سورية: اختراقان سياسي وعسكري في موسكو واليرموك

كتب المحرر السياسي

سجل مطلع الأسبوع الثالث من العدوان السعودي على اليمن، مراوحة قاتلة في المكان من دون إحراز أي تغيير في الميدان، فالبيانات الإعلامية التي تتحدث عن مقاومة ضارية تعترض تقدم الثوار الحوثيين في عدن والضالع ولحج، وشبوة مؤخراً، تتضمن اعترافاً مباشراً بمواصلة الثوار زحفهم في الجغرافيا اليمنية ودخولهم إلى مناطق لم تكن تحت سيطرتهم مع بدء العدوان، من دون أن يخسروا وجودهم في أي منطقة دخلوا إليها، خصوصاً عدن وباب المندب، ولا يسجل للغارات الجوية، إلا المزيد من الشهداء وخصوصاً من المدنيين، الذين قارب عددهم الألف من بينهم قرابة المئتي طفل وفقاً لما قالته مصادر اللجنة الثورية العليا في صنعاء لـ«البناء».

على الضفة السياسية، ترتب على إفلاس الغارات الجوية، بحث سعودي كلامي عن شعارات وعناوين تشبه ما أصاب «الإسرائيليين» في عدوان تموز على لبنان عام 2006، من مثل إعلان استبدال المنع بالقطع، والحديث عن ضرب منظومة السيطرة وشبكة الاتصالات ومواقع القيادة، بالمقابل صار محسوماً وفقاً لمصادر إيرانية مطلعة قالت لـ«البناء» أن تركيا وباكستان أبديتا الاهتمام بمساعي طهران لصياغة مبادرة يجري التداول بها مع مسقط وموسكو، وأبلغتا إلى وزارة الخارجية الإيرانية، الرغبة بالمتابعة لحين تبلور خطوط المبادرة للمشاركة بمناقشتها، والعمل معاً على حل سياسي للأزمة اليمنية، واعتبرت هذه المصادر هذا التحول بوضع باكستان وتركيا، علامة هامة على أن كلام إيران حول الطريق المسدود لقرار الحرب السعودية بدأ يتحول إلى قناعة لأصدقاء السعودية، أو الذين ربما يعبّرون عن رغبة بعض الأوساط الفاعلة في الرياض بفتح قنوات الاتصال بحثاً عن مخرج من المأزق.

وفيما عبّر وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف علناً عن التعاون الباكستاني الإيراني لصناعة الحل السياسي في اليمن، كان الرئيس التركي رجب أردوغان يتلقى إشارات إيرانية ضمنية بالسعي مع القيادة العراقية لتأجيل معركة الموصل وتقديم معركة الأنبار، بعدما أبدى الرغبة في جعل معركة الموصل تتويجاً لتفاهم مشترك إقليمي إيراني تركي عراقي، يتضمّن توسيعاً لإطار المصالحات العراقية بما يمنح بعض أصدقاء تركيا فرص العودة إلى الواجهة العراقية، ويفتح أفق تعاون تركيا في إغلاق الحدود مع سورية أمام السلاح والمسلحين وفقاً لما سمعه أردوغان في طهران، ووعد ببدء التنفيذ، ليعلن فور عودته عن اعتقال مجموعات ذاهبة للقتال في سورية بالتزامن مع توقيت، حيث كانت التحضيرات السورية لمعركة إدلب تتواصل، على إيقاع نجاحات سورية عسكرية وسياسية على جبهتي اليرموك وموسكو، حيث نجحت الفصائل الفلسطينية المدعومة نارياً من الجيش السوري بالتقدم داخل أحياء المخيم خصوصاً في شارع لوبيا والحي الغربي وإجبار مسلحي «النصرة» و«داعش» على التراجع.

في موسكو، نجح الحوار الذي ترعاه وتديره وزارة الخارجية الروسية بين وفدي الحكومة السورية والمعارضة، بإقرار ورقة سياسية مبدئية، تشكل اختراقاً غير مسبوق في حوارات الحكومة والمعارضة منذ بدء الأزمة، وتشكل بياناً سياسياً هاماً في التلاقي على خطوط العمل السياسي في سورية للمرحلة المقبلة.

جدول الأعمال الذي تشكل الورقة المنجزة ثمرة فقرته الأولى تحت عنوان الوضع العام، يتضمن فقرات أربعاً أخرى هي، الإرهاب وإجراءات بناء الثقة ومصير جنيف وتقييمه وآليات المتابعة، ووفقاً لمصادر المجتمعين في موسكو، فإن إنجاز التفاهم على الورقة السياسية، لم يسهل مواصلة الحوار الذي توقف عند مقترح للمعارضة بتبديل الأولويات بين فقرتي الإرهاب وإجراءات بناء الثقة وهو ما رفضه الوفد الحكومي، وترك للراعي الروسي السعي لحل الخلاف لاستئناف الحوار في جلسة اليوم، مع وجود مقترح روسي بتشكيل لجنتين متوازيتين للحوار حول كل من البندين الثاني والثالث معاً، ودمج اللجنتين في نهاية النهار.

لبنان تلقى سلباً المناخات الإقليمية الجديدة، حيث غاب عنها وعجز عن تلقي إشاراتها، فلا يزال غارقاً في خطابات تسديد الفواتير السعودية بصورة مهينة ومذلة، لا يهم فيها حجم الشتائم التي تستهدف من يناصر الشعب اليمني المظلوم، بقدر حجم الإهانات التي يلحقها المداحون بأنفسهم ومكانتهم عندما يتحدثون بذل ومهانة عن المكرمات المالية لشيوخ وأمراء السعودية.

من شظايا هذه الفواتير يعبر حزب الله وتيار المستقبل إلى حوارهما في حلقة جديدة، بعدما أعاد حزب الله التوازن للعلاقة، تسديداً لسندات مستحقة للرئيس سعد الحريري الذي وصف قادة حزب الله وإيران بالفجار الكبار والصغار، فرد رئيس كتلة الوفاء للمقاومة عليه بالإشارة إلى العبيد والجهلة والجبناء.

في هذا المناخ يدخل لبنان اليوم عطلة عيد الفصح عند المسيحيين الذين يتبعون التقويم الشرقي، وتدخل معها السياسة والحوارات في إجازة، بانتظار أن تعود الحركة السياسية مطلع الأسبوع المقبل، مع دعوة رئيس المجلس النيابي نبيه بري هيئة مكتب المجلس إلى اجتماع في منتصف الأسبوع المقبل، وانعقاد جلسة الحوار الوطني الخميس المقبل في 16 من الجاري بعدما كانت مقررة في 11 منه، وانعقاد مجلس الوزراء يوم الخميس المقبل للبحث في الموازنة العامة.

الاتفاق الإطار حقق مكاسب لإيران وحلفائها

وغادر أمس الموفد الخاص للرئيس الإيراني مرتضى سرمدي بيروت منهياً زيارة استمرت يومين توّجها بلقاء الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في جولة محادثات ركزت بحسب مصادر المجتمعين لـ«البناء» على الملف النووي الإيراني والنتائج التي تم التوصل إليها وما حققه هذا الاتفاق من مكاسب لإيران وحلفاء إيران في المنطقة، وتطورات أزمة اليمن والوضع السوري. وشدد سرمدي خلال اللقاء على الموقف الإيراني الداعي للحوار في اليمن»، لافتاً إلى «أن الجمهورية الإسلامية تتعاون مع سلطنة عمان وروسيا للبحث عن أفق للحل السياسي الذي يتطلب وقف السعودية لعدوانها». وإذ أشارت المصادر إلى «أن اللقاء لم يبحث في الملف الرئاسي، ولا في أي ملف داخلي لبناني، لفتت إلى «أن سرمدي وضع السيد نصر الله في خلاصة لقاءاته مع القيادات السياسية».

