اليرموك ليس تل الزعتر

ناصر قنديل

– يحاول بعض القيادات الفلسطينية المرتبطة بالسعودية وقطر وتركيا واستطراداً الواقفة على ضفة العداء لسورية بالضرورة، تصوير ما يشهده مخيم اليرموك في سورية باستعادة صورة مخيم تل الزعتر والمكانة التي يحتلها في الذاكرة الفلسطينية.

سقط تل الزعتر في لحظة تاريخية ملتبسة من الحرب الأهلية في لبنان وبداية الدور العسكري السوري لإنهائها، ودخول ميليشيات حزب الكتائب إلى المخيم في مناخ من الشحذ النفسي العنصري، بصورة تشابه ما جرى في مخيمي صبرا وشاتيلا مع الاجتياح «الإسرائيلي» لبيروت عقب اغتيال بشير الجميّل.

– مخيم اليرموك أكبر المخيمات الفلسطينية في سورية، يرزح تحت سيطرة المجموعات المسلحة التابعة لتشكيلات مموّلة من السعودية وقطر ينتمي أغلبها لمتفرّعات تنظيم «القاعدة»، وكانت في الشق الفلسطيني منها تعمل تحت غطاء حركة حماس وشكلت لاحقاً نواة تنظيم «جبهة النصرة» وبعدها «داعش»، ويشكل فريق يحمل اسم «أكناف بيت المقدس» بقايا حماس الرسمية، وتعلن التشكيلات قتالها العلني ضدّ الجيش السوري بعد تصفية وجود فصائل فلسطينية على رأسها تنظيمات منظمة التحرير الفلسطينية، والجبهة الشعبية ـ القيادة العامة وحركة فتح الانتفاضة، وتختطف المخيم الفلسطيني تحت عناوين لا علاقة لها بالقضية الفلسطينية، والانقسام ليس فلسطينياً ـ فلسطينياً، بل هناك من قرّر من الفلسطينيين أنّ قضيته تطهير سورية من جيشها ونظام الحكم فيها وجزء كبير من شعبها لحساب الانتصار لمشروع دولة أممية تبايع الخليفة أو الأمير، وبعض التافهين المتحدّثين عن نصرة ثورة في سورية في وجه نظام لا دخل لهم بشأنيهما، وسط ذاكرة سورية فلسطينية عنوانها التعامل الأخوي، وتنعّم الفلسطينيين بميزات المواطن السوري، وحيث القضية الفلسطينية هي قضية الدولة السورية التي بسبب الالتزام بها تحمّلت الدولة والشعب في سورية الضغوط والحروب، ولأجلها تحمّلت وجود فصائل كحماس، التي تحوّلت إلى حصان طروادة لخطف جزء من جغرافيا الوطن السوري ووضعه في خدمة مشروع معاد للدولة والشعب السوريين، بذرائع لا دخل للقضية الفلسطينية بها.

– في تل الزعتر كانت كلّ الفصائل الفلسطينية التي نعرفها موجودة مع شعبها، وسط تاريخ متداخل من الحرب الأهلية اللبنانية، والمخيم في قلب الحرب ويومياتها مع الجوار الطائفي المعبّأ ضدّ الفلسطيني كوجود، والمختزن لذاكرة سلبية من الجيرة مع سلاحه، والتعبئة المشككة بقضيته والمتهيأة بقوى سياسية للتحالف مع «إسرائيل»، وشعارات تطهير لبنان من الغرباء في الإشارة إلى الفلسطينيين وحدهم، وكان اجتياح مخيم تل الزعتر بقوى لبنانية عنصرية تسلحت ببعض السلوكيات والشعارات الخاطئة للتنظيمات الفلسطينية، لتوظيفها في خدمة مشروع يهدف لسلخ لبنان عن هويته وموقعه الطبيعي في الصراع مع «إسرائيل»، وتلى سقوط المخيم مجزرة بحق الفلسطينيين، وتهجير، وهجرة سياسية للبنان نحو الحقبة «الإسرائيلية» تباعاً، توّجت بالاجتياح «الإسرائيلي» عام 1982 وفي قلبه تكرار لمجزرة شبيهة في صبرا وشاتيلا.

– الذي يجري اليوم في مخيم اليرموك هو إعادة المخيم إلى فلسطينيته، وتحريره من خاطفيه، الهادفين لتغيير موقعه وهويته، وسكانه وموقع بندقيته، فأيّ مخيم فلسطيني، يطلق النار في الهواء ابتهاجاً عندما تغير طائرات «إسرائيلية» على بعد مئات الأمتار ويعلن استهداف جيش عربي وقافلة صواريخ لمقاومة عربية، وأي مخيم فلسطيني يخوض حرباً ضدّ جيش يتعرّض كلّ يوم لمواجهات مع الجيش «الإسرائيلي»، ومن هي القوة الفلسطينية التي تستطيع ولحساب وعنوان فلسطين أن تضع خارج جغرافيا المخيم القوى الفلسطينية في منظمة التحرير والفصائل المقاومة، وتسلّم قراره لعنوان إقامة خلافة أو إمارة ينطق أصحابها في «النصرة» بالتحالف مع «إسرائيل»، وتقدّم «إسرائيل» لرفاق السلاح منهم الدعم الناري واللوجيستي على حدود الجولان، ويعلن خليفتهم أن لا أولوية لفلسطين في جدول أعمال خلافته وأن فلسطين ليست دار إسلام، وعلى الفلسطينيين الذين لا يتحمّلون جور الاحتلال الهجرة إلى أرض الخلافة؟

– عندما يعود المخيم حراً من قبضة هذه المجموعات الإجرامية، سيعود المخيم فلسطينياً ويعود الفلسطينيون الذين هجروا من المخيم أو هجروه بعدما احتجزوا كرهائن ومتاريس بشرية وعانوا الجوع والقهر والحصار، وسيستعيدون بيوتهم وأملاكهم وأرزاقهم ودورة حياتهم، التي لا يعيش مثلها أي فلسطيني في العالم، من تمتع بحق العمل والتملك والطبابة والتعليم المجانيين أسوة بالسوريين أبناء البلد، بلد لا يرفع فيه إلى جانب العلم السوري إلا علم فلسطين، وعندها يعود المخيم للفصائل الفلسطينية التي تربط مواقفها، نتفق معها أو نختلف، بعنوان فلسطيني، وعندها يعود الأمن والاستقرار بين المخيم والجوار، وهو أمن سيحفظه الفلسطينيون بتحرير مخيمهم المخطوف، لأنّ الدولة السورية رفضت اقتحام المخيم وقرّرت أنّ اختطافه من مجموعة فلسطينية وتسليمه لجماعات الخليفة والإمارة، يجعل مهمة تحريره على عاتق الفصائل الفلسطينية، والجيش السوري مستعدّ لتقديم كلّ دعم تريده هذه الفصائل لتنفيذ هذه المهمة، ليعود المخيم لهويته ولكن قبلها ومعها، لقضيته الفلسطينية.

– صراخ بان كي مون عن الخوف من مجزرة وكلام جون كيري عن رفض الحصار، يعنيان أنّ وضع «داعش» و«النصرة» صار حرجاً في المخيم، فكيري وبان كي مون لم يسمعانا كلمة مشابهة عن مخيم جنين يوم كان يُجرف حجراً على حجر على أيدي قوات الاحتلال قبل أكثر من عشرة أعوام، ولا عن غزة التي احترقت بنيران الاحتلال عشرات المرات.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى