفرحة إثر التوصل إلى الاتفاق الإطاري، إلا أنّ ما أثار انتباهنا هو انزعاج العائلة السعودية من التوصل إلى هذه النتيجة التي جاءت في إطار دفاع الأصدقاء الإيرانيين عن حقهم وحقنا جميعاً في الاستفادة من الطاقة النووية للأغراض السلمية وعدم تنازلهم عن ترسيخ إنجازاتهم العلمية في كافة المجالات، لكن على الجميع أن لا ينسى أن قائد الثورة الإسلامية الإيرانية السيد علي خامنئي كان قد أصدر منذ فترة طويلة فتوى يحرّم فيها، من خلال فهمه الصحيح للدين الإسلامي. أي توجه لاستخدام الطاقة النووية للأغراض غير السلمية.
أما التعاون الذي أبدته الجمهورية العربية السورية والجمهورية الإسلامية الإيرانية في التجاوب مع رغبات المجتمع الدولي سواءً أكان ذلك في تسليم المواد الكيماوية في سورية لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية وإتلافها بالتعاون مع هذه المنظمة، وفي تعاون الجمهورية الإسلامية الإيرانية من خلال تقديم كلّ الضمانات اللازمة في إطار عدم تسليح برنامجها النووي، يثبتان مرة أخرى صدق نوايانا التي تعتبر استخدام مثل هذه الأسلحة أمراً لا أخلاقياً ويتنافى مع قيم أدياننا وشعوبنا، على عكس ما تدّعيه الدول الغربية التي قامت أصلاً باختراع هذه الأسلحة وتطويرها واستخدامها سواء في الحربين العالميتين الأولى والثانية أو في إجراء التجارب الخاصة بهذه الأسلحة على أرضنا مما أدّى إلى قتل الآلاف من أبناء شعبنا كما فعلت فرنسا في الجزائر، أو في استخدام الأسلحة الكيماوية من قبل الإدارات الأميركية ضد شعب فيتنام وغيره من شعوب الدول النامية.
بعد أن ثبت للولايات المتحدة الأميركية وحلفائها في الناتو، خصوصاً في باريس ولندن اللتين زاودتا على إسرائيل وعلى الولايات المتحدة في عدائهما للعرب ولإيران، فقد آن الأوان كي تتوجه الجهود الدولية لنزع ترسانة «إسرائيل» من أسلحة الدمار الشامل النووية والكيماوية والبيولوجية. إن ما يشجع «إسرائيل» وحلفاءها على الاستمرار بتعزيز برامج أسلحة الدمار «الإسرائيلية» واستخدام بعضها ضد أهلنا الفلسطينيين في قطاع غزة وغيرها هو هذا الموقف المتواطئ لصالحها من قبل بعض الأنظمة العربية وفي مقدمها النظام الوهابي السعودي الذي وجه كلّ حقده الطائفي الكريه لمحاربة الإسلام المعتدل وسخّر طاقاته المالية والعسكرية للهجوم على أهلنا في اليمن لتدمير جيشهم ومعداتهم الدفاعية وللاعتداء على النساء والأطفال والشيوخ الآمنين في اليمن الشقيق من دون أي مبرر أو وازع ديني أو أخلاقي. كما أن دعم النظام الطائفي السعودي لـ«داعش» و«جبهة النصرة» وتنظيمات «القاعدة» الأخرى وتمويله لتدريب الإرهابيين «المعتدلين» على قتل السوريين تأتي في إطار الدور المرسوم أميركياً و«إسرائيلياً» لهذا النظام السعودي الأجير الذي كشف عن كل عداوته للعروبة وأصدقائها من دون تردد أو خجل.
إنّ سورية التي رحبت بالتوصل إلى الاتفاق الإطاري بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وطالبت الدول الغربية بضرورة احترامه ورفع العقوبات الاقتصادية الظالمة وغير المبررة عن إيران، ترى في هذا الاتفاق فرصة أخرى أمام الدول الغربية للتراجع عن مخططاتها العمياء الداعمة لـ«إسرائيل» والتوقف عن سياساتها الميكيافللية الداعمة للإرهاب والقتل وإطالة أمد الأزمة في سورية بهدف استنزافها وتحييدها عن الصراع العربي «الإسرائيلي» على طريق تصفية القضية الفلسطينية وكذلك الدفع بالسعودية في معركتها الظالمة على الشعب اليمني الشقيق بهدف إضعاف بنيته الاجتماعية وإذكاء روح المذهبية البغيضة. وهنا لا بد من التحذير من مغبة الذهاب بعيداً من قبل بعض الأنظمة العربية لخدمة معارك ليست هي معارك العرب، ولتنفيذ مخططات لا تزيد أمتنا إلا تمزقاً وتشرذماً.
إن أية معركة لا تركّز إلاّ على «إسرائيل» هي معركة خاسرة تبعدنا نحن العرب وأصدقائنا عن مواجهة عدونا الرئيسي وهو «إسرائيل». وليكن لنا، نحن العرب في شكل خاص، درس من النجاح الذي حققته الجمهورية الإسلامية الإيرانية نستفيد منه على طريق توحيد طاقاتنا وجهدنا وإمكانياتنا لمحاربة عدونا الرئيسي: «إسرائيل».