وأكد السفير الروسي الكسندر زاسيبكين بعد لقائه رئيس الحكومة تمام سلام «أن تحقيق سيناريوات التدخل الخارجي والإملاءات والمحاولات لإسقاط الأنظمة، يؤدي إلى زرع الفتن والتفكيك الدولي، لذلك يجب التخلي عن المواجهات وفتح المجال سياسياً، والتخلي عن المنافسات في المنطقة والعودة إلى التوازنات»، ودعا إلى «إزالة ازدواجية المعايير في الموضوع الإرهابي، لأن مكافحة الإرهاب يجب أن تكون قضية مشتركة وعادلة ومن الضروري اتخاذ إجراءات دولية سريعة وشفافة لوقف التمويل والتسليح للمجموعات الإرهابية».

الحوار الخميس المقبل

وفي مهب المواقف المتناقضة بين حزب الله وتيار المستقبل، أرجئت جلسة الحوار التي كانت مقررة غداً في 11 الجاري إلى الخميس في 16 منه، للبحث في الملف الرئاسي والخطة الأمنية وتنفيس الاحتقان.

وفي إطار السجال الحاصل بين تيار المستقبل وحزب الله على ملف اليمن الساخن والعدوان السعودي عليه، رد رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد في تصريح أمس على رئيس تيار المستقبل سعد الحريري. وأكد رعد «أننا نتفهم حراجة وضع الشيخ سعد وضيق صدره في هذه اللحظة الزمنية خصوصاً إزاء كل ما ننتقد به زعماء السعودية وسياساتهم الخرقاء وعدوانهم الفاشل على اليمن وشعبه، لكن الصمت عما يرتكبه هؤلاء من جنايات وإبادة للمدنيين ومكابرة في محاولة مصادرة إرادة الشعب اليمني وفرض وكيل لهم حاكماً هناك، هو صمت لا يرتضيه إلا العبيد أو الجهلة أو الجبناء».

وأكدت مصادر مطلعة لـ«البناء» «أن بيان الرئيس الحريري الذي استخدم فيه مصطلح «الفجار الكبار والصغار» لا يمكن أن يمر من دون التوقف عنده وبنفس الأسلوب، في شكل يعيد التوازن في العلاقة بين الطرفين، لا سيما أن التوازن في هذا المجال شرط لاستكمال الحوار». ولفتت المصادر إلى أنه و«حرصاً من حزب الله على الحوار، كان عليه أن يصدر مثل هذا البيان الذي تضمن عبارة الجبناء والعبيد والجهلة مقابل الفجار لتثبيت التوازن في العلاقة بينهما».

تفهم لوضع الحريري الحرج

ولفتت المصادر إلى «أن رئيس كتلة الوفاء للمقاومة كان حريصاً على إظهار الحقائق ومحاولة إزالة الغشاوة عن عيون التابعين للسعودية». وتوقفت المصادر «عند مناداة رعد للرئيس الحريري بـ«الرئيس الأسبق» و«الشيخ»، وتفهمه لوضعه الحرج حيث يقيم في السعودية ويتلقى الإملاءات ما يجعله مضطراً إلى إصدار هكذا بيانات».

وشددت مصادر نيابية في تيار المستقبل لـ«البناء» على «أن الحوار ساهم في تخفيف التشنج في الشارع اللبناني وشكل ضمانة للاستقرار، لكن هجوم بعض الشخصيات اللبنانية على السعودية أعاد بعض التشنج إلى الشارع، نظراً للدور الإيجابي للمملكة على لبنان»، متوقعاً أن يبحث هذا الأمر في الجلسة المقبلة».

كنعان في بكركي لترميم العلاقة مع الرابية

وعلى خط الرابية بكركي، كانت لافتة الزيارة التي قام بها أمين سر تكتل التغيير والإصلاح النائب إبراهيم كنعان إلى البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي تلبية لدعوة من الراعي، في محاولة لترميم العلاقة التي شهدت فتوراً بين البطريرك والعماد ميشال عون في أعقاب تحميل الراعي العماد عون مسؤولية تعطيل الانتخابات الرئاسية.

وأكدت مصادر المجتمعين لـ«البناء» أن الأجواء كانت أكثر من ايجابية، لجهة الحفاوة التي استقبل خلالها الراعي كنعان، واستبقائه إلى مائدة الغداء»، وأشارت المصادر إلى «أن البطريرك كرر خوفه وقلقه من استمرار الفراغ الرئاسي، ودعا إلى وضع حد له».

ولفتت مصادر بكركي لـ«البناء» إلى «أن الحلول في المنطقة ستأتي برئيس للجمهورية للبنان قبل تموز المقبل»، مشيرة إلى تقدم في الحوار بين «القوات» و«التيار والوطني الحر».

وفي إطار استكمال البحث والتواصل حول مضمون «إعلان النوايا، زار كنعان أيضاً رئيس حزب القوات سمير جعجع على مدى ساعة ونصف ساعة. وأكدت مصادر مطلعة على اللقاء «أن الجلسة كانت مهمة وجولة أفق واسعة لم تقتصر على الحوار بل بحثت في الملف الرئاسي والتعيينات الأمنية والعسكرية»، مشيرة إلى «تقدم ملحوظ في التحضيرات للقاء عون جعجع».

لا خوف من أي خرقٍ للمسلحين لمنطقة شبعا

أمنياً، أوقفت مخابرات الجيش على طريق الرفيد 9 أشخاص من التابعية السورية كانوا متوجهين من عرسال إلى شبعا وفي حوزتهم مخدرات وسلاح.

وأشارت مصادر عسكرية في البقاع لـ «البناء» إلى «أن هؤلاء الأشخاص يؤلفون شبكة تنتمي إلى تنظيم «داعش» تم تجنيدها في تجارة المخدرات وكانوا متجهين إلى منطقة شبعا ومن ثم إلى القنيطرة وتحديداً إلى منطقتي جباتا الزيت وجباتا الخشب للانضمام إلى مجموعات «داعش» الموجودة في هذه المنطقة».

واعتبرت المصادر «أن المشروع القديم بسعي «إسرائيل» لإنشاء حزام أمني في الجولان السوري تقلص بعد العملية التي قام بها الجيش السوري والمقاومة في جنوب سورية والتي أدت إلى تحرير منطقة القنيطرة باستثناء تلة الحارة التي ما زالت بيد المسلحين».

وطمأنت المصادر بـ «أن لا خوف من أي خرقٍ للمسلحين لمنطقة شبعا وجوارها في الوقت الحالي لا سيما بعد عملية الجيش السوري في السلسلة الشرقية والتي أدت إلى حصر المسلحين في منطقة الزبداني بعد أن سيطر الجيش السوري والمقاومة على التلال الاستراتيجية فيها». وعلى صعيد آخر اعتبرت المصادر أن «مقاتلي تنظيم داعش أخلوا الجرود ليدخلوا إلى مخيم اليرموك في سورية وهذا منسق مع جبهة النصرة لأن جرود القلمون هي المنطقة الوحيدة التي يمكن لداعش أن تعبر خلالها إلى مخيم اليرموك نظراً لصعوبة انتقالهم من الرقة إلى اليرموك».

وأكد عضو كتلة المستقبل عاصم عراجي لـ «البناء» أن أهالي المناطق البقاعية يسمعون في شكلٍ مستمر أصوات طلقات نارية ومدفعية من الجرود»، معتبراً «أن كل المؤشرات والمعطيات تؤشر إلى أن المعركة ستحدث في أي وقت بين المجموعات الإرهابية في الجرود والجيش». وشدد على «أن الجيش على أتم الاستعداد وبكامل الجاهزية ويستطيع صد أي هجوم للمسلحين على قرى البقاع لأن الجيش يطمئن الجميع والوحيد القادر على حماية الحدود».

وكما أكد عراجي «أن لا بيئة حاضنة للإرهاب في المناطق السنية لا في البقاع ولا في غيره من المناطق وكل الاتهامات بأن عرسال بيئة حاضنة للإرهاب تبين أنها غير صحيحة».

وأشار إلى «أن بر الياس تحتضن 70 ألف نازحٍ سوري، وإلقاء القبض على أحد قيادات تنظيم «داعش» نبيل الصديق لا يعني أن هذه المنطقة تشكل حاضنة للإرهاب».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى